حوار موقع ديوانية كرزكان مع الأستاذ

الموضوع : حوار موقع ديوانية كرزكان مع الأستاذ
جهة الإصدار : ديوانية كرزكانـ.ـكمـ
اليوم : الثلاثاء .
التاريخ : 3 / ربيع الأول / 1429هج .
الموافق : 11 / مارس / 2008م .

الأستاذ عبدالوهاب حسين في لقاء خاص بـ”ديوانية كرزكانـ . ـكم”:

لم أتخلّ عن دعوتي لقيادة العلماء ولكن بشرط إيجاد آليات واضحة لاتخاذ القرار

تقرير: خليل عبد الرسول، عبد الله محمد سعيد
تصوير: وائل الفردان
لتقى عدد من أعضاء موقع “كرزكانـ.ـكم” مع فضيلة الأستاذ عبدالوهاب حسين في أولى حلقات برنامج “ديوانية كرزكانـ.ـكم”، وذلك ليلة الخميس 19 فبراير 2008، والبرنامج عبارة عن تواصل وحوار جماعي، ونعرض هنا ما دار في هذا الحوار المذكور على صيغتين، الأولى نقاط مختصرة لتصريحات الأستاذ في اللقاء، والصيغة الثانية الحوار المفصل كاملاً لمن أراد التوسع والاطلاع على وجهات نظر الأستاذ التفصيلة:

أولاً: في رأيه حول تعاطي منتديات الإنترنت مع الرأي الآخر وانتهاج أسلوب التسقيط والإساءة أحياناً:

أكد أن الاختلاف في الرأي ظاهرة طبيعية وصحية ومهمة لبقاء أي كيان، وأن أي فرد أو قوة عاملة لا تتقبل الاختلاف في الرأي فأمرها ومصيرها إلى الزوال.

استشهد الأستاذ بآيات من القرآن الكريم مشيراً إلى أنه – أي القرآن – أيَّد الحوار الهادئ للوصول للحقيقة ومصلحة الناس، كما أن النبي استخدم ونزل إلى مستوى الحوار في الدعوة.

شدَّد على أنه لابد أن يحمل المؤمن في قلبه الرحمة على أخوانه المؤمنين حتى الذين يختلفون معه في الرأي، وأن ثقافة التهجم والتسقيط ثقافة خاطئة.

قال أن “المؤمن لا ينحاز إلى المشاريع بحسب الأشخاص، وإنما ينحاز إلى الأشخاص بحسب المشاريع”، حيث أن الإمام الحسين عليه السلام جعل سبوق الحق على شخصه وحركته وليس العكس.

أكد أن “الإنسان لابد أن يستعد إلى معرفة الحق ثم ينحاز إليه، ثم ينحاز إلى الأشخاص الذين يمثلونه”.

دعا إدارات المواقع والمنتديات في الإنترنت إلى السعي في التعاطي بمثل هذه الرؤية حيث أن التعدد في الآراء ظاهرة صحية، والانحياز إلى الحق وليس للأشخاص.

ينبغي التعامل في حوار المنتديات على أساس العطف والرحمة وليس العنترة وتكسير الرؤوس

ثانياً: الانحياز إلى المشاريع والحركات:

دعا إلى الإخلاص لله وحده، وبذلك سيتغلب المؤمن على كل العوامل الأخرى.

قال بأن قياس العالِم بالإمام ليس صحيحاً، حيث أن المؤمن يصل بالإمام – إذا علم بالدليل القاطع أنه إمام – إلى الحق اليقين. أما مع العلماء فالأمر مختلف.

نوَّه إلى أن الإنسان يتحمل مسؤولية اختيار المشروع الفلاني مع العالِم الفلاني، حيث أن المؤمن لابد أن يأخذ بالأقرب إلى الحق.

ذكر أن مثال وجود بعض الأتقياء الورعين في بعض الأديان الأخرى الباطلة هو حجاب عن الحق.

اعتبر حب العلماء من حب المؤمنين، ولكن حين ينحاز المؤمن إلى مشروع يكون المقياس هو القرب للحق.

أشار إلى أن الحق موجود في القرآن والسنة، والطريق إليه هو الرجوع إلى أهل الاختصاص ألا وهم المراجع.

دعا إلى “عدم الذهاب إلى أي مشروع ليس على رأسه فقيه أو مرجع. ولو كانت هناك ضرورة أو فراغ ولم يتوفر الغطاء الشرعي لمشروع ضد ظالم لظروف خارجية فعلى المؤمنين تدبر أمورهم حول كيفية تحريك هذا المشروع”.

ليس من المصلحة مجاملة قوى إسلامية تساير الظلم

ثالثاً: فهم المفاهيم التي يطرحها الأستاذ بشكل خاطيء في المنتديات، وتصيد الأخطاء:

تساءل “إذا كانت مسايرة النظام لقوة سياسية إسلامية سلوك سياسي خاطيء، فهل نجاملها؟ هناك مسؤولية التصحيح والتطوير”.

اعتبر أن “جهاد المؤمنين الأول والأخير هو الانحياز للحق سواء من كانوا الأشخاص، وعلى الإنسان أن أن يتخلص من أسر العناوين وعليه الانحياز للحق”.

دعا “أعضاء القوى السياسية العاملة في الساحة إلى تصحيح أية أخطاء قد تظهر، لأن الانحياز إلى الشخصنة هو انحياز خاطيء، وهذا ما يرفضه الإخلاص للعدل والحق”.

شدد على أن “المؤمن لا يتحامل ولا يتصيد على أخوانه المؤمنين ولا حتى على أعدائه”.

دعا إلى التعامل بلين وحكمة وليس بالعنترة أو العنجهية، لأن الرحمة والعطف يفتحان القلوب لتقبل الحق.

المؤمن لا يتصيد أخطاء الآخر حتى لو كان عدوه

رابعاً: قانون الجمعيات:

قال أن القبول بقانون الجمعيات هو قبول بدستور 2002، وهو خطوة تمهيدية للمشاركة في الانتخابات النيابية، وهو – أي القانون – يهدف إلى خفض سقف المطالبة بالحقوق.

اعتبر أن انسحابه من جمعية الوفاق كان قبل التصويت على قانون الجمعيات، وهذا هو احتجاج وإيصال رسالة واضحة للجميع، حيث أنه لم يقبل الدخول في التصويت على رأي العلماء وليس التصويت على التسجيل في القانون من عدمه.

شدد على أن الحالة الأبوية للقيادة لا يكون مهمتها تعطيل الآليات، أي أنها لا تطرح رأيها بأسلوب يعطل الآليات.

أصبح الاختلاف الآن بين مناهج فحتى لو عدل قانون الجمعيات يصعب أن يصبح الكيان واحدا

خامساً: الحالة القيادية:

اعتبر أن الحالة القيادية غير منظمة، وأن آلية اتخاذ القرار لا تخضع لشكل منظم وذلك أدى إلى الاختلاف والانشقاق.

قال أن “التواصل بين المؤمنين قليل، وأن حق والوفاق منهجين مختلفين، لكنهم يبقون أخوة يجب أن يتكاملوا مع بعضهم ويتساعدوا على الخير، وعليهم تجنب المواجهة البينية، والتعاون على البر والتقوى”.

اعتبر أنه “لم يكن هناك تصدٍّ صريح لسماحة الشيخ عيسى قاسم للقيادة”، وقال أنه منذ البداية كان مع مشاركة الأخوة العائدين من الخارج، وإيجاد حالة قيادية للتيار.

شدد على أن “الاحتجاج اليوم على الأداء وليس على قيادة العلماء”، ودعا إلى عدم الخلط بين النقد للأداء وقيادة العلماء.

أكَّد أنه كان يطالب بالإعلان عن مرجعية الوفاق للعلماء منذ البداية وفق صيغة منظمة واتخاذ القرار وفق آلية واضحة.

دعا إلى عدم تغييب الرأي الآخر لأنه موت وفناء، لأن الاختلاف ظاهرة طبيعية ومهمة لحياة الأمم ينبغي أن يُحسَن إدارتها، فيما دعا أيضا إلى نظم الأمر، وقال أن عدم نظم الأمر قد يكون بسبب الجهل أو بسبب الأنانية.

أشار إلى أن “الكفاءة والتقوى من أهم صفات القائد”.

دعوت مبكراً لإعلان القيادة العلمائية كمرجعية واضحة للوفاق لكنهم رفضوا

سادساً: العنف واستخدام القوة:

قال أنه “ينبغي التمييز بين القوة والعنف حيث أن استخدام القوة للدفاع عن النفس هو أمر مشروع وهو كما فعل الإمام الحسين عندما قاتل الظالمين، أما العنف فهو المحاربة بغير حق والاستخدام غير المشروع للقوة وهو حرام دائماً”.

أشار إلى أن “بعض السلوكيات كحرق الإطارات هي أساليب احتجاج تستخدمها بعض الشعوب وهي غير مصنفة من العنف، لكن قد تكون حرق الإطارات غير مناسِبة، وكل حركة لابد لها من قيادة”.

دعا المؤمنين إلى “عدم خذلان المظلوم وعدم نصرة الظالم على المظلوم، حيث أن ارتكاب خطأ بسيط من بعض المؤمنين لا يستدعي خذلانه وعدم نصرته”. فيما شدد على أنه “ينبغي تبيان الأخطاء ولكن ليس بالأسلوب الذي يؤدي إلى تقوية الظالم على المظلوم”.

اعتبر أن “الاضطراب الأمني يؤدي إلى تأخير تحقيق المطالب وأن قوتنا في البعد السياسي وهو الذي ينبغي السعي إليه، لكن هذا لا يعني أن يتجنى المؤمن على الرأي الآخر”.

حرق الإطارات ليس عنفاً ولكن استخدامه قد يكون مناسباً وقد لا يكون كذلك

سابعاً: الانضمام إلى حركة حق:

في سؤال حول أسباب عدم انضمامه إلى حركة حق اعتبر أن منهج حركة حق هو الأصوب، لكنه رأى أنه ليس من المصلحة أن يكون عضواً فيها وهو الذي دُعِيَ ليكون أحد أعضائها ومؤسسيها.

الإخلاص لله يكفي ليكون دليلكم إلى الحق

الصيغة الثانية، اللقاء كاملاً:

الديوانية: بصفتنا موقعاً إلكترونياً، أحببنا البدء بالحديث عن ما يدور في حوارات المنتديات الإلكترونية وتأثير التجاذبات السياسية على هذه الحوارات، فالبعض يستخدم لغة التسقيط والتهجم والإساءة وهي بحسب التتبع لخطاب الأستاذ مرفوضة…
ما هي نصائحك لأعضاء المنتديات في إدارة الاختلاف في الرأي خصوصاً بشأن الرؤى السياسية المختلفة.

فضيلة الأستاذ: الاختلاف في الرأي ظاهرة طبيعية وصحية، وهي دليل حياة، فأي كيان صغيراً كان أو كبيراً لا يتحمل الاختلاف في الرأي فمصيره إلى الزوال والموت. القرآن الكريم حاول أن يعمق رؤية الاختلاف في الرأي، واحترام وتقدير الاختلاف في الرأي والاعتماد على الحوار الهادئ للوصول إلى الحقيقة ولخدمة مصالح الناس.
قال تعالى (قل تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)، وأكثر من ذلك قال (إنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين) فلم يقل أنا على الحق وأنت على الباطل أو تعالَ أقنعك بالحق الذي أنا عليه، بل دعا للحوار حتى نكتشف الحقيقة ونتمسك بها، وهذا لا يعن أن النبي (ص) يشك في صحة رسالته لكنه نزل إلى مقتضى الحوار، فلو جاء بحكم مسبق على أنه مع الحق وهم على الباطل أصبحت نتائج الحوار محسومة. من المؤسف أحياناً أن تروج ثقافة أحادية الرأي ويتعامل مع الرأي الآخر – وإن كان من المؤمنين – بأسلوب لا يتناسب مع التقوى بل بأسلوب تكسير الرؤوس والعظام.
قال تعالى: (فبما رحمةٍ من الله لنتَ لهم) فعلى المؤمن أن يكون رحيماً مع الآخرين وإن اختلفوا معه في الرأي، فثقافة تكسير الرؤوس ثقافة خاطئة بعيدة عن رؤية القرآن وأخلاق المؤمنين.
هناك مسألة أخرى تتعلق بانحياز المؤمن، لمن ينحاز المؤمن؟ لأي مشروع؟ المؤمن لا ينحاز للمشاريع بحسب الأشخاص، ولا ينحاز للأطروحات بحسب الأشخاص، وإنما ينحاز إلى الأشخاص بحسب الأطروحات والمشاريع.
وهذا ما أوضحه الإمام الحسين (ع) بجلاء، بقوله (ع): “فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق”، فأيهما أسبق القبول بالحسين أو الحق؟ فالإمام الحسين (ع) جعل القبول بالحق سابقاً على القبول بدعوته، والإنسان المؤمن هذا هو منهجه، يعرف الحق ومن ثم ينحاز إلى المشاريع والأطروحات التي تعبر عن الحق وليس العكس. هذا ما يفرضه الإيمان بالله وعقيدة التوحيد.
الإنسان لكي يعرف الحق يحتاج إلى إيمان واستعداد للتواضع إلى الحق، فلا يأتي بأحكام مسبقة، فهو يعرف الحق ثم ينحاز إلى الأشخاص الذين يمتلكون مشاريع وأطروحات تعبر عن هذا الحق، وهو ما يعبر عن الإيمان بالله عز وجل. إن الخلل عند بعض المؤمنين – حفظهم الله جميعاً – هو أنهم يخالفون هذا المنهج، فيكون انحيازهم للأشخاص سابقاً لقبولهم بالمواقف والمشاريع والأطروحات، بل يجعلون الأشخاص معياراً للوصول إلى الحق، فما يقوله زيد حق، وما يقوله عمْرو باطل، وهذه حالة خطيرة تخالف عقيدة التوحيد التي عبّر عنها القرآن الكريم في الآية (الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) فهم ينحازون إليهم بغض النظر عن ما يقولونه حقاً كان أو باطلا، فهذا يناقض التوحيد، والموحّد لا يفعل ذلك. فعلى سبيل المثال، زهير ابن القين نموذج قدوة، وقد كان يوصف بأنه “عثماني الهوى”، وقد كان يتجنب اللقاء مع الإمام الحسين (ع) في مكان واحد، ولكن عندما اكتشف أن الحق مع الإمام الحسين (ع) ذهب مع الحق.
اسعوا لأن تتعاطوا مع مثل هذه الرؤية، على أن التعدد في الآراء ظاهرة صحية وإيجابية، وليكن انحيازكم للحق وانحيازكم للمشاريع والأشخاص مبني على القبول بالحق.

الديوانية: القدرة على تقييم الحق ومعرفته مختلفة باختلاف القدرات الشخصية بين الأفراد وثقافتهم وعلمهم، فهل يحق لكل فرد انتقاد العالم أو الفقيه وعدم اتخاذه قدوة فيقيّم أن رأي العالم ليس مع الحق ويجب ألا يتبعه؟

الديوانية: حتى ما يتعلق بالإمام المعصوم – وقد ورد في حديثك ذكر عن الإمام الحسين (ع) – فالبعض يستشهد بما حدث للإمام الحسن (ع) وحتى الآن عندما نتحدث مع البعض يثير الإشكالات على مواقف الإمام الحسن (ع) على رغم أنه معصوم!

فضيلة الأستاذ: الإجابة على هذا السؤال تطول، وربما الكلام الكثير النظري لا يجدي، لكنني أقول لكم أمراً واحداً ينفعكم وهو الإخلاص لله، أن تكونوا مخلصين لله وأن تجعلوا قلوبكم دليلكم إلى الله، والله يتولى أمركم، قال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، ففي هذه الحالة سوف تستطيع أن تتغلب على كل الضغوط والمغريات والمؤثرات والعادات والتقاليد والتوجهات الاجتماعية المختلفة التي تضغط عليك. البعض للأسف يقيس العلماء بالأئمة وهذا قياس ليس… (صحيحاً)، فالإنسان المؤمن عليه أن يتعبد بالحق فإذا اكتشفت أن الإمام علي بن أبي طالب أو الحسن أو الحسين (عليهم السلام) هو الإمام فيكون ثبوت الإمامة هو دليلك إلى الحق. فأولاً تقيم الدليل وتقطع بإمامته فتعلم أنه دليل على الحق (الحق مع علي وعلي مع الحق)، فهنا إذا اختلف الإنسان مع المعصوم في أي أمر ليس معناه أن لا يناقشه فإذا لم يناقشه لن يصل إلى معرفة الحقيقة لكنه يسلـّم له ويتعلم منه. أما العلماء فيختلفون والفقهاء والمراجع كذلك، فمثلاً الإمام الخميني (رض) كان لديه مشروع وغيره من الفقهاء كان لديهم مشاريع أخرى، فالإنسان هنا لا يقول أنا مع الإمام الخميني ويأخذ بمشروعه أو مع الفقيه الآخر ويأخذ بمشروعه، بل يجب عليه أن يتحمل مسئولية معرفة أي من المشاريع أقرب إلى الحق. ولا تقل: من أنا؟ لا… بل عليك أن تتحمل مسئولية معرفة المشروع الأقرب إلى الحق كما تتحمل مسئولية اختيار دينك من بين عدة أديان ومذهبك من بين عدة مذاهب ومرجعك من بين عدة مراجع.
هناك خطأ تداوله العلماء منذ القدم، خصوصاً العلماء الشيعة والمعتزلة، وقد تناول الشيخ الطوسي (شيخ الطائفة) في كتابه (…الاعتقاد) بأنك عندما تذهب إلى الأديان والمذاهب الأخرى تجد فيهم العلماء والأتقياء (بالنسبة إليهم)… فعندما تقول عن العالم فيهم أنه عالم وتقي كيف أخالفه؟ هل هذا يوصلك إلى الحق؟! فيصبح وجود أي عالم تقي حجاب عن الوصول إلى الحق… للأسف إن بعض المؤمنين يقعون في هذا الخلل. احترمْ الشخص… قدره وأحبه ولكن اعطِ الحق لأهله، أحبوا العلماء وأحبوا المؤمنين وامنحوهم الثقة ولكن لا تجعلوهم معياراً إلى الحق لأنكم لن تصلوا إلى الحق بهذا المعيار.
عندما تختار مشروعاً لأحد العلماء أو المراجع فأنت لا تكسّر رأس الآخر بل تحترمه وتقدره، وإذا لم تأخذ بمشروع عالمٍ أو مرجع تبقى تحترمه وتقدره، فأنت تتبع الأطروحة التي تعتقد أنها مع الحق ويكون بعد ذلك الشخص (صاحب الأطروحة) معبّراً عن الحق الذي تفهمه أو ترضى بينك وبين الله أن يكون مبرئاً لذمتك.

الديوانية: أمر الإمام المعصوم بإتباع المراجع، فكيف نفرق بين الأمور الدينية والسياسية في إتباعهم؟ فعلى سبيل المثال هل من حقي أن أقول للمرجع أنني لست مقتنعاً بوجوب لبس المرأة للحجاب على اعتبار أنني بحسب معرفتي مقتنع بأن الحق ليس مع الحجاب؟ وكذلك الحال بالنسبة إلى الأمور السياسية والاجتماعية والمرتبطة بالشأن العام… كيف نفهم تسلسل المرجعية من الإمام إلى المرجع إلى العالم؟

فضيلة الأستاذ: الإنسان المؤمن مكلف بأن يعبد الله سبحانه، فعليه أن يكتشف بعقله عبادة الله، والله سبحانه لا يعبد إلا بالحق. في عصر المعصوم النبي أو الإمام، الطريق إلى معرفة الحق هو النبي أو الإمام وأن كل من يختلف مع أي منهما يكون قد اجتهد في مقابل النص. في عصر الغيبة القاعدة نفسها لكن الحق الذي يعبد به الله موجود في القرآن والسنة، ولكن من يعرف الحق؟ هم أهل الاختصاص، فإذا رجعت إلى غير أهل الاختصاص لا تصيب الحق. فيجب عليك لتعبد الله بحق أن ترجع إلى أهل الاختصاص وهم الفقهاء وإذا رجعت إلى غير أهل الاختصاص فقد سلكت طريقاً غير طريق الحق.
المسألة الثانية وهي محل اختلاف بين الفقهاء، وهي ولاية الفقيه وإدارة الشأن العام، والتصرف بمصالح الناس وفيها تحكم بإرادات الناس، فمن له الحق في ذلك؟ إنه النبي والإمام ومن بعدهم الفقيه الجامع للشرائط، وليس للحزب وما شابه علاقة بذلك. إذاً في المسألة الأولى إذا أردت أن تقلد عليك أن تبحث عن الفقيه الذي يبرئ ذمتك في الرجوع إليه ولا ترجع إلى غيره، أما في المسألة الثانية فأيضاً ترجع إلى الفقيه ولكن الفقيه الذي لديه مشروع ترى أنه المشروع الصحيح والأقرب إلى الحق، فمثلاً الإمام الخميني لديه مشروع وغيره من الفقهاء لديهم مشاريع أخرى، وعندما تأخذ بمشروع الإمام على اعتبار أنه الأقرب إلى الحق لا يعني أنك تسيء إلى المراجع الأخرى. كما أن عليك أن تنحاز إلى مشروع على رأسه فقيه أو مرجع، فكما أنك في المسألة الأولى تقلد الفقيه، ففي المسألة الثانية تختار مشروعاً على رأسه فقيه أو مجاز من قبل فقيه.
ولكن هناك خلط… أحياناً يأتي فقيه بمشروع فيقال ما دام هذا المشروع وراءه فقيه فنحن معه، فليس بالضرورة كل فقيه يأتي بمشروع فهو صحيح، وهناك ترويج لمشاريع على أساس أن وراءها فقهاء وأن المخالف لها هو ضد مرجعية الفقهاء والعلماء… هذا خطأ بل هو مع مرجعية الفقهاء والعلماء ولكنه مع المشروع الذي يأتي به مرجعاً ويرى أنه الأقرب إلى الحق.

الديوانية: لكن المشروع أحياناً لا يكون وراءه فقيه؟

فضيلة الأستاذ: في الشأن العام هناك عناوين كثيرة، فأحياناً يكون هناك عنوان أولي وحالة طبيعية يتصدى خلالها المرجع إلى المشروع، وأحياناً أخرى تكون الحالة استثنائية فمع وجود المشروع إلا أن الظروف السياسية تمنع الفقيه من التصدي له. فمثلاً عندما يكون هناك ظلم وانتهاك لحقوق المؤمنين وأعراضهم، وتجد مشروعاً يقول فلنقبل بهذا الظلم… نساير هذا الظلم ونتعايش معه، وأنت بفطرتك ترفض ذلك، وفي نفس الوقت هناك مشروع آخر مناهض للظلم ولكن لم يتوفر له… (تصدي الفقيه)… فهنا على المؤمنين أن يتدبروا أمورهم، وعليكم الرجوع إلى العلماء في سؤالهم عن تفاصيل هذه الأمور كمسائل الضرورة وما إلى ذلك. فعليّ (أي واحد منا) أن لا أقبل بأي مشروع لا أرى أنه مبرئ للذمة فقط لأن على رأسه علماء، وأتجاهل وأترك المشروع الآخر لعدم وجود غطاء… (علمائي أو شرعي) وأنا أعلم أن عدم وجود الغطاء ليس لخطأ في المشروع ولكن للظروف الخارجية، وفي هذه الحالة عليّ أن أبحث عن حل لهذا الأمر… كيف أحرك المشروع في ظل ظروف تمنع من وجود هذا الغطاء؟ مع الاطمئنان إلى أن المشروع مطابق للأحكام الشرعية…
هذه الحالة ينبغي أن تناقش مع العلماء وأهل الاختصاص، فأنا أتحدث لكم من واقع الشباب الذين يعيشون هذه الحالة وهم مقتنعون بمشروع لا يجدون له غطاء شرعياً، وهنا ينبغي أن نبحث عن حل. فتارة يكون المشروع مخالفا لشرع فينبغي أن يرفض، وتارة أخرى يكون المشروع صحيحاً ولكن الظروف الخارجية تمنع من توفر الغطاء الشرعي، فعلينا أن نبحث عن حل ولا نقف ضد المشروع.

الديوانية: بالرجوع إلى بعض خطبكم وحواراتكم، البعض يحمّل خطابكم وبعض مفردات هذا الخطاب من وصف قوى بأنها مسايرة تساير الظلم وأخرى ممانعة، خصوصاً أن هذا الخطاب زادت وتيرته بعد الانقسام الذي حدث في جمعية الوفاق، فالإسقاطات تتم دائماً على أشخاص وعلماء معينين سواء داخل أو خارج الوفاق فيوصف هذا الشخص بأنه مساير للظلم ويوصف شخص آخر بأنه ممانع، ونحن في ثقافتنا الدينية من المعروف أن الممانعة هي الأساس ونشير هنا إلى ثورة الإمام الحسين (ع)، فعادة ما يتم إسقاط مفردات خطابكم على أشخاص محددين ويتم تناولها في المنتديات وغير ذلك، ما تعليقك؟

فضيلة الأستاذ: هذا يكشف عن خللين أو خطأين في التفكير:

الأول هو أنني استخدمت مصطلحات سياسية، وقسمت القوى السياسية بحسب فهمي إلى ثلاثة أقسام: الموالاة والمسايرة والمعارضة، وتنقسم المعارضة إلى قسمين، وأعطيت وصفاً لكل مصطلح وسلوكه السياسي، فهذا جانب علمي، أما أن يقال بأن المصطلح ينطبق على فلان فهذا ليس ذنب المصطلح. أنت يمكنك أن تقول بأن المصطلح صحيح أو خطأ، وتوظيف المصطلح صحيح أو خطأ، وبعد ذلك يمكنك أن تحدد إذا كان المصطلح ينطبق على هذه القوى السياسية أو لا.
فمرة تقول أن التقسيم خاطئ ومرة تقول أن القوى السياسية لا ينطبق عليها هذا التقسيم، أما أن تقول بأنك عندما تأتي بهذا التوصيف العلمي تشنـّـع… فهذا تعطيل للحق وللبحث العلمي، هذا ليس صحيحاً هذا حكم مسبق. فإما أن تثبت بأن التوصيف خاطئ، وإما أن تثبت بأن القوة السياسية المعينة لا ينطبق عليها هذا التوصيف.هناك فرق في التشخيص، فمثلاً كانت لي كلمة في حفل تأبين الإمام الخميني (رض) بمأتم السنابس، وبعد أن أنهيت الكلمة جاءني أحد العلماء وقال أنه من سوء حظنا أننا عندما نتكلم عن منهج الإمام يعتبره البعض طعناً في فلان أو فلان، فإذا كانت المسألة أن زيد من الناس في أدائه أو سلوكه مخالف لنهج الإمام وأنت جئت وشرحت منهج الإمام، بعد ذلك تقول أن فلان يعمل بمنهج الإمام أو لا يعمل، ولكن ليس عليّ أن أسكت عن بيان نهج الإمام لكي لا يقال أني أسقطت فلان أو فلان… فهذا فيه تضليل وحالة غير صحيحة.

الديوانية: ولكن هناك سياقات لإجابات الأستاذ على الأسئلة، فمثلاً عندما يُسأل عن الوفاق أو عن الشيخ عيسى قاسم يكون جوابه عن المسايرة فيؤخذ التشخيص على هذا النحو…

فضيلة الأستاذ: لنقل أن عبدالوهاب شخّص أن الوفاق أو حق أو أية قوى سياسية أخرى على أنها ضمن الموالاة أو المسايرة أو المعارضة، فليكن هناك تشخيص آخر.

الديوانية: ولكن الأستاذ ليس شخصاً عادياً، هو يقول عن نفسه ذلك ولكن الواقع أن الأستاذ له تأثير كبير على الشباب…

فضيلة الأستاذ: لا بأس… يناقش في هذا الرأي.

وبمعنى آخر: إذا كانت هناك قوى إسلامية تساير النظام فهل من المصلحة الوطنية المستندة إلى الحق والمصلحة العليا أن نجاملها؟ لا بل نقول أن هذا هو سلوكها السياسي، بعد ذلك يناقش هذا الشخص في أطروحته سواء كان عبدالوهاب أو غيره… فهذا هو المطلوب وإلا لا يكون هناك تصحيح. ففي لبنان مثلاً كان هناك حزب الدعوة وحركة أمل ولكن شباب حزب الله لم تمثل طموحهم هذه الحركات مع أنها إسلامية فأنشئوا حزب الله فهل كان هذا سلوكاً خاطئاً؟
أحياناً نرى قوى سياسية وإتباع أعمى من قبل أتباعها لها، فهل نستقبح منهم ذلك أو نستحسنه؟ ألا نقول أهؤلاء عميان ولا يعرفون الحق؟ فكيف تستقبحه على غيرك وتستحسنه لنفسك؟ فلماذا عندما يتعلق الأمر بنا نعكس الأمر؟
أحد العلماء قال عبارة جميلة: “فضله لا يئول إلى معرفته بالحق وإنما في تغلبه على موروثه هو السبيل إلى الحق”، فهو عندما يتغلب على موروثاته وعاداته من آبائه وأجداده ولما أن عرف الحق تغلب على هذا الموروث، فالكثير يعرف الحق ولا تنحاز إليه أنفسهم، قال تعالى (جحدوها واستيقنتها أنفسهم) فهو يعرف الحق وينكره لماذا؟ لأنه ليس لديه القدرة على التغلب على موروثه. قلت في البداية أن الكلام النظري كثير، ولكن أخلصوا لله تعالى واجعلوا قلوبكم دليلاً إلى الله يتولى أمركم، لا تقدموا شيئاً على الله، ولا تقدموا شيئاً على الحق فتخسروا الدنيا والآخرة، انحازوا إلى الحق دائماً، وأي عامل يحيل بينكم وبين الحق قاوموه، وليكن جهادكم الأول والأخير أن تكونوا مع الحق بغض النظر عن الأشخاص.
الشيخ ميثم البحراني (رحمه الله) عندما دعوه علماء الحلة قال لهم أنتم طلاب دنيا ولستم طلاب علم فعاتبوه، فذهب إليهم متنكراً وطرح مسائل علمية قوية جداً، فقال له أحدهم أخالك طويلب علم، ولم يجعلوه حتى يأكل معهم في نفس المائدة، وفي اليوم الثاني لبس الجبـّـة وذهب إليهم فاستقبلوه أفضل استقبال وطرح عليهم آراء سخيفة فاستحسنوها منه، ولما جاء الأكل قدموه فقال: كُـل يا كمي! فاسغربوا… قال لهم جئت لكم بالأمس بعقلية العلماء فما قبلتموها وجئتكم اليوم بجبتي فقبلتموني فأنتم ما قبلتم علمي بل جبتي. فينبغي أن نتخلص من أسر العناوين، وأسر الشكليات، ونخلص إلى الحق والعدل، فهذا ما تطلبه عقيدة التوحيد والإخلاص لله والحق.

الديوانية: هذا يقودنا إلى مسألة الانتماء الحزبي، فيُنظر إلى كل ما تقوم به مؤسسة معينة بأنه مسايرة، وكل ما تقوم به حركة أخرى بأنه ممانعة، وكذلك التشخيص الفردي لأداء هذه المؤسسة أو تلك الحركة فليس كل الأداء صحيح في كلّ منهما، فهنا قد يكون الانتماء الحزبي أصله خطأ!

فضيلة الأستاذ: أحسنت… هذه أحد مؤشرات الانحياز الشخصي غير القائم على الحق، فدائماً يرى أطروحات ومواقف الجهة التي ينحاز إليها إلى الحق ودائماً لا تخطئ، وحينما يكون هناك حق يحاول أن يستنقصه. يمكن للشخص أن ينحاز إلى الجهة التي تعبر عن الحق أو المشروع الذي يؤمن به، ولكن حينما تخطئ يقول هذا خطأ ويصححه، لأنه يتعبد بعمله فيمارس الرقابة الحقيقية، وحينما تكون في الطرف الآخر أطروحة تخالف هواه أو موقفاً صحيحاً فعليه أن يقول هذا المشروع صح ويدعمه.
هذا السلوك في التشخيص مذموم وخلاف النهج الإسلامي، فعندما أرى مثلاً أن المنهج الذي يجب أن يكون اليوم هو الممانعة والمعارضة للسلطة ولا أرى صحة الموالاة لها ولا أرى صحة المسايرة فهذا لا يعني أن قوى الموالاة أو قوى المسايرة لا تطرح شأناً نافعاً، بل أقول أن هذا الشأن نافع وأقدم له الدعم، وكذلك هذا لا يعني أن قوى المعارضة أو الممانعة لا تخطئ… لا بل هي تخطئ وعندما تخطئ نصحح هذا الخطأ… هذا ما يفرضه الإخلاص إلى الحق.

الديوانية: كيف نتحاشى التصيد لأخطاء الآخر؟

فضيلة الأستاذ: المؤمن لا يتصيد لا على أخوانه ولا حتى على خصومه وأعدائه، قال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى)، فسلوك الإنسان المؤمن التقي هو العدل حتى مع خصومه وأعدائه، ولو أن خصماً من خصومه طرح أمراً فيه خير… يدعمه ويقف معه، لأنه يعبد الله وليس عنده عداء شخصي مع الآخر ويريد ما فيه مصلحة إلى العباد، فالمؤمن لا يتصيد… أما السلوك مع المؤمنين خاصة يجب أن يكون الرحمة (أذلة على المؤمنين رحماء بينهم)، بالتواضع للمؤمنين. المؤمن لا يتحامل حتى مع من يختلف معهم، وإذا وجد في نفسه شيئاً على أخوانه المؤمنين فليعتقد أن هذا من أمراض النفس وأمراض القلب، قال تعالى (ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم).

الديوانية: المنتديات الإلكترونية تعاني من مثل هذا التصيد، فما هي وظيفتنا اتجاهها؟

فضيلة الأستاذ: عالجوا المسألة بدرجة عالية من الأخلاق والإخلاص، وعالجوا هذه الأخطاء… لن تستطيعوا أن تعالجوها بالتحامل أو الشدة… عالجوها باللين والحكمة، قال تعالى (فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)، وقال الله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
إن أحد أهم عوامل تأثير النبي (ص) أخلاقه التي تأسر الآخرين وتهيئ القلوب والعقول للاستماع إلى رسالته، فلولا خلقه ما كانت لتنجح رسالته، صحيح أن رسالته حق، ولكن رسالة الحق تحتاج إلى قلب ممتلئ بالرحمة لكي تصل بشكل صحيح إلى عقول الناس، فصحاب الرسالة الحقة يجب أن يكون رحيماً وليّـناً وعطوفاً بالناس. اخلصوا للحق وتعاملوا بحكمة ورحمة ولين وسيجري الله سبحانه على أيدكم الخير، أما إذا “تعنترتم” وحاولتم تكسير رؤوس الآخرين فهم أيضاً سيتعاملون معكم بهذا الأسلوب فهذا لن يفيدكم حتى وإن كنتم مع الحق، فالعنجهية تكسر الحق الذي تحمله، بينما إذا كنت عطوفاً رحمياً فأنت تحمي الحق وتفتح القلوب والعقول لتقبل هذا الحق.

الديوانية: كيف توضح الفرق بين (1) موقف الأستاذ عبدالوهاب من بيان العلماء السبعة قبيل الانتخابات البلدية في 2002، فقد كان الأستاذ يدعو إلى احترام قرار المشاركة، وكان يقول أن العلماء في بيانهم يبدو أنهم يرون ضرراً في عدم الدخول وأنا ما زلت عند قناعتي بعدم الدخول في البلديات ولكن أدعو إلى احترام هذا الرأي وقلت أخيراً في تعليقك على البيان “لا حرج علي أي شخص من أبناء هذا التيار وبناته الدخول في الانتخابات البلدية، انتخاباً وترشيحاً”… وبين (2) موقفك بعد تأييد بعض العلماء للتسجيل في قانون الجمعيات السياسية وكذلك المشاركة في انتخابات المجلس البلدي والنيابي 2006، فيلاحظ أن خطابك كان أشد بكثير من 2002 وكان يتحدث عن مسايرة الظلم وإلى آخره… ما الفرق؟

فضيلة الأستاذ: كان موقفي في 2002 ضد المشاركة في الانتخابات البلدية، لكنني لم أجعله على قدر المساواة مع الانتخابات النيابية، فهي تختلف اختلافاً كبيراً، والخلاصة أن هناك جوانب خلل في مسألة المشاركة في الانتخابات البلدية والآن ليس هناك داعٍ للدخول في تفاصيلها، إلا أنه في النهاية اتخذ قرارٌ من قِبَل الوفاق، وبعد ذلك العلماء دعموا هذا القرار. فقد كانت الآلية أن الوفاق تتخذ قراراها وفق آلياتها والعلماء يدعمون هذا القرار، وبناء على ذلك طرحت رأيي في مقاطعة الانتخابات، فالقرار لم يفرض على الجماهير ولم يخالف أية آلية من آليات اتخاذ القرار في الوفاق، على رغم أنني لم أكن في إدارة الوفاق أو جزء من اتخاذ القرار ولكنني قلت رأيي فحسب.
أما التسجيل في قانون الجمعيات فالمسألة مختلفة تماماً، كان هناك اختلاف في الرأي بشأن التسجيل في القانون، وكان التسجيل يعني أموراً كثيرة أهمها ثلاثة أمور:
الأول: القبول بدستور 2002، فمن يسجل في القانون يكون تلقائياً قبل بالدستور.
الثاني: أنها خطوة تمهيدية للمشاركة في الانتخابات، وكان القرار حينها المقاطعة.
الثالث: القبول بخفض سقف المطالبة، فالقانون يضع سقفاً للمطالب لا تستطيع الجمعيات أن تتعداه.
وبالتالي فإن القبول بالتسجيل في القانون يعد تغيّراً جوهرياً في مسار الجمعية. وقد كان للجمعية العمومية أن تتخذ قراراً بشأن ذلك، ومن بعد القرار من حق عبدالوهاب أو غيره أن يقرر البقاء في الجمعية أو لا، ولكن لماذا عبدالوهاب استقال قبل التصويت؟
هنا كانت عملية احتجاج لتبليغ رسالة واضحة وهي أن التصويت لم يكن على قرار أن نسجل في قانون الجمعيات أو لا نسجل، بل كان التصويت على أن نقبل برأي العلماء أو لا نقبل به، وأنا لم أقبل التصويت على هذا الأمر وعبّرت عنه بكسر آلية التصويت.

الديوانية: إذاً لماذا لم تقاطع التصويت فقط دون الاستقالة من الجمعية؟

فضيلة الأستاذ: قلت لك لو كان التصويت صحيحاً لأخذت موقفي بعد التصويت فإن وجدت القرار صحيحاً أبقى وإن وجدته خطأ أخرج لأصحح، أما الاستقالة فهي رفض لكسر الآلية، وهذا ما ينبغي أن يفهمه الناس…

الديوانية: لكن الآلية الإدارية والدستورية للوفاق لم تكسر…

فضيلة الأستاذ: الآلية كـُسرت، فهناك جانب شكلي وجانب في المضمون، فمثلاً عندما تنافس الشيخ رفنسجاني وأحمدي نجاد على رئاسة الجمهورية الإسلامية في إيران، فلو خرج السيد علي الخامنئي وقال بأن خياري هو الشيخ رفسنجاني هل ستكون هناك قيمة – بعد ذلك – للدستور والآلية؟ أم أنها تـُكسر؟ فهذا الذي حدث.

الديوانية: هل يعني كلامك أن الشيخ عيسى قاسم كان يجب عليه أن لا يبدي رأيه في المسألة؟

فضيلة الأستاذ: يبدي رأيه… وأنا لم أقل أن على العلماء ألا يبدوا رأيهم – هذا تحريف للموقف – فهو كان يمكن أن يقول بأن الرأيين كلاهما شرعيين، فالحالة الأبوية والقيادية العامة لا تعطل الآليات، فإذا كان لديك رأي فليوضع في صندوق الاقتراع لا أن تطرح الرأي بأسلوب يعطل ويكسر الآلية، فالآليات يجب المحافظة عليها لنحافظ على سلامة الكيان…

الديوانية: حتى لو كان الشيخ يرى في المسألة بعداً شرعياً؟

فضيلة الأستاذ: ليس هناك بعد شرعي والمطروح هو بعد سياسي، فالكل ملتزم بالشرع وليس هناك أحد مخالف للشرع. إن الله سبحانه في القرآن ميز بين أمرين: أمر الناس وأمر الله، فالناس ليس لهم الخيرة في أمر الله… في الأحكام الشرعية (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)، ولكن عندما يكون الأمر راجعاً إلى الناس يقول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) وقال للرسول (ص) (وشاورهم في الأمر)، فأمر الله ليس فيه اختيار وأمر الناس يرجع إلى الناس.

الديوانية: ألا ترى أن هذا يشبه قول بعض السياسيين في ردهم على فوز الائتلاف العراقي بأن هذا الفوز لم يكن لولا دعوة السيد السيستاني (دام ظله) للمشاركة في الانتخابات، وقالوا أن المشاركة الواسعة ليست ديمقراطية لأن الناس شاركوا على أساس دعوة السيستاني فقط.

فضيلة الأستاذ: لم يكن هناك تصويت على المشاركة وعدم المشاركة، وعندما سئل السيد السيستاني عن الاختلاف قال أنها ظاهرة طبيعية وعلى الأقلية أن تحترم الأكثرية وعلى الأكثرية أن لا تسلب حقوق الأقلية، وأنه يقف على بعد واحد من الجميع. وسئل السيد السيستاني سؤال آخر لماذا لا يتدخل في التفاصيل، فقال أنه على متابعة بالأوضاع ولكنه يترك التفاصيل للقوى السياسية التي يرتضيها الشعب العراقي، فالسيد لم يعطل آلية من الآليات ولم ينحز إلى طرف على آخر، حتى مع الذين يختلف معهم، فهناك قوى إسلامية مختلفة مع السيد ولكنه لم ينحز ضدها، بل على العكس دافع عن حقوقها وحماها. ليس لدي وضوح حول رأي السيستاني بشأن ولاية الفقيه، لكنه من خلال سلوكه السياسي لم يطرح ولايته العامة على العراق بعكس السيد الإمام أو السيد الخامنئي، فهو يتصرف على هذا الأساس… هذه قراءتي من خلال أدائه السياسي وربما أكون مخطئاً في التشخيص.

الديوانية: الأستاذ كان يركز كثيراً في خطابه على “تعدد الآراء ووحدة القرار”، فلماذا لم يقم التيار وفق هذه الرؤية حسب تقديرك؟ هل لعدم وجود قيادة تتصدى للقيادة أو للقرار؟

فضيلة الأستاذ: ذكرت في بعض المناسبات، أننا كنا جماعة واحدة وكان لدينا خلل واحد، وهو أن الحالة القيادية غير منظمة، وأن القرار لا يخضع لآليات محددة، وهذا أدى إلى تفرقنا، وحتى الآن لم يوجد الحل الناجع لإصلاح هذا الخلل حسبما أراه.
الجانب الآخر هناك خلاف منهجي واضح الآن لم يكن متبلوراً في السابق، وقد ذكرت ذلك في “بيان مارس” وهناك كذلك خلل في التواصل بين المؤمنين نتيجة المناهج المختلفة. فمثلاً منهج الأستاذ مشيمع وحركة حق مختلف تماماً عن منهج الوفاق والمجلس العلمائي، فأنت أمام منهجين وقد يكون من الصعب أن يجتمعا معاً في كيان واحد الآن، لكننا نقول لهم أنتم أخوة وأهدافكم واحدة والمطلوب منكم أن لا تكون بينكم مواجهة بينية وأن تتعاونوا على الخير والبر والتقوى وأن يعترف كل واحد منكم بالآخر. من الصعب أن نطالب الأخوة أن يجتمعوا الآن رغم المناهج المختلفة، ولكن من حقنا عليهم أن نطالبهم بأن يحسنوا إدارة الشئون فيما بينكم.

الديوانية: في “بيان مارس” الذي أعلنت فيه الابتعاد عن الشأن السياسي العام قلت “ارجعوا إلى الرموز العلمائية المتصدية للقيادة”، وفي مسألة التسجيل في قانون الجمعيات عندما سئلت عن رأي الشيخ عيسى قاسم قلت بأن الشيخ لم يتصدَّ للقيادة، فكيف نوفق بين الأمرين؟

فضيلة الأستاذ: عندما رجع سماحة الشيخ (من قم) أعلن أن الجانب السياسي هو لأصحاب المبادرة، وبعد أن تلاشى وضع أصحاب المبادرة لم يكن هناك تصدياً صريحاً من سماحته، وربما استمر هذا إلى حين تشكيل المجلس العلمائي لاحقاً فأصبح التصدي شبه صريح.
لقد رفضت في كل محاولاتي الأولى – وكان عبدالوهاب في الواجهة – أن أسيّر الأمور بعيداً عن العلماء أو أنفرد بالأمور، وكان بعض العلماء والمشايخ يقول لي واصل ونحن معك لكنني رفضت، وكنت أقول يجب مشاركة العلماء العائدين ويتم تشكيل وضع آخر… كان هذا طموحي ولم يتحقق، حتى وجدت فكرة المجلس العلمائي، وهي فكرة عبدالوهاب وهو الذي صاغ نظامه الأساسي ومن ثم صغته على أساس المناقشة وما هو موجود لا يعبر عن فكرتي الأولى لكنني صغته حسب نتيجة المناقشات. كان طموحي أن توجد حالة قيادية للتيار على رأسها العلماء، وعندما تم تأسيس الوفاق كان هناك رأيان، الأول يقول أن الوفاق سيدة نفسها وأنها صاحبة القرار، والثاني (وهو الذي كنت أتبناه) أن الوفاق مؤسسة من مؤسسات التيار تحمل الملف السياسي، مثل التوعية التي تحمل الملف الثقافي وجمعية المستقبل التي تحمل الملف النسائي وهكذا، ولكن لأن الأغلبية كانت على الرأي الأول رفضتُ الدخول في (تأسيس) الوفاق ذلك الوقت، ولكن بطلب من سماحة الشيخ عيسى والسيد عبدالله الغريفي دخلت استجابة لرأيهم، وصرت رئيساً للجنة التحضيرية وتحملت المسئولية حتى وقفت الوفاق على قدميها. علماً أنني قبل تشكيل الوفاق سلمت تصوراً للشيخ عيسى قاسم والسيد عبدالله الغريفي والشيخ حسين نجاتي حذرت فيه من خطورة الطرح الأول. وبعد تشكيل الوفاق – وأنا لم أدخل الإدارة – وجد مَن كان مع الرأي الأول أنه لا يمكن تطبيقه عملياً، فلجئوا إلى الرأي الذي كنت أطرحه، ولكن لأن الرؤية لم تكن واضحة فلم يتم تطبيقه بشكل صحيح.
لقد كان طموحي أن يكون للتيار قيادة… ولكن وفق آلية منظمة وواضحة، وهذا الخلل في الحالة القيادية ما زال مستمراً، وأنا لم أتخلَّ عن وجهة نظري بشأن صدارة العلماء ودورهم وكل أطروحاتي تركز على هذا الجانب، ولكن (ما حدث هو) احتجاج على الأداء، فأنْ أقبل بالعنوان لا يعني أن أصحح الأداء، فأنا لا أحتج أو أرفض قيادة العلماء بل نقدي موجه إلى جوانب الخلل في الأداء… وهذه نتائجه الآن واضحة. فيجب عدم الخلط بين نقد الأداء وبين القبول بقيادة العلماء، وأنا ما زلت أتمنى أن تكون هناك حالة يكون للعلماء والمرجعية فيها دور…

الديوانية: لذا فإن البعض احتج عليكم: لماذا في مسألة التسجيل بقانون الجمعيات لم تحترم القناعات المختلفة ويبقى القرار واحد؟

فضيلة الأستاذ: عبرت عن رأيي في المسألة وقلت أن آلية التصويت كسرت…

الديوانية: إذاً هذه المسألة أقوى من وحدة التيار؟!

فضيلة الأستاذ: هذا ما يقتضيه التصحيح، أي حركة لديها أخطاء بهذا الحجم وتسكت عنها لا يكون هناك تصحيح، وإلا كان ذلك خلاف الفطرة…

الديوانية: ولكن يبقى رأياً سياسياً قد يكون خاطئاً…

فضيلة الأستاذ: نعم يناقش الرأي، قد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً، وعلى سبيل المثال، فلنأخذ كتلة المنبر الإسلامي (النيابية) فهي من تيار الأخوان المسلمين، وتنظيم الأخوان المسلمين معروف بالمعارضة (في البلدان الأخرى) وهو مع التقريب بين المذاهب والأستاذ حسن البنا كان عضواً في (مؤسسات) التقريب بين المذاهب، فلماذا الأجندة الطائفية والانحياز إلى السلطة لهذه الكتلة هنا (في البحرين)؟ ألسنا من يقول (مستنكراً): أليس فيهم عاقل.. وما شابه ذلك؟ فلو قام منهم فرد وطالب بتصحيح مسار الجمعية بأن تأخذ بخط الأخوان المسلمين فهل نثني عليه أم لا؟

الديوانية: لماذا لا تكون المطالبة بالتصحيح من الداخل بدلاً من الانسحاب والانشقاق ومن ثم المطالبة بالتصحيح من الخارج؟

فضيلة الأستاذ: نعم التصحيح من الداخل عندما تكون الآليات صحيحة والحالة صحيحة، فمثلاً أعرف أن البعض يقول أن عبدالوهاب دكتاتور وعنيد ولا يتنازل عن رأيه ويريد للعلماء أن يتبعوه… ولكن عندما رجع العلماء سماحة الشيخ عيسى والسيد عبدالله وقبلهم الشيخ علي سلمان… الأمور كانت بيد من؟ كانت بيد عبدالوهاب، فهل جاء أحد وأجبر عبدالوهاب عن التنازل أم هو الذي تنازل؟ فقد طالبت بالاستمرار وأن ننظم الحالة فقط فلما فشلت في أن أصل إلى حل قلت لا علاقة لي لأنني لا أتحمل كلفة مسئولية هذه الحالة.
لقد كنت أستطيع ممارسة الدكتاتورية بحسب موقعي مع الناس، ولكنني لم أفعل… لقد كنت رئيساً للجنة التحضيرية للوفاق وكان الجميع في الداخل… السلطة والموالاة والمعارضة يتوقعون أن يصبح عبدالوهاب رئيساً لها، لكنني لم أرشح… ولو كنت دكتاتوراً وأريد أن أفرض رأيي لأصبحت رئيساً وقلت اتبعوني… هل عبدالوهاب عاجز عن أن يفرض رأيه؟ لا لم أكن عاجزاً… وهناك على الأقل تجربة واحدة: عندما قررت المقاطعة (في 2002) وتحشيد الشارع فعلتها، والكل قال أن عبدالوهاب حشر الجميع في زاوية ضيقة، فإذا كان عبدالوهاب يستطيع ذلك فهذا الكلام (الوصف بالدكتاتورية وفرض الرأي) ليس له واقعية، فهو الذي سلم الأمر بكل سهولة ولم يجبره أحد، لكن عبدالوهاب رأى الوضع غير صحي… فأين الدكتاتورية والاستبداد وفرض الرأي؟… ليس لها واقعية.

الديوانية: الوفاق تقول أن مرجعيتها المجلس العلمائي، فمتى ترجع الوفاق للمجلس العلمائي في أية حالات؟… هناك ضبابية.

فضيلة الأستاذ: يُسأل المجلس العلمائي وتُسأل الوفاق عن هذا الموضوع، فهم جهة الاختصاص وليس عبدالوهاب…

الديوانية: هل النظام الأساسي للوفاق فيه ما يشير إلى ذلك؟

فضيلة الأستاذ: لا ذلك ليس في النظام الأساسي، لكنني كنت أطالب مبكراً بالإعلان عن مرجعية العلماء للوفاق في إطار منظم وآليات واضحة للقرار، والأخوة عارضوا عبدالوهاب في ذلك إبان اللجنة التحضيرية للوفاق، فقد كنت أصر على البعد العقائدي للوفاق وكان هناك رأي آخر عند الأخوة، والجانب الثاني التصريح بمرجعية العلماء للوفاق بشرط وجود صيغة منظمة بين الجانبين والقرار وفق آلية واضحة. فهم أخذوا بهذا الرأي بصورة متأخرة، فهذا الرأي هو الذي طالب به عبدالوهاب بصورة مبكرة ورُفض.

الديوانية: هل ما يجري الآن (بين الوفاق والمجلس العلمائي) يمثل رؤية الأستاذ عبدالوهاب؟ فالوفاق تلتقي بشكل دائم مع المجلس وتلجأ إليه في الأمور الكبيرة والحساسة…

فضيلة الأستاذ: لا ما يحدث الآن لا يمثل الرؤية، نعم العنوان صح بأن تكون هناك علاقة بين العلماء والوفاق أي مرجعية دينية، ولكن أن تكون هذه العلاقة منظمة ومحددة وأن يكون القرار وفق آلية محددة ومتفق عليها بين الطرفين، فالعنوان موجود ولكن الحالة المنظمة والآليات غائبة… ولكن ربما استجد شيء لا أعرف عنه.

الديوانية: لو افترضنا أنه تم تعديل قانون الجمعيات السياسية بحيث ترفع منه الإشكالات التي تم رفضها فيه، هل يمكن أن ترجع المياه…

فضيلة الأستاذ: الآن المشكلة ليست في قانون الجمعيات فقط، بل أن (الموقف من) قانون الجمعيات وليد منهج وثمرة للتفكير السياسي، وبالتالي نحن الآن أمام اختلاف مناهج، وقد بينت في مواضع كثيرة الفرق في الاختلاف في القرار والاختلاف في المنهج، وما يحدث الآن هو اختلاف بين مناهج وليس بشأن قرار جزئي هنا أو هناك.

الديوانية: إلى أين وصل الحوار الذي تديره بين القوى السياسية خصوصاً ما يتعلق بالمرجعية الدينية؟

فضيلة الأستاذ: لقد تعدينا هذه المسألة، ولم يكن أي من المتحاورين يرفض أن تكون لأي قوى إسلامية مرجعيتها الدينية، ولا أحد يقول أنه ليس للعلماء أو المرجعية الدينية أن لا تقول رأيها في الجانب السياسي، الحديث هو حول الأداء وتأثيره على الكيان السياسي للقوى السياسية والتأثير على العلاقة البينية بين هذه القوى المعارضة.

الديوانية: بناءً على ما تم الاتفاق عليه بشأن المرجعية الدينية، لو افترضنا أن مسألة مشابهة للتسجيل في قانون الجمعيات السياسية عادت الآن، كيف ستدير الوفاق هذه المسألة؟

فضيلة الأستاذ: هذا السؤال يوجه إلى الوفاق…

الديوانية: لا… وفق ما تم الاتفاق عليه، على الأقل نظرياً، كيف يجب على الوفاق أن تتصرف في هذه الحالة؟

فضيلة الأستاذ: حتى الآن لم نتوصل لحل لهذه المسألة، فقد ناقشنا آليات الاختلاف، وفي البيان الأخير لاحظتم وجود اختلاف في وجهات النظر – راجعوا البيانات الصادرة عن الحوار – فهناك مشكلة أخطر الآن ستحدد العلاقة بمستقبل الحوار، فهناك عراقيل برزت في الفترة الأخيرة، على الأقل بذلنا ما بوسعنا “واللي فيه الخير الله يسويه إن شاء الله”.

الديوانية: يلاحظ أن التباعد بين المنهجين وصل حتى إلى عدم الالتقاء في ندوة واحدة كما حدث مؤخراً في ذكرى الميثاق، ندوة تقام في نادي العروبة للجمعيات السياسية، وندوة تقام للمنهج الآخر في سترة… فهل وصل بنا الحال إلى هذه الدرجة من التباعد؟!

فضيلة الأستاذ: الندوتان متكاملتان ولا تناقض بينهما…

الديوانية: ولكن الناس تفهم المسألة على أن هذه الندوة ذات نهج وتلك الندوة ذات نهج مختلف…

فضيلة الأستاذ: لا لا الأمر ليس كذلك، فأنا كان من المفترض أن أشارك في ندوة العروبة لولا ظرفي الصحي، وكنت أعتزم الذهاب ولم أستطع بسبب هذا العارض الصحي، فلا يوجد تعارض بين الندوتين هذا من جانب. من جانب آخر إن المشكلة الآن هي ليست في الاختلاف بين المناهج وإنما في إدارة هذا الاختلاف، فوجود أكثر من رأي حتى في التيار الواحد حالة صحية وطبيعية وإيجابية، وهناك أكثر من نهج وقوى سياسية في الساحة، فكيف نحول هذا الاختلاف إلى حالة إيجابية؟
نحن لدينا خلل في الإدارة… الكون كله فيه حركة ونمو ولكن تلاحظ أن أساسه الاختلاف، لو لم يكن الاختلاف لما كانت هناك حركة، لماذا تنمو الأشجار وتثمر… لوجود الاختلاف، وهو ما عبر عنه صدر المتألهين الشيرازي بالحركة الجوهرية، فلولا الاختلاف لما رأيت حركة الكون وما رأيت نمواً. حينما لا يكون هناك اختلاف أي لا حركة ولا حياة وأن أي كيان من غير اختلاف سينتهي، ولكن هذا يحتاج إلى حسن إدارة ونظام، فإذا لم يكن هنالك إدارة جيدة هل نغيب الرأي الآخر أو نظهر الرأي الآخر؟ أنا برأيي نظهر الرأي الآخر… لماذا؟ لأن مع غياب الرأي الآخر يكون الفناء والموت ولكن مع وجود الرأي الآخر وغياب الإدارة الصحيحة تكون الفوضى، ولكن الفوضى تترتب يوماً من الأيام، ولكن إذا غيبت الرأي الآخر الكيان يفنى وينتهي ويموت. الرأي الآخر يعطيك فرصة للتصحيح والتغيير، والقرآن الكريم أراد أن يلفت نظرنا إلى هذا الجانب، سواء على مستوى الفكر أو التشخيص.
على مستوى الفكر الاختلاف الذي حدث بين نبي الله سليمان ونبي الله داوود (عليهما السلام) حينما اختلفوا في حكم الغنم، فالله سبحانه قال أنه شاهد على الحكمين وأنه “فهّمها سليمان”، فلماذا فهّم سليمان بعداً آخر لم يكن لدى داوود؟ لماذا لم يوحدهما بحكم واحد ولم يججعل لهما فهماً واحداً؟ فالدرس الذي أراد القرآن أن يعلمنا من ذلك هو أن الاختلاف ظاهرة طبيعية ومهمة. وعلى مستوى التشخيص الاختلاف الذي حصل بين العبد الصالح والنبي موسى (ع)، الموقف من السفينة والجدار والغلام، فلماذا لم يجعلهما الله على رأي واحد؟ ذلك لكي يقول لنا أن الاختلاف ظاهرة طبيعية ومهمة ولكن ينبغي علينا أن نحسن إدارتها. فلو أن سليمان وداوود وموسى والعبد الصالح (عليهم السلام) لم يحسنوا إدارة الخلاف بينهم لتخاصموا وتعادوا، ولهذا قال أمير المؤمنين (ع) في آخر لحظات حياته (وكل لحظات حياته ذات قيمة ولكن آخرها كانت ذات قيمة أكبر) في وصيته للحسن والحسين (ع): “عليكم بتقوى الله ونظم أمركم”… التأكيد على نظم الأمر.
البعض قد يفهم أن التقوى أمر لا علاقة له بنظم الأمر، لا… فنظم الأمر يحتاج إلى التقوى…. وعدم نظم الأمر مرة يكون نتيجة الجهل ومرة يكون نتيجة للأنانية، فالتقوى تحذير من الأنانية التي قد تفسد نظم الأمر، ولهذا ينبغي على الإنسان التقي الورع أن يكون له الحرص أن يتعلم ويشترط في القائد أن تكون لديه التقوى لتمنعه من الأنانية والمصالح الخاصة وما شابه ذلك.

الديوانية: ماذا عن العنف، فقد كنت تقول أن العنف هو الذي أخر تحقيق المطالب في التسعينات؟

فضيلة الأستاذ: لقد ميزت بين القوة والعنف والإخلال الأمني، فالقوة تختلف عن العنف…

الديوانية: تقصد القوة كأداة أو خيار؟

فضيلة الأستاذ: القوة أحياناً قد تكون مشروعاً، فالقتال هو قوة والإمام الحسين (ع) استخدمه وقاتل، والنبي (ص) قاتل، وكثير من الأنبياء قاتلوا، فاستخدام القوة في الدفاع عن النفس حق مشروع كفلته الأديان وحتى القوانين الوضعية، فالمقصود بالقوة الاستخدام المشروع للقوة (حتى في الإصلاح)، قال تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) فهذا استخدام مشروع للقوة، القاتل يُقتل…
أما العنف فهو الاستخدام غير المشروع للقوة، وهو حرام دائماً، فالدين لا يسمح باستخدام القوة غير المشروعة فلا يجوز لك أن تقتل من غير حق، ولا أن تحارب من غير حق. والاستخدام غير المشروع قد يكون للقوة العسكرية أو الاقتصادية أو غير ذلك، فينبغي أن نميز بين القوة والعنف.
أما بعض السلوكيات مثل حرق الإطارات فلا تصنف من العنف ولا تصنف على أنها من القوة، بل هي أساليب احتجاجية تلجأ إليها الشعوب، فاعتبار حرق الإطارات من العنف جهل وظلم، والبعض لأنه لا يرغب في هذا الأسلوب يعطيه عنوان العنف… لا هو ليس بعنف.

الديوانية: وبالتالي هو مشروع في كل وقت وكل مكان؟!

فضيلة الأستاذ: هو حق مشروع، ولكن قد يكون مناسباً وقد لا يكون مناسباً، فمثلاً استخدام القوة في الإصلاح قد يكون مشروعاً والإمام الخميني (رض) استخدمه، ولكن هذا لا يعني أن نستخدمه نحن إذا كان غير مناسب، بل نستخدم الأساليب السياسية. فكون الشيء مشروع فهذا لا يعني أن تستخدمه، فمثلاً عندما أقول أن زواج المتعة مشروع فهذا لا يعني أن أقوم بتزويج ابنتي أو أختي زواج متعة، فالمشروعية شيء والعمل به شيء آخر. فقد تكون (وسيلة) حرق الإطارات وما شابه ذلك غير مناسبة فلا نستخدمها، ولكن إذا كانت مناسبة نستخدمها وهي حق مشروع لنا.

الديوانية: ولكن من يحدد إذا كانت مناسبة أو غير مناسبة؟

فضيلة الأستاذ: أهل الاختصاص.

الديوانية: مثلاً إذا قلنا بحرق الإطارات داخل القرى وإن لم يكن هناك حدث يستدعي ذلك ومن المؤكد أن القوات ستأتي إلى القرية وتخرّب أمن الأهالي…

فضيلة الأستاذ: أولاً الحركة يجب أن تكون لها قيادة، وقد قلت أن لدينا خلل في الحالة القيادية ينبغي أن تعالج، وأحياناً لدينا ردود فعل طبيعية من الناس، أحياناً قد نقول أن هذه الردود خاطئة… فنقول لهم أن هذه الأفعال خاطئة ونرشدهم ولكن لا نقف ضدهم وننصر الظالم عليهم.
كنت في حوار مشابه مع أحد العلماء الأجلاء، وهو يتعلق بعلاقة الأئمة (ع) بالحركات الثورية في عصرهم، وقلت في خلاصة رأيي بأنه بالرجوع إلى سلوك الأئمة نجد أربعة مستويات:
المستوى الأول يتمثل في الحركات التي يتصدى لها الإمام بنفسه، مثل الإمام الحسين (ع) والإمام علي (ع) وحتى النبي (ص) فقد قاتلوا بأنفسهم…
المستوى الثاني يتمثل في الحركات المستقيمة التي يقودها المؤمنون بدون أن يتصدى لها الإمام مباشرة، بل قادها علماء ومؤمنون، ولكن سكوتهم عنها إقرار لها، مثل حركة زيد بن علي وحركة الشهيد فخ (من سلالة الإمام الحسن المجتبي – ع) وحركة المختار وحركة التوابين، فهذه الحركات لم يتصد لها الأئمة لكنها حركات مستقيمة قادها مؤمنون صادقون ولكن يمكن القول أن الأئمة (ع) أقروها.
المستوى الثالث يتمثل في حركات ردود الفعل الطبيعية من المؤمنين، فالأئمة (ع) كوّنوا الشيعة، وكان هؤلاء يمارسون دورهم في الدعوة إلى مذهب أهل البيت (ع) وكان هؤلاء يتعرضون إلى عنف السلطة وبعض الحاقدين عليهم، فقد كانوا يقومون بردود فعل طبيعية تصل إلى القتال فقد كان هذا الأمر مألوفاً. والأئمة (ع) لم يمنعوهم من ذلك، ولم يقولوا لهم إذا هجموا عليكم في منازلكم ومدارسكم اسكتوا عنهم… هذا رد فعل طبيعي…. نعم قد يقعون في خطأ، ولكن هذا هو الفعل الطبيعي للإنسان… أنا لا أريد أن أشرعن ولكن أعطيكم استقرائي لهذه الردود.
المستوى الرابع ويتمثل في الحركات المنحرفة، خرجت على الحكام وارتكبت جرائم، فأهل البيت (ع) كانت لهم تصريحات استنكرت هذه الجرائم والاعتداءات، ولكنهم لم ينصروا الحكام ضدهم ولم يعطوا تصريحات ومواقف تنصر الحكام عليهم. لذا فإن الموقف السياسي ينبغي أن يكون رشيداً، فنحن لدينا أحكام شرعية ولدينا مبادئ وسلوك رشيد في الإدارة، كيف نحقق أهدافنا ومنها نصرة المظلوم ومحاربة الظالم، فليس معقولاً إذا أخطأ المظلوم في موقف ما أنصر الظالم عليه كما يحدث كثيراً. وليس صحيحاً عندما يخطأ المظلوم في جزئية صغيرة تقوم بطرح موقف أو أطروحة تخذل فيها المظلوم وتنصر الظالم… هل هذا من الرشد؟ هل هذا ينسجم مع أحكام الشريعة ومبادئها؟ إذا كان الفعل خطأ قل بأنه خطأ ولكن لا تتخذ موقفاً تخذل فيه المظلوم وتنصر الظالم.

الديوانية: هل هذا يعني أن التعبير عن خطأ قام به المظلوم يعتبر نصرة للظالم؟

فضيلة الأستاذ: لا، قل للخطأ خطأ، بل يجب عليك أن تقول له أخطأت فهذا يندرج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الديوانية: ولكن متى يكون التعبير نصرة للظالم على المظلوم؟

فضيلة الأستاذ: أسلوب الطرح، وقد عبرت عنه بالرشد في الموقف، فلا يمكنك أن تسكت عن المنكر وتقول عن الخطأ بأنه صح، بل قل أن هذا الخطأ خطأ لكن اجعله في مكانه وحجمه ووجهته الصحيحة وليس بالأسلوب الذي يخذل المظلوم وينصر الظالم، فكم ارتكب الظالم من جرائم؟ أحياناً بعض الأطروحات تغطي على جرائم الظالم وتجرم المظلوم لأنه ارتكب خطأ هو ليس جريمة صغيرة… بل أن حرق الإطارات (مثلاً) ليست جريمة، وحتى إن كنت لا أقف مع هذا المظلوم (في مثل هذا الأسلوب) هل أخذله؟ أنا أقول للناس بأن الأسلوب السياسي أفضل، وهذا هو رأيي أطرحه منذ التسعينات، ولكنني لا أطرح هذا الرأي بأسلوب يخذل الناس ويفرض سلطة عليهم. أنت تلاحظ أنني لا أسكت عن الأخطاء، وأقول للناس التفتوا لهذه الأخطاء، وهم يسمعون بأريحية لأنهم لا يشعرون بأني أقف ضدهم ولا أخذلهم ولا أضعف موقفهم، بل أبين لهم الخطأ…

الديوانية: ولكن حتى في الجانب الآخر، النقد الشديد والعنيف لقرار سياسي اتخذه النهج الآخر قد يعتبره صاحب هذا النهج – وإن أخطأ في القرار – تقوية للظالم على المظلوم، لأنه مظلوم أيضاً…

فضيلة الأستاذ: صحيح، ولكن حينما تكون هناك سلسلة أخطاء، وهناك منهج خاطئ وخلل في الأداء، هل ستكون النتائج سلبية أم إيجابية على المصلحة العامة؟ سلبية طبعاً.
في البداية قد تنصح ولكن بعد ذلك تكون هناك أطروحة يسمعها الناس، ومنهج يتعاطى معه الناس… فأنت إذا سكتّ هنا تضر أو تنفع المصلحة العامة؟ التزمت بالأمانة أو الخيانة؟ هذا ليس أمراً شخصياً… كما يقال من ينتقد أخوه أو صديقه بينه وبينه فقد زانه وأمام الناس فقد شانه… ينبغي أن نميز… هذا في الشأن الشخصي، أما أطروحة تعرض على الناس أذهب لانتقد الشخص بيني وبينه؟ إذاً ومَن الذي يصحح الخطأ للناس؟

الديوانية: هنا سنرجع إلى مسألة الأسلوب مجدداً، وهو أسلوب التعنيف…

فضيلة الأستاذ: نعم يجب أن يكون الأسلوب حكيماً، أولاً لن ترى مرة أنني مسيت في نقدي الجانب الشخصي، وثانياً أنا أفرق في النقد بين الأطروحة والجانب الشخصي، أنتقد الأطروحة وأنتقد الموقف ولكن القارئ يجد أنني أكن الاحترام والتقدير للشخص وليس هناك أية إساءة للأشخاص، وهي انتقادات مقدمة للناس والناس عليها أن تقبل أو ترفض أو تناقش، وأتمنى لو أن الأطروحات تناقش بعمق وموضوعية…

الديوانية: نفترض أن شخصاً قال أنه يعتقد بأن حرق الإطارات – وهو لا يخص أحداً معيناً – في هذا الزمن وهذا المكان هو من الجهل ومن السخف… وإلى آخره من هذه التوصيفات العنيفة ضد الآخر، وفي الأخير يقول أنا لم أقصد أحداً معيناً؟!

فضيلة الأستاذ: لنفترض أن هناك مواجهات في الشارع بين السلطة والناس من خلال هذا الأسلوب، وهؤلاء الناس يدافعون عن حقوقهم… وأنا ذكرت أكثر من مرة أن لجوء الناس لهذه الأساليب هو نتيجة للفراغ القيادي، فلو أن القيادات السياسية قامت بدورها… الناس ما جاءت لهذا الأسلوب. فإذا كانت هناك مواجهة بين الناس وبين السلطة، فالناس تطالب بحقوقهم والسلطة تقمعهم، وأنت تقول أن هذا الأسلوب خاطئ وتتجاهل ظلم السلطة وتتجاهل سلبها لحقوق الناس وتركز على هذا الجانب ولا تطرح البديل، ما هذا؟
لكن قل أن السلطة ظالمة وقل أن هذا الأسلوب خطأ واطرح البدائل قل هذا الأسلوب غير مناسب وأن المناسب كذا وكذا، ودع الناس يفهمون أنك نصير لهم، أما أن تسخف عقولهم وسلوكهم فهذا أخلاقياً ليس صحيحاً وهو خلاف القاعدة الإسلامية (فكونا للمظلوم عونا وللظالم خصما)، فأنت جسّد هذه القاعدة وبين للناس الأسلوب الصحيح، لا أن تخذلهم لتقبل بالأمر الواقع فحسب.

الديوانية: كيف ترى الانتقائية من بعض الجماهير التي ترى أن أسلوب حرق الإطارات على سبيل المثال هو الأسلوب الأنجع للوصول إلى الأهداف، فهي تنتقي من كلام الأستاذ عبدالوهاب مقطعاً صغيراً لما يناسب ذلك، ويقولون أن الأستاذ يعطينا الباب مفتوحاً لهذا الأمر…

فضيلة الأستاذ: بينت رأيي في ندوة الميثاق الأخيرة، وذكرت أن هناك اتجاهين، الاتجاه الذي يرى أن الميثاق جاء نتيجة للاضطراب الأمني، والاتجاه الثاني الذي يرى أن الميثاق جاء نتيجة البعد السياسي، وأنا كان رأيي هو الثاني (البعد السياسي) بل كان تقديري أن الاضطراب الأمني كان يؤخر تحقيق مطالبنا. إن رأيي وخياري صحيح ولكن الناس عندما ذهبت إلى الخيار الثاني يجب أن أنصرهم ولا أخذلهم، ورأيي الآن هو نفسه قائم على أن الفعل السياسي القوي هو الأقدر على تحقيق المطالب، وأن الاضطراب الأمني يعطي السلطة فرصة القمع أكثر، وأننا من المفترض أن نركز على الفعل السياسي. ومع كون هذا الرأي رأيي فهذا لا يعني أن أتجنى وأقول أن حرق الإطارات جريمة أو من الإرهاب والعنف، وهذا الفرق بيني وبين بعض الأعزاء عندما يكون لي رأي فلا يعني ذلك أن أتجنى على الرأي الآخر فهذا من الظلم الذي لا يليق بالإنسان المؤمن.

الديوانية: تميل مواقفكم إلى حركة حق، فلماذا لم تنضم إلى الحركة؟

فضيلة الأستاذ: أنا أرى أن منهج حركة حق أصوب، ولكنني رأيت أنه ليس من المناسب أن أكون في حركة حق، وللأمانة فإن الأخوة الإسلاميين والعلمانيين في الحركة كانوا يتمنون مني أن أرأس الحركة، وقد رفضت ذلك رغم أنها كانت أمنية الأستاذ حسن مشيمع، حتى أنه قال لي: إنك تضعفنا بابتعادك عنا. حركة حق كمنهج أقرب من الصواب إلا أنني رأيت أنه ليس من المصلحة أن أكون عضواَ في الحركة.

الديوانية: قلتم بأن مشاركة الوفاق تعد اعترافاً بدستور 2002، وفي نفس المسألة سئل السيد محمد حسين فضل الله فقال بما معناه أنك عندما تنضم إلى مؤسسات الدولة فلا يعني ذلك اعترافاً بها بل يمكنك أن تعارضها من الداخل، ما رأيك؟

فضيلة الأستاذ: يُسأل السيد فضل الله عن رأيه فأنا لن أجيب نيابة عنه، ولكن عملياً المشاركة في البرلمان هو اعتراف ضمني بالدستور لأنك ستعمل في البرلمان من خلال الدستور وفي ضوء معطياته وإلا فأنت تعاملت مع البرلمان على ضوء ماذا؟ على ضوء هذا الدستور. حتى أن شخصية قانونية كبيرة في أوروبا كنا ننتظر منها رؤية حول دستور 2002 وكان متحمساً لإعطاء هذه الرؤية وطلب بعض الأمور خصوصاً أن لهذه الشخصية ثقلاً كبيراً ويأخذ الاتحاد الأوروبي والكونجرس الأمريكي برأيه، ولكن عندما حصلت المشاركة قال للأستاذ حسن: انتهى الأمر ولا تتكلم فقد شاركتم بنسبة 72% فماذا بقي؟ أعطيتم الشرعية للدستور فما قيمة أن أعطي رأيي؟ لذا هناك فرق بين الشعارات والحقائق والوقائع.

الديوانية: هل تقصد هنا أنك تعطي المسألة بعداً دولياً أكبر لتؤثر بشكل أكبر؟

فضيلة الأستاذ: هناك اتجاهان، الأول (وكنت أدعو له) أننا نتعاطى مع المؤسسات الدولية للدفاع عن حقوقنا، والثاني يرفض هذا الاتجاه، ولكن الآن من الناحية النظرية الكل متفق على ضرورة الاستفادة (من البعد الدولي) ويصححها ولا يخطئها، ولكن التعاطي العملي معها مختلف (بين القوى السياسية). والتعاطي مع الخارج لا يعني أن تتنازل عن الاستقلال أو عن وطنية نضالك أو ترتهن قرارك السياسي إلى الخارج، ولكن أصبحت الحكومة نفسها تتعاطى وتستعين بالخارج ضدك، لهذا فأنت تقول أن هذه الآلية أستفيد منها للحصول على حقي بدون أن تسمح بارتهان قضيتك الوطنية وقرارك السياسي لخدمة المطالب السياسية كما تنص المواثيق الدولية.

حضر الديوانية كل من: زهير خلف، عباس الكعبي، عبدالله محمد سعيد، خليل عبدالرسول، فوزي المهدي، جعفر محمد حسن، و وائل الفردان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى