أسئلة اللقاء المفتوح الذي أقامه ملتقى الشباب بعنوان : قصة كفاح

الإجابة على أسئلة اللقاء المفتوح الذي أقامه ملتقى الشباب في نادي الحالة مع الأستاذ عبدالوهاب حسين، تحت عنوان ” قصة كفاح ” في صالة نادي العروبة, ليلة الخميس الموافق 11/12/2002م.

الدفعة الأولى:

س 1:  لماذا رفضت الحكومة في الاعتقال الأول إشراك الأستاذ عبدالوهاب حسين في حوارات أصحاب المبادرة ؟

ج 1: لقد شاركت إخواني أصحاب المبادرة الحوارات في داخل السجن ، نعم استبعدت في بعض النقاط المفصلية مثل اللقاء الذي ضم فضيلة الشيخ سليمان المدني، وفضيلة الشيخ منصور الستري، وفضيلة الشيخ أحمد بن خلف، والوجيه الحاج أحمد منصور العالي، سعادة الوزير عبدالنبي الشعلة قبل استوزاره، وحضره من جانبنا فضيلة الشيخ عبدالأمير الجمري، وفضيلة الأستاذ حسن المشيمع تحت عنوان أكبرنا سناً، غير أن فضيلة الشيخ عبدالأمير الجمري ألق كلمة مكتوبة كان لي في كتابتها دوراً رئيسياً ، واستدعى فضيلة الأستاذ حسن المشيمع مرة، من قبل الضابط عادل فليفل ، ومما قاله له: أن عبدالوهاب سوف يخربكم، وقد أكد له فضيلة الأستاذ حسن المشيمع، بأن رأي عبدالوهاب وموقفه هو رأي وموقف الجميع، وكان ذلك بشأن إعدام الشهيد عيسى قمبر.

س 2: لماذا رفض الأستاذ عبدالوهاب الدخول مع الحكومة في حوار أثناء الاعتقال الثاني، وبقى طيلة الاعتقال الثاني في السجن الانفرادي، رافضاً كل العروض المقدمة له في سبيل إطلاق سراحه ؟

ج 2: لقد أثبتت التجربة الأولى ، وهي تجربة المبادرة، بأن الحوار في السجن لا يمثل حواراً جاد وحقيقياً ،لأن السجين يقع تحت الضغوط ، ويعاني من نقص حاد في المعلومات ،وللعلم فقد أوشكت عدة مرات في السجن الأول على الانسحاب من الحوار ، وكنت أتراجع تحت إصرار الأخوة الكرام أصحاب المبادرة على البقاء. وأما السجن الانفرادي فكان الهدف منه إبعادي عن السجناء عموماً ، وأصحاب المبادرة خصوصاً، والتأثير على معنوياتي. وكسر إرادتي، وقد فشلوا في ذلك فشلاً ذريعاً، وكنت أعيش مع نور الهداية، وأنس الإيمان بربي الذي يراني، وهو قريب مني، وكنت على يقين بعدالة قضيتي، وأن الله جل جلاله معنا والنصر حليفنا، وأن أهدافنا ومطالبنا سوف تتحقق على أرض الواقع ، لم أشك في ذلك ، وحصل الفرج ، ثم حصل الانقلاب ،وسوف نواصل الطريق دون يأس حتى تتحقق أهدافنا ومطالبنا المشروعة، وسوف تتحقق تحت إصرارنا من رحم الصبر والمعاناة الطهورة المباركة.

س 3: أين موقعك السياسي الآن ؟

موقعي السياسي فوق منصة الواجب الديني والوطني، ألبي النداء متى صدر. أما القوائم فهي وعي الجماهير وإخلاصهم.

س 4: هل كتب الأستاذ أي خطاب وألقاه فضيلة الشيخ عبدالأمير الجمري ؟

ج 4: كان البعض يقول، وأنا سمعت ذلك بنفسي من بعض الأشخاص، أن عبدالوهاب كان يكتب بعض الخطب لسماحة الشيخ عبدالأمير الجمري ، وأرغب هنا أن أذكر بعض الملاحظات.

النقطة الأولى: أن سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري يتميز عن كثير من العلماء بالتشاور كثيراً مع الآخرين، ولم أر مثله أحد من العلماء في ذلك، وكان حفظه الله تعالى يدون بدقة وبالتفصيل ملاحظاته، ويظهر أثرها في كتابات وخطابات سماحته. أضف إلى ذلك أن أصحاب المبادرة وغيرهم من الرموز كانوا يلتقون كل صباح خميس ويتداولون خطاب يوم الجمعة، وكان أثر ذلك التنسيق ملموساً لدى جميع المراقبين.

الملاحظة الثانية: أنني كتبت برغبة من أصحاب المبادرة في السجن الكلمة التي ألقاها سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري في مكتب سعادة وزير الداخلية بحضور فضيلة الشيخ منصور الستري رحمه الله، وفضيلة الشيخ سليمان المدني، وفضيلة الشيخ أحمد خلف، والوجيه أحمد العالي، وسعادة الوزير عبدالنبي الشعلة قبل استوزاره، والتي لخصت مطالب وأفكار المبادرة.

الملاحظة الثالثة: أنني كتبت جميع البيانات الصادرة عن أصحاب المبادرة ، والبيانات الصادرة قبل ذلك إبان الانتفاضة بتوقيع علماء من البحرين – حسب ما أتذكر – وكانت تراجع وتصلح من قبلهم قبل صدورها ، وكتبت جميع الأوراق المقدمة من أصحاب المبادرة إبان السجن الأول ماعدا الرسالة التي عرفت برسالة الاعتذار.

والخلاصة: أن سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري كان يكتب حتى آخر عهدي به خطبه بنفسه، إلا أنه كان يستشير الآخرين ، ويأخذ منهم بعض الأفكار التي يراها مناسبة. أما التوجه العام لأصحاب المبادرة ، فكان واحداً بفضل التنسيق المستمر بينهم، وكان أثر ذلك ملموساً في جميع خطاباتهم.

س 5: هل كان يسمح لأصحاب المبادرة الالتقاء مع بعضهم داخل السجن ؟ وأيضاً هل تم تعذيب الشيخ الجمري جسدياً ؟

ج 5: في السجن الأول ، بعد شهرين من الاعتقال ، وضع جميع أصحاب المبادرة مع بعضهم ، وكان يفرق بينهم أحياناً كعقوبة. أما في السجن الثاني، فتم عزل فضيلة الشيخ عبدالأمير الجمري ، وعبدالوهاب حسين كل لوحده ، أما بقيت أصحاب المبادرة فكانوا مع بعضهم بعد شهر أو شهرين من الاعتقال. وحسب علمي لم يتعرض سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري للتعذيب الجسدي ، أما التعذيب النفسي فحدث ولا حرج ، وكان من أكثر الأمور على نفسه اعتقال ابنته السيدة عفاف أم حسين حفظها الله تعالى.

س 6: كيف كانت علاقتك بالمناضل أحمد الشملان ؟ وهل تعتقد أن الإفراج عنه كان مقصوداً حتى لا يتحرك من جديد المد اليساري ؟

ج 6: علاقتي في العمل السياسي بالأخ أحمد الشملان ، بدأت مع التحرك في العريضة النخبوية عام 1992م، وكان من أكثر العناصر نشاطاً وصدقاً وحماساً، يتحرك بحس وطني بعيداً عن التميز الطائفي أو الحزبي، ومن المعروف أن الأخ المناضل أحمد الشملان قضى معظم حياته في السجن والغربة، وهذا محفوظ له في سجله الوطني، ورغم معاناته من المرض بعد الإصابة بالجلطة في الدماغ أثر منعه من السفر في مطار البحرين، إلا أنه حريص على الحضور في الفعاليات الوطنية المهمة التي تحتاج إلى دعمه ومساندته المعنوية ، ولم ينسى شعب البحرين الوفي فضل الأخ المناضل أحمد الشملان ، وسوف يبقى يحييه ويشكره على مواقفه الوطنية النبيلة. أما عن اعتقاله والإفراج السريع عنه، فهو مقصود للأهداف التي ذكرتها في الجواب السابق، وأن رموز التيار اليساري وقفت إلى صف الرموز الإسلامية الشيعية وقت المحنة، وكان لذلك أثره الطيب ، في فشل المحاولات التي جرت لوصم الحركة المطلبية بالطائفية ، وكانت المعاملة في السجن للأخ أحمد الشملان أفضل بكثير من بقية الرموز، وله بعض الامتيازات للأهداف نفسها.

س 7: ما هي أهم أشكال التعذيب التي يعذب بها المرتزقة أهالي البحرين في السجون في التسعينيات. وما هي أهم الأسئلة التي توجه إليهم ؟

ج 7: لا أعرفها ، لأني تعرضت فقط للضرب المبرح على جميع أجزاء الجسم والركل الذي أحدث جروح ورضوض في جسمي ، على يد شرطة الشغب، والضباط والشرطة في اللجنة، في الاعتقال الأول ، وسؤلت فقط عن المسيرة التي خرجت في قرية النويدرات بعد صلاة الظهر من يوم الجمعة الموافق 17/3/1995م ،ولم أسأل عن شئ آخر. وللحقيقة فإني لم أتعرض لشيء من التعذيب على يد المخابرات. وأكثر ما آلمني شتم الضباط والشرطة للدين والمذهب، وكأننا لا نعيش في دولة مسلمة ، وأيضاً سماعي لصرخات الشباب تحت وطأة التعذيب الجسدي، فبيني وبينهم جدار وأن مصمد العينين . وباختصار شديد. أنا لا أمثل نموذجاً لضحايا التعذيب ، فإذا أردتم أن تتعرفوا على أشكال التعذيب، فسألوا الضحايا وهم كثيرون.

س 8 : نلاحظ أستاذي أن القائمين على العريضتين الشعبية والنخبوية كانوا من جميع ألوان الطيف السياسي، ولم يتعرض للاعتقال إلا الشيعة، فهل هي سياسة من الحكومة لوسم الحركة بالطائفية ، أم أن باقي الأطياف تنازلت ؟

ج 8 : كان اعتقال الشيعة دون غيرهم لعدة أسباب، منها:

السبب الأول: أنهم الأكثرية المتحركة والمؤثرة في الشارع.

السبب الثاني: محاولة وسم الحركة بالطائفية.

السبب الثالث: عدم استعداء الأطراف الأخرى، لاسيما التيار السني، لكي لا تبرز الوحدة الوطنية في المطالبة الشعبية. وقد سمعت شخصياً من هندرسون، بأن الأمير الراحل بعث إليه بمذكرة يسمح له فيها باعتقال الشيخ عبداللطيف المحمود، ولكن هندرسون نصح الحكومة بعدم الاعتقال ، لكي لا تتحرك الطائفة السنية، وتجابه الحكومة في الوقت الذي تجابه فيه الحكومة الشيعة، وقد ساندت بقية الأطراف الوطنية التيار الإسلامي الشيعي، وأثبتت أن المطالب وطنية، والحركة المطلبية وطنية، وتمثل جميع ألوان الطيف السياسي الوطني، وهذا لا يعني عدم تراجع الأفراد.

س 9: هل المثالية التي ينتهجها الأستاذ عبدالوهاب ، حل ناجح في مقابل تصرفات الطرف المقابل ؟

ج 9: قدوتنا في العمل السياسي هم الأنبياء والأئمة (ع) وليس فرعون أو معاوية أو قارون، ونحن نلتزم بالمبادئ والثوابت الشرعية، ونطيع الله جل جلاله في كل شيء ، ونواجه الخصم بصبر وثبات وواقعية علمية، وسوف نكسب المعركة، لقوله تعالى ” وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” ولقوله ” كتب الله لأغلبن أنا ورسلي”.

س 10: لماذا أطلق سراحكم بعد وفاة الأمير السابق ؟

ج 10: كانت بداية عهد جديد ، والبلاد كانت في أزمة أمنية وسياسية خانقة، أثرت على جميع أوضاع البلد، ولا مخرج من الأزمة إلا بالإفراج عن المعتقلين والبدء في الإصلاحات. أضف إلى ذلك خطر فقدان البحرين لثلث أراضيها بحكم المحكمة الدولية ، ومواجهة ذلك الخطر يتطلب إصلاح الوضع الداخلي، فلما اطمأنت السلطة على بعض الأمور الهامة منها الحصول على جزر حوار، عادت القهقرى وأدخلت البلاد في أزمة جديدة، ولم تتعلم من الدرس.

س 11: ما هو رأيك الآن ونحن في عام 2002م، وفي ظل الحريات المحدودة. ألا تعتقد بأن الاعتصام كان خطوة خاطئة، وأنه جاء بناءً على حماس الشباب وضغطهم على العلماء لاتخاذ هذا الموقف ؟

ج 11: لقد كان الاعتصام من أفضل الخطوات السياسية وأنجحها، وأكثرها جرأة، ولقد حقق أهدافه بنجاح، وكان التقصير في الاستثمار السياسي للحدث، وقد تم شرح أهداف الاعتصام ونتائجه في البيانات الصادرة أنذاك من أصحاب المبادرة، فعلى الراغبين الرجوع إليها، وقد وصف سعادة وزير الخارجية محمد المبارك الاعتصام، بأنه مسدس مشهور على رأس الحكومة ، حسب ما نقله الوجيه فيصل الزيرة.

س 12: هل كانت الموافقة على الميثاق خطأ ، أم في مصلحة الشعب ؟

ج 12: الموافقة على ميثاق العمل الوطني ، كانت خطوة صحيحة ، أثبتت حسن نوايا المعارضة، ورغبتها الصادقة في الإصلاح وخدمة المصلحة الوطنية ، وأن معارضتها ليست من أجل المعارضة أو المصالح الخارجية أو الطائفية أو غيرها من المصالح الضيقة ؟ ولو رفضت المعارضة الميثاق لقالت الحكومة والقيادة السياسية في البلد والرأي العام العالمي والمحلي، بأنها مدت يدها للمعارضة من أجل الإصلاح , ولكن المعارضة رفضت ذلك مما يدل على سوء نواياها ، وبالتالي فإن المعارضة سوف تفقد أصدقائها، أما وقد قبلت المعارضة بالميثاق ، فقد كسبت الجولة، وبعد ذلك إنقلبت الحكومة على الميثاق لإنه لا يتوافق مع رؤيتها والوضع الذي تريد أن ترتبه للبلاد، وبذلك خسرت الجولة ، فالانقلاب والوضع الجديد الإنقلابي ليس كسباً للحكومة وإنما خسارة سياسية كبيرة أمام المعارضة، يفهم ذلك من له قلب أو القى السمع وهو شهيد ،فالمعارضة هي في الوضع الأقوى سياسياً، والمطلوب مواصلة الطريق في الكفاح، حتى يتغير الوضع الإنقلابي ، وتتحقق للشعب أهدافه ومطالبه المشروعة.

س 13: ما هي أهم المميزات التي ميزت طفولة عبدالوهاب حسين، بحيث كانت لها أثرها في تكوين شخصيته ؟ وأيضاَ ما هي طموحات عبدالوهاب حسين ؟

ج 13: أهم ميزة لحياتي ، هي أني عشت في أسرة فقيرة إلى درجة الحرمان ، وقد ترك ذلك أثره في حياتي إلى هذه الساعة ،بل هذه اللحظة ،وقد تعلمت من ذلك الوقت عدة أمور منها:

الأمر الأول: علمت أن تحت ركام الفقر كنوز ثمينة يجب أن نبحث عنها. فتشوا تحت ركام الفقر عن الكنوز المدفونة.

الأمر الثاني: علمت أن للناس في رقبتي ديون لن أخرج منها إلى يوم القيامة.

الأمر الثالث: تعلمت أن أحترم كل الناس، وأن لا أسيء إلى أحد من الناس بدون حق.

وأما عن طموحاتي ، فهي أن أرضى ربي، وأن أموت على الإيمان ،وأن أوفق لخدمة الناس، وأن أراهم في وضع أفضل، وأن يحشرني ربي مع محمد (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السلام ) ، وأن أفضل طريق إلى ذلك هو الشهادة.

س 14: قلت أنك ذهبت إلى الجامعة، وكنت فقيراً في وعيك السياسي والثقافي، وأنك صدمت بالواقع الذي يمثله المد اليساري هناك، وأن عاطفتك الدينية حملتك إلى الكثير من القراءة والحوارات التي شكلت وعيك الديني والسياسي، وجعلتك من المتدينين عن علم وقناعة وليس عن تقليد .

هل ذكرت لنا أسماء الكتب والمؤلفين الذين قرأت لهم في تلك الفترة، وتركت ذلك الأثر في نفسك ؟

ج 14: لقد قرأت للسيد الصدر كتاب رسالتنا والمدرسة الإسلامية، وفلسفتنا، وللسيد الطباطبائي القرآن في الإسلام، والمرأة في الإسلام، وللشيخ محمد أمين زين الدين كتاب الطليعة المؤمنة، والعفاف بين السلب والإيجاب ، ومن أشعة القرآن، وللسيد فضل الله كتاب قضايانا على ضوء الإسلام، وللشيخ الكوراني كتاب فلسفة الصلاة، وقرأت للشيخ الفضلي وللسيد هادي المدرسي، وللشيخ محمد مهدي زين الدين ،وللسيد محمد قطب، وللسيد أبو الأعلى المودودي لاسيما كتابة المصطلحات الأربعة في القرآن ، ولجودت سعيد كتاب حتى يغيروا ما بأنفسهم ، ولمالك بن بني ، وللشيخ محمد جواد مغنية، وغيرهم.

س 15: هل الممارسات السابقة من قبل الطلبة المحسوبين على التيار اليساري هي التي منعتك من الإنضمام إلى الإتحاد الوطني لطلبة البحرين – فرع الكويت ؟

لقد انضممت إلى الإتحاد في بادئ الأمر، وكنت أحد أعضائه، وكنت كثير الحوار مع الأعضاء الأخرين لاسيما الرموز الطلابية أنذاك حول توجهات الإتحاد، ولم يكن في وسعي ، كما لم يكن في طلبة أخرين ، عدم الانضمام ، بسبب الضغوط الشديدة ،ثم بعد سنتين انسحبت من الإتحاد احتجاجاً على وضعه وتوجهاته، وجرت محاولات لصرفي عن الاستقالة، إلا أنها لم تنجح، وتلتها استقالات أخرى لأعضاء ذو توجهات إسلامية وقومية، واعتبرت الاستقالة والحوارات التي سبقتها بادرة قوية لكسر حاجز الخوف، والخروج عن دائرة الضغط.

س 16: عادة ما يروي المناضل قصة نضاله وجهاده بعد الإنتصار ، أما المهزوم فلا يروي قصة نضاله من أجل الهزيمة. ما هو تعليق الأستاذ على ذلك ؟

أشكر السائل على شعوره الإنساني النبيل، وتعاطفه الأخوي من أجل الوطن والخير والحق والعدل، وألفت نظره الثاقب إلى أننا لم ننهزم، ولم نلقي السلاح، وسوف نواصل السير في طريق الخير والحق والعدل، ونطالب بحقوقنا المشروعة، ولقد أثمرت تضحيات شعبنا في تحقيق بعض المكاسب ، التي استفاد منها بالدرجة الأولى الكسالى الذين يطمعون أن يجنوا ثمار تعب غيرهم ويسبوهم، كدليل على وفائهم وكرم أخلاقهم، أما المضمون، فلم يرغبوا في إلقاء السلاح، وصمموا على مواصلة الكفاح والنضال، لأنهم لا يبحثون عن مكاسب شخصية ، وإنما يريدون خدمة المصلحة الوطنية العامة، ويرأوا أن التهافت على المكتسبات المنقوصة ظلم في حق الوطن والمواطنين، ولهذا قرروا الاستمرارية في النضال والكفاح من أجل الحصول على المكتسبات التي تحفظ للمواطنين حقوقهم وكرامتهم، ولا يرغبون في توريط الوطن والمواطنين لأجيال متعاقبة في وضع دستوري وسياسي خاطئ، في مقابل ثمن انتهازي بخس. ولو قبلنا بمنطق السائل المحترم، الذي يرى في انقلاب الحكومة على الدستور وميثاق العمل الوطني، والالتزامات المكتوبة والشفهية، ثم رفض المعارضة لذلك، لأنها ترفض المكاسب الرخيصة على حساب المصلحة الوطنية ، ثم انتهاز الأخرون لهذا الفرصة والفوز بالغنيمة السهلة، إذا قبلنا بهذا المنطق الذي يعتبر ذلك هزيمة، فإن أول المنهزمين هو رب العزة والجلال وأنبياؤه ورسله ، فقد خلق البشرية منذ ألاف السنين ، واراد لها الهداية ،ولكن الشيطان غلبه عليهم فأكثر الناس غير مهتدين ، وقد أجبر الطواغيت رب العزة والجلال على تغيب وليه الأعظم في نهاية المطاف خوف عليه من القتل…..

أما منطقنا فللحق جولة، وللباطل جولة، والعاقبة للمتقين….

س17: لماذا لا يكتب أو بالاحرى يوثق الأستاذ تاريخه من الطفولة ، حتى عام 2002م

ج17: لو وجدت أن تلك الكتابة نافعة للناس لكتبتها، ولم أجدها كذلك، وأنا أعلم بنفسي من غيري، وأنا أعلم بأني فقير في حياتي، ولايجوز أن أشغل الناس بأمور تافهة، فالمسئولية الملقات على عواتق الناس بشأن الدنيا والآخرة ، عظيمة جداً وخطيرة ، وعليهم أن يشتغلوا بالعظيم من أمور الدنيا والآخرة، ولا يضيعوا أوقاتهم وحياتهم في التوافه، فهم مسئولون ومحاسبون، ولن أساهم في شغلهم بأمور تافهة ،وسوف أبذل جهدي في تقديم ما أجده نافعاً لهم في حياتهم الدنيا والآخرة، من خلال ما أنعم الله به عليّ من نعمة القلم والخطابة، وأسأل الله جل جلاله القبول ،وأسأله تعالى حسن العاقبة ، وأن لا أجد يوم القيامة فيما كتبته وقلته وفعلته حسرة وندامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولاعشيرة ، ‘إلا من أتى الله بقلب سليم، أسأل الله جل جلاله وبجاه محمد (ص) وأهل بيته الطاهرين، أن يتفضل عليّ بقلب سليم.

الدفعة الثانية:

س 1: يعرف عنك العناد والتغريد خارج السرب , فلماذا تفعل ذلك ؟

ج 1: إذا كان المقصود بالعناد ملازمة الحق والعدل والمصلحة فنعم الوصف . واذكر كلمة قالها سماحة الشيخ عبد الأمير الجمري بعد حوار صعب في إحدى القضايا من الصعب إقناعك , لكنك بمجرد أن تقتنع تسلم مباشرة بدون تمهل أو تردد . فهنا اذكر بعض الملاحظات :

الملاحظة الأولى : إنني أقرر مواقفي أولا وقبل كل شيء على ضوء واجبي الديني , أي إني أسعى لاتخاذ الموقف الذي أرى فيه مهابة الله في ضوء الأحكام والمبادىء والقيم التي تعلمتها , فاسأل قلبي عن أي شيء آخر .. الواجب الديني فوق كل الأشخاص وكل الاعتبارات .

الملاحظة الثانية : الله اكبر عندي من كل شيء , فلا يكبر أي واقع في نفسي , بحيث يجبرني على قوله غير الحق .

الملاحظة الثالثة : إنني إذا دخلت في الموازنات بين الأمور المختلفة والاعتبارات , فان أقصى شيء افعله هو الصمت , ولا انتقل قول الزور أو تزييف الحقيقة أو الموقف .

الملاحظة الرابعة : ليس فيما قلته ما يدل على النظر إلى الأمور من زاوية واحدة وإغفال باقي الزوايا , فانا أسعى للنظر في الموضوعات بنظرة شاملة مستوعبة حسب علمي واستطاعتي , واقدر أمور ثم أتوكل وأوطن نفسي على قبول النتائج أياً كانت , وأتحمل المسئولية كاملة ولا أتنصل عن مسئولية قول أو فعل قلته أو فعلته.

أما عن التغريد خارج السرب فانا حسب فهمي لنفسي واطمئناني لها , أن توجهاتي توافقية , أسعى وابذل جهدي من اجل التوافق واحرص عليه , ولا اختلف إلا إذا أضررت بذلك , هذا ما اعلمه من نفسي والله اعلم بي من نفسي , وكما ذكرت فان الواجب الديني عندي فوق جميع الأشخاص وكل الاعتبارات , ولا يكبر واقع في نفسي بحيث يجبرني على العمل خلاف ما أراه واجبا , وأقاوم كل الضغوط ولا استسلم لها أيا كانت ومن أي جهة صدرت . هذا ما أسعى إليه والله هو القوي الصادق المعين .

س2: هل سيتغير موقفك تجاه الحكومة ؟

ج2: حركتنا المطلبية إصلاحية في ظل النظام , وليست ثورية , وهي بالتالي تسعى إلى تحسين وتصحيح العلاقة مع الحكومة وإقامتها على أسس صحيحة وواقعية تخدم مصلحة الوطن والمواطن , وقد أثبتنا صدق نوايانا طوال عام الانفتاح من 14/ فبراير/ 2001م إلى 14/ فبراير / 2002م فان الحكومة هي المسئول الأول والأخير عنه , ونحن نطالب الحكومة بالحوار مع المعارضة على أساس دستور 73 وميثاق العمل الوطني , وهما يمثلان مرجعية متوافق عليها , وبذلك نخرج من الأزمة الجديدة المستحكمة , وتعود المياه إلى مجاريها , ويفرح الوطن والمواطنون , وتشترك المعارضة والحكومة في برامج الإصلاح والتنمية , وتنقطع الخصومة بين الطرفين .

إنني لا احمل أي شعور عدائي تجاه الحكومة , وارغب في تعاون الحكومة مع المعارضة من اجل المصلحة الوطنية , واحمل الحكومة وحدها مسئولية التوتر الحاصل في الوقت الراهن في العلاقة بين المعارضة والحكومة , وادعوها إلى الحوار الوطني على أساس دستور 73 وميثاق العمل الوطني , وقد وجهت هذه الدعوة في أكثر من محفل جماهيري , ووجه بعض رموز دعوات مماثلة , ونحن ننتظر الرد من اجل الوطن والمواطنين .

س3: كيف تتعامل اليوم مع رموز الأمن ؟ وما هو شعورك وأنت تصافحهم وتعانقهم؟

ج3: أقول والله يشهد على ما أقول , بأنني لا احمل حقدا على أي احد منهم , وكانت معاملتي معهم أثناء السجن ممتازة , وكذلك العلاقة مع السجانين وضباط السجن , وقد ودعتهم جميعا عند الإفراج , وصافحتهم وعانقت بعضهم , وبدون أي شعور سلبي نحوهم , وإذا التقيت مع بعضهم بعد السجن , فاني اعمل السلوك نفسه , وسوف أبقى كذلك . ونحن حينما نطالب اليوم بالمحاسبة القانونية للأشخاص المسئولين عن التعذيب , فليس ذلك بدافع الانتقام والتشفي , وإنما بدافع إعطاء المصداقية للحركة الإصلاحية , وغلق أبواب العودة إلى الماضي , كما أوضحت ذلك بالتفصيل في الإجابة على سؤال سابق .

س4: هل تتوقع بخوضك التجارب في السبعينيات والثمانينات والتسعينات , بان التجربة الأخيرة في البحرين , سوف تحقق طموحات شعبنا , ونحن نعلم بأنكم لن تقصروا في خدمة مصلحة هذا الشعب المسلم ؟

ج4 : لنا بعض الملاحظات على التجربة الأخيرة تتعلق بالدستور الذي نرى بأنه انتقص الحقوق المكتسبة للشعب , ونرى بان المؤسسة البرلمانية مهندسة لكي تهيمن فيها الحكومة على إرادة الشعب مصدر السلطات , وقد قاطعت الرموز الوطنية , والقوى السياسية الرئيسية الانتخابات , وأنتج ذلك دخول وجوه مجهولة لا تمتلك الحد الأدنى من الكفاءة للتمثيل النيابي , وبعضها مرفوض شعبيا , وكان له دور واضح في معارضة ومقاومة المطالب الشعبية وتفعيل الدستور وإعادة الحياة البرلمانية , والعجيب إنهم أصبحوا أعضاء البرلمان , وكلا الحالتين هم ضد الإرادة الشعبية , وبالتالي فالبرلمان الحالي لا يمثل إرادة الشعب ولا يعكس توازن القوى في ساحة العمل الوطني , فهو غير قادر على تلبية طموحات الشعب والحكومة , وسوف نواصل العمل والضغط من اجل تصحيح الوضع الدستوري , والحصول على مؤسسة برلمانية تعبر عن إرادة شعبنا , ولنا رصيد كبير من الوعي الشعبي والدعم الجماهيري , وسوف نحصل على ما نريد بحول الله وقوته , فليس في وسع الحكومة ان تحافظ على الوضع القائم , والوضع القائم غير قادر على الثبات مع الاستمرار في الطالبة المشروعة المدعومة بالارادة الشعبية القاهرة . فالنصر حليف الشعوب الكافحة دائما , والله بجبروته معهم , فهو دائما مع الشعوب المستضعفة المكافحة , فهو القائل ” ان ينصركم الله فلا غالب لكم ” وقد اثبتت التجارب صدق ذلك .

س5: ماذا كان شعور الاستاذ عبد الوهاب حسين عندما افرج عن سماحة الشيخ عبد الامير الجمري (حفظه الله ) في الاعتقال الثاني ؟

ج5: وصلني خبر الافراج بصورة رسمية عن طريق المخابرات , ولم افاجا كثيرا بالخبر , بل لم اكن استبعده , ان لم اكن قد توقعته فعلا . لقد كان يؤلمني كثيرا حجم الضغوط النفسية الشديدة على سماحته , رغم شيخوخته وعلو مكانة, فلم تحترم شيخوخته, ولم تحترم مكانته , حتى حدث ما حدث , والله كان في عونه . ونحن نقف اليوم الى صفه بالدعاء في محنة المرض الاخيرة , ما اعظم ماتعرض له الشيخ من البلاء !! ما اعظم ما تعرض له الشيخ من البلاء !! ما اعظم ما تعرض له الشيخ من البلاء !! ونحن نقف الى صفه بالدعاء , وهذا كل ما نملك , والله خير معين .

اما عن الموقف السياسي : فلم يغير الافراج عن سماحة الشيخ شيئا في موقفي السياسي , وكان هذا معلوما للجميع .

س6: ما هو الفرق بين حالة التدين في البحرين والكويت في فترة السبعينات ؟

ج6: حالة التدين الشعبي في البحرين كثر رسوخا , وكانت في الكويت حالة وعي نوعي نخبوي اكثر بسبب الانفتاح والزيارات المكوكية التي كانت تنظم لرموز علمائية كبيرة بين الشيعة والسنة , واقامة الكثير منهم في الكويت , بالاضافة الى النشاط الاكاديمي المنفتح في جامعة الكويت , وحرية الصحافة , والنشاط المتميز لوازرة الاعلام في الاصدارات المتميزة مثل مجلة العربي وعالم الفكر وغيرها .

س7: ما هو رايك في انشطة الاتحاد في تلك الفترة ؟

ج7: كان اختلافي شديدا مع الاتحاد في التوجه , الا ان الاتحاد شارك في تنمية الوعي السياسي خصوصا لدى الطلبة , كنت اخذ عليه الموقف الحاد المخالف للدين , وعدم القبول بالراي الاخر , والحكم على كل مخالف بالرجعية والعمالة , وتشكيل عمليات ضغط شديدة على المخالفين , عيشتهم في اجواء نفسية ضاغطة جدا , ولم يكن من الصحيح ان يحدث ذلك . اما اليوم فالطرح غير الطرح , والعلاقات غير العلاقات , وقد استفادت قوى المعارضة من تجاربها , وهي تعيش اليوم في توافق وطني مناسب اتمنى له المزيد من التطور , لمزيد من الخدمة للمصلحة الوطنية المشتركة .

س8 : لماذا انسحب فضيلة الشيخ عبد اللطيف المحمود من العريضة , هل لعدم اقتناعه بالمطالب المطروحة ؟

ج8: حسب علمي فان فضيلة الشيخ كان مقتنعا بالمطالب وشارك في صياغة بعضها , والذي سمعته منه فقط : ان الحكومة لا تريد ان تستجيب للمطالب , وغير مهيئة لذلك . وبعض ما كنت اتوقعه انه توجس بعض الخيفة من توجه الحركة بعد الانتفاضة , وربما كان للتشويش الاعلامي , ونقص المعلومات لدى فضيلته عن بعض الرموز وحركة الانتفاضة دور في ذلك – والله العالم بالحقيقة – ومن الافضل ان توجهوا السؤال الى فضيلته اتقفوا على رايه منه .

س9: هل كنت تجتمع مع العلماء وخصوصا الشيخ عيسى احمد قاسم في فترة السبعينات ؟

ج9: لقد حظيت بكثير من الدعم والمساندة والثقة من العلماء , لاسيما سماحة الشيخ عيسى احمد قاسم اطال الله تعالى في عمره ونفعنا بعلمه وتقواه , وكنت اشارك في الانشطة الاسلامية الثقافية بالكتابة والالقاء , ولم تكن لي مع احد العلماء “جلسات عمل” تلك الفترة .

س10 : هل تسعون في جمعية التوعية الاسلامية او على مستوى الوطن ككل , في تعريف الناس برسالة الحقوق للامام زين العابدين (ع) وذلك لتركيز حقوق الناس وحالة المطالبة الشعبية ؟

ج10: تشارك جمعية التوعية الاسلامية اخواتها من المؤسسات الاهلية في نشر الوعي الاسلامي والوطني , ورسالة الحقوق للامام زين العابدين (ع) رسالة عظيمة بكل معنى الكلمة , ولها الكثير من الشروح الممتازة , الا انه لا توجد فكرة مركزية خاصة للاهتمام بهذه الرسالة العظيمة للامام زين العابدين (ع) في الجمعية حتى الان , وليس فيما انظر اليه على المدى قريب بروز مثل هذا الاهتمام الا ان الجمعية لن تتردد في الاهتمام بذلك لو اتضح لها مطلوبيته ضمن اولويات عملها .

س11:ماهو الدرس الذي تعلمته من الاعتقال ،وما هو تأثير التعذيب النفسي عليك؟

ج11:الدرس الذي تعلمته من السجن هو الصبر ، والثقة بالله جل جلاله ، والركون الى وعده ورحمته ، والانس به في الوحدة . تعلمت ان من يتصل بالله لا يعرف الوحشة ، لم أشعر بالوحشة في السجن الانفرادي لخمس سنوات رغم الظروف الصعبة ، لأني تعلمت كيف أكون قريبا منه ، ولم افقد الثقة به ابدا، كنت اشعر بالاطمئنان الشديد، لعدالة قضيتي ، واني على الحق ،وان الله معي ولن يخذلني ، لقد عرفت لذة وصدق قوله تعالى : (الا بذكر الله تطمئن القلوب ) ولهذا لم اشعر بنتائج سلبية للضغوطات النفسية ، فكنت اعيش في السجن براحة نفسية اكثر مما انا عليه خارج السجن الآن وقبل السجن ، وقولي من قول الكليم موسى بن عمران (ع) : (قال رب بما انعمت على فلن اكون ظهرا للمجرمين ) ونصيحتي لكم ايها الاحبة ، كونوا مع الله ،فمن كان مع الله لا يستوحش ، لن تشعروا بالوحشة في السجن او القبر او يوم القيامة ، وانكم سوف تكونوا على نور دائما . قال تعالى : (الله ولى الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ) هذا هو الدرس العظيم فتعلموه رحمكم الله تعالى .

س12: لقد اتهمت بالطائفية وشنت ضدك حملة اعلامية عنيفة ، رغم طرحك الوحدوى اسلاميًا ووطنياً . ما هو تفسيرك لذلك ؟

ج12: نعم يعلم الجميع بان طرحي وسلوكي وحدوي اسلاميا ووطنيا ، والذين شاركوا في الحملة وخططوا اليها يعلمون ذلك قبل غيرهم واكثر من غيرهم ، والكل يعلم باني رفضت الخروج من السجن بشرط ان اتخلى عن التنسيق مع باقي الشركاء والاطراف السياسية ،واني دعوت وتحركت عمليا لصالح الوحدة الوطنية والاسلامية ، ودعوت الى محاربة الطائفية وتجريم التمييز الطائفي ، والذين اتهموني بالطائفية لم يجدوا في تصريحاتي وسلوكي الا الدعوة الى محاربة وتجريم الطائفية ، ولهذا حاربوني ونعتوني بخلاف صفاتي وتوجيهاتي ، لأنني لامست التمييز الطائفي بصراحة ووضوح ، ودعوت الى محاربته وتجريمه ، واعتبر اولئك ان الكشف عن التمييز الطائفي والدعوة الى محاربته وتجريمه هو الطائفية ، لأن التمييز يخدم مصلحة طائفة معينة وكشفه ومحاربته من الطائفية ، وهذة المحاولات يائسة لن تفت في عضدي ، وسوف استمر ومن اهداف هذه الحملة ، تجيش الطائفية الأخرى والاطراف السياسية الاخرىلكى لا تتفاعل ايجابيا مع طرحي وموقفي وقد تأثر البعض ولكن الى حين وسوف تنكشف الحقيقة إلى كل المخلصين ولن ينفع الظالمين ظلمهم والعاقبة للمتقين.

س13: لقد أفرج عنك لمدة ساعة تقريبا ,حدثنا عن ظروف ذلك ,وكيف كان شعورك وردة فعلك ؟

ج13: لقد حصلت على حكم بالافراج من محكمة التمييز , بعد ان نجح المحامي حسن رضي في رفع قضية تظلم نيابة عني , ربما كان ذلك بتاريخ 18/3/2000م , وهذه قضية تحسب لصالح القضاء في البحرين , فقد ادى القضاء واجبه في هذه القضية بموضوعية ونزاهة , واصدر حكمه بالافراج الا ان الحكومة لم تنفذ , وذلك بعد ان فشلت المخابرات في تغيير موقفي من الاصرار على الاستمرار في المطالبة بالحقوق المشروعة , والاستمرار في التنسيق مع كافة الاطراف في الداخل والخارج , وفي مسرحية مكشوفة افرج عني لمدة ساعة في ليلة عيد الاضحى , بعد ان حوصر البيت وقطع الهاتف , وسحبت الهواتف النقالة , ولم يسمح لاحد بمقابلتي فقط زوجتي واولادي , ثم اعادوني الى السجن . اما عن شعوري , فبكل امانة لم يتغير شيء في نفسي , ولم اطلب حتى مقابلة المخابرات , وبعد اسبوعين هم طلبوني بعد الساعة العاشرة ليلا , وقالوا لي : ان الحكومة تريد ان تفرج عني , بشرط ان اتوقف عن الخطابة والصلاة , وعن النشاط السياسي , فرفضت رفضا قاطعا , ولاول مرة في لقاءاتي تكلمت بعنف وهاجمت الحكومة والخابرات , حتى ان الضابط عادل خليل طلب مني السكوت , وقال اكثر من مرة : بس ابو حسين اسكت لان علاقتي بك ممتازة ولا اريد ان اخربها معك , فقلت ردا عليه : لم اطلب اللقاء معكم وانتم الذين طلبتم اللقاء , ثم طلبوني مرة ثانية بعد فترة غير بعيدة , ربما بعد عشرة ايام , واعربوا عن رغبتهم في الافراج عني , على ان اصلي واخطب واتحرك سياسيا واطالب , بشرط عدم التنسيق مع الاطراف الاخرى , فرفضت بشدة , واكدت على حقي في الصلاة والخطابة والتحرك السياسي والطالبة والاتصال والتنسيق مع كافة الاطراف في الداخل والخارج , وقلت لهم بانكم لن تستطيعوا ان تفرضوا علي حصارا كما تفعلون مع سماحة الشيخ عبد الامير الجمري , فاني سوف اتمرد واخلق لكم شلعة , فاذا كنتم عازمين على ذلك , فالافضل لكم ان تبقوني في السجن , وانا غير مستعجل على الخروج منه , ثم بقيت في السجن , ولم يراجعني احد , حتى تقرر الافراج عني , فجمعوني قبل يوم واحد من الافراج بمعية اصحاب المبادرة , مع مدير المخابرات السابق الشيخ خالد بن محمد ال خليفة , واخبرنا عن قرار الافراج , ورغبة الملك في مقابلتنا , وحدد موعد لذلك , الا انه الغي بعد لقاء الاشخاص الاربعة بعظمة الملك ليلة الجمعة الموافق 8/2/2001م أي بعد ثلاثة ايام من الافراج عني , وقبل الموعد المحدد للقائنا مع عظمة الملك .

س14: هل لك ان تقول لنا كلمة تشجعنا فيها على الوحدة بين الشيعة والسنة ؟

ج14: لقد اوضح الله جل جلاله لعباده المؤمنين الصاط المستقيم , وطالبهم بالتعرف عليه والتمسك به , وان التقارب يجب ان يخدم هذا الغرض ولا يضر به , ان التقارب لا يكون على حساب الحقيقة , وانما يجب انما يجب ان يساهم في معرفتها والتمسك بها , فهذا يتطلب من جميع الفرق الاسلامية ان يتحاوروا مع بعضهم , وفق اداب واحكام الحوار المتعارف عليها اسلاميا وفضلها الكتاب الحكيم . ثم عليهم بعد ذلك ان يتعاونوا على البر والتقوى , ان يتعاونوا على حماية الدين والمقدسات الاسلامية والاراضي الاسلامية والشعوب والثروات الاسلامية , ويؤكدوا على الوحدة الاسلامية والاخوة الاسلامية , أي ان يتعاونوا بعضهم بعضا فيما اختلفوا عليه , بعد الحوار الصادق المخلص , الذي يفوز اليهم المشترك في العقيدة والاحكام ليعلنوه جميعا ويتمسكوا به , أي ان يكون الهدف من الحوار ليس البحث عن الشواذ من الاراء واعلانها كنقاط خلاف , وانما البحث عن المشترك , والعمل من خلال الحوار على زيادة مساحته , واعلانه على انه المشترك , والدعوة الى التمسك به , مما يعزز الوحدة الاسلامية , والاخوة الاسلامية , ويبرز الوجه الحضاري للامة , ويرسخ الكيان الواحد لها . ولتعلم جميع الطوائف الاسلامية او المذاهب الاسلامية , بانها لا تستطيع ان تحافظ على وجودها ودورها الرسالي في ظل المحافظة على الكيان الواحد للامة الاسلامية , والموقع الواحد لها , وان أي اضرار بذلك سيترتب عليه حتما اضرار بجميع المذاهب او الطوائف الاسلامية , ليعلم الجميع بذلك , ثم ليتحملوا مسئولياتهم الدينية والتاريخية امام الله جل جلاله يوم القيامة , يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا جاه ولا منصب ولا شهرة ولا سمعه , الا من اتى الله بقلب سليم . نسال الله جل جلاله ان يوفقنا لخدمة دينه وعباده , وان يجعل عملنا خالصا لوجه الكريم .

س15: لماذا رفضت الدخول في اليسار وفضلت التدين ؟

ج15: كما قلت في البداية , باني ذهبت الى الجامعة وانا فقير في رصيد الوعي الثقافي والسياسي والديني . كنت متدينا , وكنت املك عاطفة دينية قوية جدا بفضل والدي رحمه الله , ولم اكن املك وعيا دينيا وقد صدمت بالوضع هناك , كان رصيدي من العاطفة الدينية هو سياجي الوحيد , دفعني ذلك الى الكثير من القراءة والكثير من الحوار , وقد انتج ذلك حالة من التدين الواعي , واكثر ما سيطر علي من تلك الايام وحتى اليوم , انني مخلوق لله الواحد القهار , وانه خلقني لحكمة ولم يخلقني عبثا ,وانا المسئول عن كل فكرة , وكل كلمة وكل فعل , وانني سوف اموت وابعث واحاسب , فاما جنة واما نار , وان الحساب دقيق , فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره , ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره , وهذه الحالة تسيطرعلى علي تماما في كل تفكيري وكل كلماتي وكل افعالي حتى اليوم , وحتى هذه الساعة , ولا احسب أي حساب لشيء اخر يتعارض من هذا . اسال الله جل جلاله ان يقبلني واياكم باحسن القبول ,وان يمن علينا جميعا بحسن العاقبة , انه رحيم سميع مجيب .

س16: هل هناك خوف من الاختلاط والنقاش مع اليساريين وماهي نصائحك التي يمكن ان تفيدنا بها ؟

ج16: حافظوا على هويتكم ,واكتسبوا الوعي الكافي بدينكم , واعلموا انالدين الاسلامي اعظم دين , فاذا احسنا فهمه , واحسنا تقديمه , فلن يرفضه عاقل يبحث عن الحقيقة , واعلموا ان من اهم الاشكالات لدى الدعاة الى الله , الفهم غير الدقيق للدين , والتقديم غير المناسب , مما يجعل البعض ينفر من الدين , ويفهمه فهما خاطئا , فعلينا اولا ان ندقق في فهمنا للدين , ثم ندقق ثانيا في الاساليب والوسائل وادوات التقديم والعرض الى الدين , فلا يكفي ان تكون الافكار صحيحة , وانما يجب ايضا طريقة العرض والتقديم , لنكسب الناس للدين الحنيف الذي هو رحمة للعالمين . وان الذي يفهم الدين فهما صحيحا , ويمتلك القدرة على عرضه وتقديمه بصورة قوية , لا يخاف المواجهة مع احد , بل تكليفه ان يتواصل مع الاخرين ويحاورهم ويدعوهم الى الدين بالحكمة والموعظة الحسنة , واعلموا ان دين الله لا يهزم , وانما يهزم المسلمون بقدر ما يخالفون ويبتعدون عن الدين , وينتصرون بقدر ما يقتربون من الدين ورب العالمين . قال تعالى ” وان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم ” صدق الله العلي العظيم .

س17: ما هي تجربتك مع المد اليساري في جامعة الكويت في السبعينيات ؟

أقدم لذلك ببعض المقدمات، من أجل الحرص على المصلحة الوطنية، وأن لا نخرج من هذا اللقاء بنتائج مضرة للوطن.

المقدمة الأولى: التيار اليساري كان يمثل القوة السياسية الرئيسية المعارضة في ذلك الوقت ، ولم يكن التيار الإسلامي قد برز كقوة سياسية معارضة آنذاك.

المقدمة الثانية: التدين كان راسخاً شعبياً في ذلك الوقت إلا أن الذي كان يغذيه هو العاطفة الدينية أكثر من الوعي الديني، فالعاطفة هي الغالبة على الوعي غي تدين الناس في ذلك الوقت.

المقدمة الثالثة: أنني ذهبت إلى الجامعة وكان رصيدي من الوعي الثقافي والسياسي ضعيف جداً، وكنت أملك عاطفة دينية بفضل تربية والدي رحمه الله تعالى.

المقدمة الرابعة: أن المد اليساري كان هو المسيطر على الطلبة البحرينيين في تلك الفترة، وقد صدمت بذلك الواقع، وكانت أول صدمة أن رأيت طالباً متديناً كان معي في الثانوية العامة يشرب الماء في شهر رمضان، قال لي مستنكراً : كيف !! هل أنا رجعي؟!

وقد حملتني عاطفتي الدينية والصدمة على التوجه إلى القراءة والحوار .. قرأت كثيراً وحاورت أكثر، حتى أتضح لي الخيط الأبيض م الخيط الأسود ، ورست سفينة البحث على التدين بقناعة راسخة نورانية بفضل الله تعالى، فله الشكر وله الحمد. لقد كانت الحوارات مع الطلبة كثيرة وعنيفة أحياناً، وهنا أشير إلى بعض الملاحظات المهمة:

  1. أن المد اليساري لم يكن مستنداً إلى قناعات فكرية ، وإنما إلى ملاحظات عاطفية حول أوضاع البلاد المتخلفة سياسياً واجتماعيا وثقافياً واقتصادياً ، وكانوا يحملون الدين مسئولية ذلك كله، في ضوء مقولة الدين أفيون الشعوب، وقد ساعد على ذلك بعض الاطروحات والممارسات الخاطئة للمتدينين وعلماء الدين، والتقارب مع الحكومة.
  2.  أن المعادلة كانت تطرح هكذا: نحن مستعمرون من الرأسمالية، وهي سبب تخلفنا، والبديل الوحيد هو الاشتراكية ، وهي المنقذ لنا من أجل حريتنا وتقدمنا.
  3. أن الطرح كان عنيفاً من الدين، والموقف كذلك من المتدينين، ولم يكن يقبل بالرأي الآخر ، ولا تسمح له الفرصة للتعبير عن نفسه، فالوصف كان جاهزاً بالرجعية والعمالة وغيرها من الأوصاف غير المناسبة، ليس للمتدينين فحسب، وإنما لكل أصحاب الرأي الآخر مثل القوميين الناصرين وغيرهم.
  4. أن الضغط النفسي كان شديداً، إلى درجة أن المتدينين لا يستطيعون التظاهر بالتدين ، حتى الصلاة يؤخرونها إلى وقت متأخر جداً في أيام الفعاليات الطلابية، بعد عودتهم إلى السكن في وقت متأخر جداً من الليل ، وقد واجهت ذلك بصبر، ودخلت في مناقشات مطولة وأحياناً تكون عنيفة، إلا أنني احتفظت بسمعة طيبة عند الجميع يذكرها حتى الآن من كانوا معي في الجامعة ويخالفون الرأي.
  5.  لقد سجلت عضوية في الاتحاد وليس في وسعي غير ذلك، لم يكن أحد يجرئ على المخالفة العلنية، وفي العام الثاني نجحنا في تشكيل جماعة من المتدينين وصل عددها تقريباً إلى ثلاثين شخصاً، وفي العام الثالث انسحبت من الاتحاد وعدد كبير من الطلبة المتدينين، احتجاجا على توجهات الاتحاد، وقد جرت محاولة لصرفي من الاستقالة إلا أنني أصررت على الاستقالة، وفي السنة الرابعة أقيم نادي الطلبة، وزارني بعض الرموز الطلابية الاتحادية، وطلبت مني تنسيق الموقف لمواجهة النادي، إلا أنني أكدت على الاستقلالية، وليس مع النادي ولا مع الاتحاد ، وقلت لهم فيما قلت: عميل الأمس لا يصح أن يكون حليف اليوم.

بعد هذا العرض أعود للتأكيد : بأن الوضع هو غير الوضع بالأمس، والإطروحات هي الإطروحات، والعلاقات هي غير العلاقات ، فجميع الأطراف السياسية في البحرين اليوم متوافقة على أن دين الدولة الإسلام، وكلكم سمع كلام الأخ المهندس عبدالرحمن النعيمي في شهر رمضان في بيت الأخ جلال فيروز، قوله: بأن جمعية الوفاق تمثل كل القوى الوطنية، وأن جميع الأطراف الوطنية سوف تدافع عن الوفاق ضد كل ما يهددها، كل ذلك من أجل المصلحة الوطنية. نعم لقد تغير الوضع، وتغيرا الإطروحات ، وتغيرت العلاقات ، فقد استفاد الجميع من الدرس ، وأن القوى السياسية المعارضة تنسق اليوم مواقفها وعملها السياسي على أساس المشترك من أجل المصلحة الوطنية المشتركة.

وإلى المزيد إن شاء الله من التلاحم الوطني ، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه إنه سميع يجيب الدعاء.

س18: اشرح لنا تاريخ وظروف الاعتقالين ، والظروف داخل السجن ؟

ج18: الاعتقال الأول كان في مساء يوم الجمعة بعد صلاة المغرب والعشاء، بتاريح 17/ مارس/ 1995م، وقد اعتقلت من منزلي، وفي ذلك بعد صلاة الظهر خرجت مسيرة سلمية في النويدرات تطالب بتفعيل الدستور وعودة الحياة البرلمانية، ولم تكن لي علاقة بالمسيرة، وبعد اعتقالي أوقفت عند دوار القرية لمدة لا تقل عن الساعة، وقد أجلست في سيارة جيب يحيطها عدد من سيارات الشرطة المدنية والعسكرية، وقد حدثت بيني وبين شرطي مسلح مشادة كلامية، تدخل على أثرها قائد المجموعة وأسكت الشرطي، ولم أفهم تفسيراً محدداً للانتظار عند الدوار ، لكنني أظن بأن المجموعة لم تحصل على الأمر بالمكان الذي عليهم أن يأخذوني إليه،ولما جاءهم الأمر صمدت عيني، وكانت يدي مربوطتين إلى خلفي، ثم أنزلت من سيارة الجيب وهنا دفعني الشرطي الذي حدثت بيني وبينه مشادة بشدة، مما دفعني للالتفاف ورفسته بشدة على فخده، فطرحوني أرضاً وانهال الزبانية عليّ بالركل والرفس بأحذيتهم والضرب بأعقاب البنادق، مما أدى إلى رضوض وجروح في جميع أجزاء الجسم لاسيما الوجه، وبعد أن أصبحت في حالة يرثا لها وقد تمزقت ملابسي وتلوثت بالطين لأن ذلك اليوم كان ممطراً، تدخل قائد المجموعة، وحملت من الأرض وأدخلت إلى سيارة مدنية، ونقلت إلى مركز مدينة عيسى وأبقيت هناك إلى ما بعد الثانية عشر ليلاً، ثم نقلت إلى سجن المنامة، ووضعت في زنزانة ضيقة عرضها ثلاثة أقدام وطولها ستة أقدام، وقد بقيت فيها مدة شهر كامل قبل أن أنقل إلى المخابرات، وفي اليوم الثاني صباحاً أخذت إلى اللجنة للتحقيق، وقد سألت عن المسيرة، فقلت لهم الحقيقة أنه لا علاقة لي بها وقد تعرضت للضرب أثناء التحقيق ولم يتغير كلامي، وفي اليوم الثاني عصراً يوم الأحد 19/مارس/1995م أخذت إلى البيت للتفتيش، وقد حاصر أهالي القرية رجال الشرطة في محيط البيت، وقد نفذت ذخيرة الشرطة، وجاءهم الأمر بالتوقف عن التفتيش والخروج من ظهر القرية، وفعلوا ذلك، ونقلت إلى مركز مدينة عيسى حتى منتصف الليل، وبعدها نقلت إلى سجن المنامة وكنت في تعب شديد بسبب الضرب والجوع لأنني كنت ممتنعاً عن الطعام، وفي الصباح أخذت إلى اللجنة، وطلبوا مني التوقيع على جميع ما أخذوه من البيت في أوراق وصور وأشرطة، ولم يكن فيها شيء مما كانوا يشمتون الحصول عليه، ثم أخذت للتحقيق ثانية، وقد جاءوا بشباب قد أرهقوهم بالتعذيب ليعترفوا بأني قدت الانتفاضة، فأعذرت الشباب وأنكرت وجودي في المسيرة، وهو الحق، ثم أجلست في أحد الغرف مصمد العينين =، مغلول اليدين إلى الخلف، وقد اسمعوني صراخ شباب الانتفاضة وهم يعذبون، والجلاد الذي معي يردد، كل هذا بسببكم، ثم أخذت إلى الزنزانة، وفي اليوم التالي، وهو يوم الاثنين الموافق 5/مارس/1995م بعد الظهر مباشرة أخذت إلى المدرسة، وكان هناك مدير المدرسة والمدير المساعد، وفتش مكتبي هناك، في مدرسة الشيخ عبدالعزيز، ولم يجدوا شيئاً ينفعهم بشيء، وعادوا بخفي حنين، وفي الأيام التالية، كنت أسأل في التحقيق عن العريضة الشعبية، والناس القائمين عليها، وكان المحققون يسخرون من الدستور ، ويستهزئون بالبرلمان ، وكان أكثر الشيء إيلاماً سبهم للدين ورموز الدين، وكان بعضهم يؤكد طائفيته بصريح اللفظ والعبارة…وبعد إسبوعين أخذت ثانية إلى البيت للتفتيش ، وقد حضر هذه المرة إلى التفتيش جميع ضباط اللجنة ، وأخرين من مركز مدينة عيسى ، وتزودوا بالسلاح والذخيرة ،وأخذوا استعدادات كبيرة على الأرض، فقد أنزلوا ما يقارب ثلاثمائة وستون (360 ) جندياً ، ومشطوا القرية ليلاً قبل احضاري ظهراً واعتقلوا كما علمت بعد ذلك ما يقارب ( 250 ) شاباً ، وكان الرعب يدب في قلوب الجميع ، يعرف ذلك كل من شاهدهم، وقد عاثوا في البيت فسادا، لم يتركوا شيئاً في محله، وكانوا أكثر حقدا على الكتب، فحشروا ما استطاعوا في أكياس القماش، ورمو كميات على أرض المكتبة ، وكسروا كل شيء ثمين في البيت، وسرقوا ساعتي وساعة زوجتي وساعات بناتي ، وبعض ألعاب الأطفال كما رأيته بعيني، وخرجوا من البيت وكأن زلزالاً ضرب البيت، ولم يبقى شيء في مكانه سوى الجدران، وقد تعمدوا ايذائي نفسيا ، فنام أحدهم على فراشي، وأخرجوا جميع ملابس زوجتي ورموها على الأرض وداسوها بأقدامهم، ونثروا صور زواجنا على أرض الغرفة….الخ. ثم أخذت إلى سجن المنامة، وفي اليوم الثاني أخذوني إلى اللجنة، وضربت وطلب مني التوقيع على بعض ما أخذوه من البيت ، وثم اعادوني إلى الزنزانة، وفي اليوم الثالث أخذوني إلى اللجنة، وأطلعوني على الجريدة التي فيها خبر قتل السعيدي، وبعد قليل حضر الضابط عبدالعزيز عطية الله، وأخبرني بالموضوع وحاول أن يحملني مسئولية ذلك، فلما فشل فيه، قال بأنه يريد أن يفرج عني على أن أخطب في الناس، وأطلب منهم عدم العودة إلى مثل ذلك، فرفضت وأكدت عدم رغبتي في التدخل، فخرج غاضباً، ثم تولتني الزبانية وهم يرعدون ويبرقون ويزمجرون، ولكن دون فائدة، وبقية في الزنزانة عدة أيام ثم طلبت إلى إدارة المخابرات ، والتقيت بالضابط عادل فليفل، وسألني أولاً عن العنف فقلت إني أأمن بالنهج السلمي في المطالبة ولا أدعوا إلى العنف، ثم سألني عن خطبي ، وكانت على مكتبه أعداد كبيرة من ” منبر الجمعة ” ، فأشار إليها وقال هناك خطبك ، فقلت له: إني قرأت جميع أعداد ” منبر الجمعة “، وكل ما جاء فيها على لساني فهو صحيح وأنا قلته، فقال: سوف أحاكمك عليها، فقلت له وأنا مستعد لذلك، فأنهى المقابلة وقد استغرقت عدة دقائق فحسب، ولم أتعرض لأي ضرب أو تعذيب في المخابرات، وبعد هذه المقابلة توقفت اللجنة عن استجوابي. وفي بداية الأسبوع الرابع طلبت ثانية في المخابرات والتقيت هناك بالأستاذ حسن المشيمع والشيخ حسن سلطان والشيخ خليل سلطان، وعرفت بأن الأستاذ حسن قد عرض عليهم الحوار من أجل التهدأة، وسألوني عن رغبتي في المشاركة، واستغرب الضابط عادل فليفل عندما سمع موافقتي من أول مرة، وكان قد قال إليهم ،بأني لن أوافق، ربما لأنه سمع عن عنادي مع اللجنة، وأنهم لم يحصلوا مني على شيء رغم جهودهم في الضرب والضغوط النفسية، وقد ابقوني معهم في المخابرات لمدة ثلاثة أيام، ثم أعادوني إلى سجن المنامة، وبعد كمال الأسبوع الرابع طلبوني إلى المخابرات، والتقيت مع المجموعة ثانية، وعلمت باعتقال سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري ، وبعد يومين جمعنا مع سماحة الشيخ الجمري وطلب منا كتابة الرسالة التي سميت برسالة الاعتذار، وقد قبلت المشاركة في التوقيع بعد أن اشترطت إدخال عبارة ” إذا كنا مخطئين “، وفي هذا اليوم أخذوا الأستاذ حسن المشيمع ليكون مع الشيخ في سافرة، وبقينا نحن الباقون في مبنى المخابرات في أحد المكاتب، وبقينا لمدة شهر، ثم نقلنا إلى سافرة لنكون نحن الخمسة جميعاً في مكان وأحد ، وفرقوا بيننا مرة عقوبة ، ونقلونا إلى الحوض الجاف ، ثم أعادونا إلى سافرة، وكنا في جميع الفترة نلتقي مع السيد هندرسون مدير المخابرات ، وسعادة وزير الداخلية، حتى تبلورة المبادرة في صيغتها النهائية التي ظهرت إلى الناس.

أما الأعتقال الثاني فكان يوم الأحد 14/يناير /1996م من مكتب وكيل الوزارة الشيخ إبراهيم، بعد أن رفضت التوقيع على التعهد الذي وقع عليه باقي أصحاب المبادرة، وقد نقلت في نفس اليوم إلى سجن جو ووضعت في حجرة منفردة بعيدة جداً عن جميع مباني السجن، وبقيت فيها لمدة ثمانية شهور على مدار الساعة لم أخرج منها، حتى الحمام داخل الغرفة، وكانت شديدة الحر، شديدة البرد، كثيرة الرطوبة، فيها جميع الحشرات ،ولم يكن فيها سوى رب العالمين ، ومن الطريف، أني بعد شبعة شهور تقريباً من إقامتي فيها، طلبت مسئول السجن، فلما حضر طلبت منه إحضار بعض الكتب، لا محتاج أن احرك تفكيري، فأبتسم فسألته عن ذلك، فقال لو كان وأحد غيرك لأصبح مجنوناًًًً، وأنت والحمد لله لم يتغير عليك شيء، وقد بقيت فيها حتى تاريخ 14/سبتمبر/1996م ، وقبل اسبوع من نقلي زارني الضابط عادل فليفل ، وفيما قلت له: أنك سمعت عن معنوياتي في هذه الغرفة، ولكن ما رأيته أكبر، فأكد صحة ذلك، ونفى أن يكون قد عرف بوضع الغرفة التي أنا فيها، ثم نقلت إلى حجرة فوق سجن المنامة، وكان ذلك قبل شهر ونصف من زيارة الصليب الأحمر إلى البحرين، وبقيت في تلك الغرفة حتى الإفراج عني في يوم الأثنين 5/فبراير/2002م.

س19: هل كان لكم مثل أعلى أو رمز تقتدون به ؟

ج19: مثلي الأعلى وقدوتي الحسنة، هو رسول الله ( ص ) والائمة ( ع ) وقد غطت حياة الرسول الأعظم ( ص ) وحياة الائمة ( ع ) جميع الجوانب التي نحتاج فيها للاقتداء، وكانت حياة الأمام الكاظم ( ع ) قدوة للمؤمنين في محنة السجن. وأدرس حياة العظماء والمصلحين وأخذ منها ما أراه مناسباً. أما دليلي في العمل، فهو مرضاة الله جل جلاله، وأدواتي عقلي وضميري ومشورة المؤمنين، وألاحظ بدقة حياة الناس حتى الأطفال والمجانين، وأتعلم منها وأتعظ، إن من أهم أدواتي هي الملاحظة، وأحرص على الأخذ بما يعجبني من حياة الناس مما أقدر عليه، وأترك كل ما استهجنه أو أعيبه عند الأخرين، إنها مرآتي المفضلة لمعرفة الصورة الأفضل لنفسي، وأنصح أخواني المؤمنين بعمل ذلك، فهو من أحسن الطرق للتربية، وربما ورد حديث عن أهل البيت ( ع ) بمثل ذلك لا أتذكره الآن.

س20: أين كانت الحكومة من الصراع الذي بين التيارين الديني واليساري في السبعينات ؟

ج20: حسب فهمي أنذاك، وكما أتذكر، أن التيار الديني لم يكن قد تبلور كقوة سياسية معارضة، وكان التيار الديني أقرب إلى الحكومة من مواجهة التيار اليساري لأسباب عقائدية، وكانت الحكومة تستفيد من ذلك في مواجهة التيار اليساري الذي كان يمثل التيار الأبرز في المعارضة، دون أن تتحقق للتيار الديني أي مكاسب حقيقية سياسية أو غيرها، وأعتقد أن التيارات السياسية المعارضة لم تنجح في ذلك الوقت، في تكوين جبهة مشتركة، وكانت الأختلافات العقائدية هي سيدة الموقف، بعيداً عن التبصر بمتطلبات الواقع على الأرض، مما أدى إلى التغير في الاطروحة الفكرية والعقائدية لدى رموز التيار اليساري، ومما أدى إلى التقارب الملحوظ مع التيار الإسلامي في الوقت الراهن. لقد استفاد الجميع من الدرس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى