حوار مع نشرة أنوار الطف – النويدرات – بعنوان : إضاءات على درب سيد الشهداء

الموضوع : حوار مع الأستاذ عبد الوهاب حسين بعنوان : إضاءات على درب سيد الشهداء .
الجهة التي أجرت الحوار : نشرة أنوار الطف – قرية النويدرات .
التاريخ : 23 / ذو الحجة / 1425هـ .
الموافق : 3 / فبراير – شباط / 2005م .

السؤال ( 1 ) : إن لثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) أبعاد متعددة ، مما جعل الباحثين والخطباء يتحدثون عنها بأشكال متغايرة ، فعلى سبيل المثال : البعض يتحدث عنها على أنها حركة سياسية ضد السلطة الظالمة ، والبعض يرى أنها حركة دينية تحمل عنوان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما ما درج عليه بعض الخطباء : فهو التركيز على الجوانب المحزنة والتراجيدية التي تستحق درف الدموع .

 

ما هو قولك في ذلك ؟

الجواب ( 1 ) : ثورة الإمام الحسين ( عليهم السلام ) استجابة دينية لنداء الحاجة للتصحيح والتطوير في الحياة العامة للمسلمين ، وفقا للمنهج الشرعي الرباني ، ويمكن تصنيفها في دائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : كما يكون في مسائل الطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة والأخلاق والمعاملة مع الناس ، يمكن أن يكون في شكل حركة إصلاح سياسي أو اقتصادي ، أو في شكل ثورة عارمة لقلب الأوضاع الفاسدة عقبا على رأس . وهذا ما أوضحه الإمام الحسين ( عليه السلام ) في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ( رضي الله تعالى عنه ) .

قال ( عليه السلام ) : ” وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا ، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق .. وهو خير الحاكمين ”

(مقتل الحسين . المقرم . ص 151)

أما البكاء على الإمام الحسين : فهو مأمور به قطعا ، وقد بلغ حد التواتر في أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) وقد بكاه جده الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأنبياء ( عليهم السلام ) قبل أن يقتل بسنين وقرون .

وقد روي عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) نفسه .. أنه قال : ” أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر ” ( كامل الزيارة . ص 108 ) .

السؤال ( 2 ) : ما هي أهداف ندب أهل البيت ( عليهم السلام ) شيعتهم لإحياء ذكرى عاشوراء وإظهار الحزن وذرف الدموع ؟

الجواب ( 2 ) : الهدف من التركيز على إبراز الجوانب المأساوية في استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) هو تحريك الجوانب الإنسانية والوجدان والضمير الإنساني ، وإبراز الفارق بين خط وأخلاقية المعسكرين : معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومعسكر يزيد بن معاوية ، ويترتب علي ذلك : الحب والولاء لخط وأخلاقية معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) والبغض والبراءة من خط وأخلاقية معسكر يزيد بن معاوية .

وعلى ضوء ما تقدم : ينبغي التنبه إلى الأمور المهمة التالية :

الأمر الأول : أن ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ثورة وعي وقيم ومعاني إنسانية ، علمتنا كيف يكون الالتزام والدفاع عن الدين والمبادئ والحقوق .

وعلي ذلك : فإن المطلوب من المؤمنين ( وفقهم الله تعالى ) في إحياء ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) عدم الاكتفاء : بسرد أحداث الواقعة وتذكرها والبكاء لما جرى على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وعلى أهل بيته وأصحابه الأوفياء المخلصين ، وإنما الوقوف على دلالات الثورة ، واستخلاص أبعادها الفكرية والسياسية والشرعية والأخلاقية والإنسانية ، ووضعها موضع التنفيذ في حياتهم العامة والخاصة ، فهناك أهداف وراء ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ينبغي على المؤمنين معرفتها والتأكيد عليها في الحياة .. وفي مقدمتها : إحياء الشريعة المقدسة والاستقامة عليها ، ونشر الوعي الديني والسياسي بين الناس ، وتحريكهم من أجل تصحيح أوضاعهم وتطويرها ، والثورة على أئمة الجور إذا أنغلق باب الإصلاح .

الأمر الثاني : ينبغي على المؤمنين رفض المحاولات المبذولة من أجل تفريغ الثورة والمراسم من محتواها الحقيقي ، بتجاهل أبعادها الفكرية والسياسية والشرعية والأخلاقية والإنسانية ، وحبسها في القضايا التاريخية والجانب العاطفي المأساوي الحزين فقط ، ويمكن اعتبار ذلك من المآمرات التي يحيكها الحكام المستبدون ، وأعوانهم الفاسقون ، وأصحاب المصالح المادية الأنانيون .. ضد الثورة ومصالح الناس الدينية والدنيوية .

والخلاصة : المطلوب : أن نبكي على الإمام الحسين ( عليه السلام ) بكاءً رساليا ، يعبر عن الاستقامة في الدين ، والالتزام بقضايا الحياة والحرص على مصالح الناس الحيوية ، وعمق التصميم ، وقوة الإرادة ، وصلابة المواقف ، والاستعداد للتضحية ، وبذل النفس والنفيس ، في سبيل الحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية واسترداد الحقوق .. إقتداءً بالإمام الحسين ( عليه السلام ) .

السؤال ( 3 ) : في حديث سابق ذكرتم : بأن الموكب الحسيني يتألف من ثلاثة عناصر رئيسية ( المنبر ، والمسيرات العزائية ، والزيارة ) .

( أ ) : ما هو دور كل عنصر في بناء الشخصية الإسلامية ؟

( ب ) : ما مدى نجاح كل عنصر في القيام بوظيفته ، وتحقيق الأهداف المرجوة منه ؟

الجواب ( 3 – أ ) : المنبر يقوم بدور بث الوعي ، والمسيرات العزائية تقوم بدور التحشيد الجماهيري ، ورص الصفوف ، وتوحيد الكلمة ، والزيارة تقوم بإعطائنا القدوة الحسنة في حياتنا الإسلامية والإنسانية لكي نقترب منها على كافة الأصعدة ، وهذا مما ينبغي التعاطي على أساسه مع العناصر الثلاثة .. لكي تحصل الفائدة والحكمة منها .

فما لم يقوم المنبر ببث الوعي الفكري والإجرائي ، وما لم تؤدي المسيرات العزائية إلى التحشيد الجماهيري لخدمة القضايا الإسلامية والإنسانية ، ورص الصفوف ، وتوحيد الكلمة حولها ، وما لم يحصل اقتراب الزائر من النموذج القدوة المزار ، والسير على خطه ومنهجه في الحياة ، والاقتداء به عمليا على كافة الأصعدة ، فإنه لن تحصل الفائدة المرجوة والحكمة من العناصر الثلاثة .

الجواب ( 3 – ب ) : ينبغي علينا التمييز بين عدة أمور في بحث مسألة نجاح العناصر الثلاثة في أداء وظيفتها وتحقيق أهدافها .. أهمها :

أولا – التمييز بين المضمون والتوظيف : فنصوص الزيارة .. مثلا : مأخوذة من المعصومين ( عليهم السلام ) .. وعليه : فهي قوية وتؤدي وظيفتها بالكامل من هذه الجهة ، ولكن قد يحدث خلل في التوظيف والاستفادة العملية منها . أما المضامين التي نجعلها في المنبر والمسيرات العزائية ، فنحن المسؤولون عنها .. وعليه : فقد يحدث الخلل في المضمون والتوظيف معا ، وعلينا أن نتحمل المسؤولية بصورة تامة ، لكي تكون المضامين المجعولة صحيحة إسلاميا ومن مصادرها المعتبرة ، وأن يكون التوظيف ناجحا في تحقيق أهداف ومقاصد الشريعة المقدسة المرجوة منها على الصعيدين : الفردي والمجتمعي .

ثانيا – التمييز بين التأثير التلقائي والإرادي : إن للعناصر الثلاثة تأثير تلقائي تؤديه في الحياة الإسلامية ، شأنها في ذلك شأن سائر العبادات الإسلامية . فإن للطهارة والصلاة والصيام والحج والزكاة ( وغيرها ) تأثير تلقائي في الحياة الإسلامية ، يتحقق بمجرد الالتزام العملي بها وأدائها بصورة صحيحة من ناحية الشكل . ولها تأثير إرادي يتوقف على مدى العلم بحكمها وأسرارها والحرص على الاستفادة العملية القصوى منها .

والمطلوب منا في العناصر الثلاثة : الحرص على تحصيل العلم بحكمها وأسرارها – كحرصنا على تعلم حكم وأسرار سائر العبادات ، والسعي الجدي لتحصل الاستفادة القصوى منها في حياتنا الفردية والمجتمعية .

السؤال ( 4 ) : شعار ( هيهات منا الذلة ) كان أحد شعارات ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) واتخذته الانتفاضة المباركة في البحرين في التسعينات من القرن المنصرم شعارا لها .

ما مدى تطابق ظروف زمن الإمام الحسين ( عليه السلام ) مع ظروف زمن الانتفاضة ؟

الجواب ( 4 ) : الشعار المذكور صحيح في نفسه ، والحاجة إليه ثابتة في جميع الأزمان والأماكن ، بغض النظر عن الظروف والملابسات المختلفة والمتنوعة . غير أن تطبيقاته العملية تختلف من زمان أو مكان إلى آخر ، نظرا لاختلاف الظروف والملابسات .

فقد يحتاج الزمان أو المكان إلى استخدام القوة والمواجهة المسلحة من أجل تطبيق الشعار ، وقد يحتاج إلى المنهج السلمي المقاوم ، كما كان في البحرين في زمن الانتفاضة المباركة .. ولا يزال .

وهنا تجدر الإشارة إلى مسألتين مهمتين .. وهما :

المسألة الأولى : أن ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لا تدل على تقديس القوة ، ولا تجعلها الخيار الوحيد للإصلاح ، ولا تدعو للبدء بالمواجهة ، وإنما تدل على رفض الخنوع والقبول بسياسة الإذلال والقهر والاستبداد ، وذلك حينما يرفض الحاكم الظالم المستبد الحوار ومنطق العقل والقانون ، ويصر على فرض الأمر الواقع الظالم والمنحرف على الشعوب ، بمنطق القوة والمواجهة ، فإن المؤمنين بثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) يكونون مستعدون لبذل أرواحهم من أجل تحقيق أهدافهم العادلة المشروعة في الحياة .

والخلاصة في هذه المسألة : حينما تكون هناك حرية ، ويكون هناك حوار وتفاهم وقبول للحق ، فإنه لا سبيل إلى القوة والمواجهة . وحينما يكون هناك رفض لمنطق العقل والقانون ، وإصرار على الإذلال وسلب الحقوق ، فالباب مفتوح للمواجهة والاستعداد للتضحية ، من أجل الدفاع عن الحق والعدل والحرية والكرامة الإنسانية واسترداد الحقوق .

قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ” ألا وإن الدعي ابن الدعي ، قد ركز بين اثنتين : بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله ، والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية ، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ، إلا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد ، وخذلان الناصر ”

(مقتل الحسين . المقرم . ص 82 ) .

المسألة الثانية : أن ثورة الإمام الحسين ( عليه السلام ) تعتبر تعبيرا صادقا جليا ، عن تعاليم الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكافة الأنبياء والمرسلين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) وأخلاقيات وقيم السماء وأحكام الشريعة المقدسة ومقاصدها الغراء في مواجهة الظلم والاستبداد والانحراف .. وعليه : ينبغي أن لا تأتي الأحكام الفقهية التفصيلية بشيء مغاير لها ، بحيث تعطي الشرعية للظلم والاستبداد والانحراف أو القبول بهم .. بأي شكل من الأشكال .

أكتفي بهذا المقدار ..
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ..
واستودعكم الله القادر الحافظ من كل سوء ومكروه .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى