خطاب سماحة السيد مرتضى السندي في ذكرى انطلاق ثورة 14 فبراير

الخطاب المصور لفعالية "الشباب لؤلؤة الثورة" في جمهورية العراق

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

السلام على شعب العراق العزيز، السلام على أخوتنا وأعزتنا المجاهدين، السلام على شعب عليٍّ والحسين والأئمة المعصومين ورحمة الله وبركاته..

السلام على المجاهدين الصابرين الثابتين الذين يصنعون مجد الأمة بمواجهتهم لهيمنة قوى الإستكبار وتحطيم هيبته المصطنعة الكارتونية..

السلام على عوائل الشهداء الذين صنعوا التاريخ بدمائهم الزاكية القانية..

إنه لمن دواعي سروري وأنا أقلّكم وأصغركم أن أتحدث لكم ومعكم وأنتم شعب العطاء والإيثار والتضحية والفداء، وفي مقدمة الشعوب المضحية من أجل الدين والعقيدة والرسالة.

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

تمر علينا هذه الأيام الذكرى العاشرة لانطلاق الثورة المجيدة في البحرين، هذه الثورة التي وقف في وجهها كل قوى الظلام والقمع والإستبداد والقتل، واجتمع لوأدها أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وجيوش الخليج متمثلة في ما يسمّى بجيش درع الجزيرة.

لكن لمواجهة من؟ لمواجهة شعب أعزل يواجه الظلم والرصاص بصدور عارية وأكف خالية، لمواجهة شعب لا يمتلك إلا إيمانه بربه وقضيته وكفى بربك حسيباً، انطلقت هذه الثورة بحثاً عن الكرامة المهدورة وتطلعاً للحياة الكريمة البعيدة عن الإستبداد والتفرد بالسلطة والثروة.

قبيلة واحدة تستفرد بكل خيرات الوطن من أقصاه إلى أقصاه، من حبات ترابه إلى قطرات بحره إلى أعماق أرضة، وممتدة إلى كل سمائه، قبيلة تنظر إلى البلاد والعباد على أنهم ملك خاص لها ولا يحق للشعب أن يتحدث بلغة الحقوق، وإن كلفة هذا الحديث باهظة جداً، تكلف المتحدث سنوات من السجن والتعذيب.

قبيلة تستبدل الشعب الأصيل بأناس تجلبهم من الصحاري والقفاري والبدو وتمنحهم الجنسية والإمتيازات وتحرم المواطن منها، من ركام المعاناة والإضطهاد خرج الشعب ليتنفض على الواقع الفاسد الظالم، وليرفع صوت ظلامته ويوصله للعالم بأننا لا نقبل عيش العبيد ولا نقبل أن نعيش أذلاء، فما كان الرد إلا مزيداً من القمع والقتل والتعذيب وملأ السجون والاغتصابات وهدم المساجد والحسينيات وحرق كتاب الله العزيز والفصل من الأعمال وتشريد المواطنين الأصليين وإسقاط جنسياتهم وإبعادهم عن أوطانهم، ولن يستثنى من ذلك الرجال والنساء والأطفال وعلماء الدين والأكاديميين والنخب الثورية والشباب.

كانت ثورة البحرين بسلميتها التي قلّ نظيرها اختباراً لدعاة الحرية وحقوق الإنسان، وقد كانوا على المحك أمام شعاراتهم التي يرفعونها ولكن كل تلك الشعارات تبددت وتحطمت وتساقطت أمام المصالح التي تجمع قوى الاستكبار مع الأنظمة العميلة التي تؤمّن مصالحها في المنطقة.

لقد مزقت ثورة شعب البحرين الأعزل كل الشعارات الرنانة التي يغني بها الغرب وكانوا أمام سقوطٍ مدوي قبال مطالب شعب البحرين، استمرت ثورة البحرين بسلميتها حتى تعدت السلطات على كل الجرائم ولم تبقِ حرمةً لم تدنسها، ولم تبقِ جريمةً لم ترتكبها، وخابت آمال الناس من إيجاد أفق لحل سياسي أو حقوقي أو تدخلٍ خارجي، لينصفها وليوقف النزيف الهادر، فما كان إلا أن انتفض ثلة من الشباب الغيارى على كرامتهم ودينهم، وأعراض أبناء شعبهم ولملوا صفوفهم وأعدوا لأعدائهم ما استطاعوا من قوة يرهبون بها عدو الله وعدوهم، كانت هذه القوة بسيطة جداً في الحسابات المادية في قبال قوة العدو التي تدعمه قوى الاستكبار مجتمعة، إلا أن هذه القوة البسيطة كانت لله، فباركها الله سبحانه وتعالى، وسيباركها يوماً بعد يوم، هذه المقاومة القليلة في عدتها وعددها، مثلت رعباً للطواغيت وهزّت عروش الممالك العميلة مما استدعاها لأن ترتمي في أحضان قوى الاستكبار وعلى رأسها الشيطان الأكبر أمريكا والكيان الصهيوني الغاصب للأراضي الإسلامية من أجل إنقاذها من ضربات المقاومة الفتية.

بعد عشر سنوات عجاف مليئة بالظلم والقهر والقتل والاستبداد نتطلع اليوم لماردٍ إسلاميٍ جديد، ينفض الركام ويخرج ليحطم جبروت المستكبرين والطغاة، وسيرسم المستقبل للبلاد والمنطقة، هكذا كانت سنة الله، وهكذا اليوم وغداً (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبديلًا) (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)، هكذا كانت المقاومة في إيران، واليوم تمثل الجمهورية الإسلامية أم القرى، وهكذا كانت المقاومة في لبنان واليوم تمثل قوة إقليمية، وهكذا كانت المقاومة في العراق، واليوم تمثل قوة ضاربة تطرد أمريكا وتلاحقها وتذل جبروتها، وهكذا المقاومة في اليمن الجريح، وها هي أمريكا تستجدي الصلح والقرب لتحفظ ما تبقى من ماء وجهها، وهكذا هو مستقبل المقاومة في البحرين، بثباتها وصمود أهلها ورجالاتها، سيرسم المستقبل بريشة الصبر والأمل ولون الدماء والألم وتشرق شمس الحرية بعد طول ظلام الليل الدامس حتى لو بعد حين.

عشر سنين مضت وشعبنا على استعداد لأن يصمد عشرات السنين ولن يقبل عيش العبيد.

اللهم ارحم شهدائنا الأبرار وفك أسرانا وشافي جرحانا والحمدلله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى