الإجابة على أسئلة نشرة الطف – النويدرات

الموضوع : الإجابة على أسئلة نشرة الطف – النويدرات .
العنوان : الشباب وأتباع الثقافة الغربية .
التاريخ : 5 / محرم / 1425 هـ .
الموافق : 24 / فبراير – شباط / 2004 م .

السؤال ( 1 ) : ما هي الأسباب الرئيسية في إنجرار الشباب البحريني – بشكل خاص والإسلامي بشكل عام – نحو الثقافة الغربية المنحرفة ؟

الجواب ( 1 ) : الإسلام دين الله رب العالمين الذي أحاط بكل شيء علماً ورحمة ، والإسلام من الناحية المنطقية – وكما يشهد به الواقع – رصين في ذاته ، ولا يمكن أن يقصر عن اقتناع العقلاء به .. والخلاصة : أن الانحراف عن الإسلام ، ليس بسبب الإسلام نفسه ، وإنما لأسباب خارجة عنه .. منها الأسباب التالية :

السبب الأول – طريقة فهم الإسلام وعرضه للآخرين : حيث يتحكم المزاج الشخصي عند الكثيرين في فهم الإسلام ، فبدلاً من فهم الإسلام كما هو من مصادره المؤكدة المعصومة ، ومن خلال منهج علمي دقيق وصحيح ، يفهم الإسلام من خلال الذوات ، وبمناهج غير دقيقة وغير صحيحة . ولا شك فإن هذا الإسلام الذاتي ليس هو الإسلام الواقعي الصافي الذي يخاطب عقل الإنسان وضميره ووجدانه وفطرته ، ويدخل إليها في سلاسة وسهولة ، وأن كل إسلام ذاتي يقابل بإسلام وفكر ذاتي ومزاجي آخر يرفضه ويقاومه ويعترض عليه ، فهو تقابل بين ذوات متعددة متعارضة ، وليس هو الإسلام الواقعي الصافي الذي يخاطب عقل الإنسان وضميره ووجدانه ، ويدخل إليها في يسر وسهولة ويهيمن عليها بالحسنى . وبالتالي : فإن الخطوة الأولى في العلاج تبدأ بتحصيل الإسلام الواقعي الصافي من مصادره المعصومة المؤكدة ، وبمنهج علمي دقيق وصحيح .

ومن جهة ثانية تأتي طريقة عرض الدين وتقديمه للناس ، فقد يمتلك البعض الصورة الصحيحة الناصعة للدين ، ولكنه يخطأ في طريقة عرضه وتقديمه للناس ، فيسيء الآخرون فهمه ويرفضونه .

كما قد يخطأ بعض المؤمنين أيدهم الله في إيمانهم بتأييده القوي الغالب ، يخطئون في أساليب الحوار مع المخالفين لهم في الرأي والحكم عليهم ، وتواجهنا هنا مشكلتين أنقلهما من خلال التجربة .. وهما :

المشكلة الأولى – الفهم الأوحد للدين : حيث يعتبر البعض بأن فهمه للدين .. هو الفهم الوحيد الأوحد الصحيح ، ويرفض كل فهم واجتهاد مخالف لفهمه واجتهاده ، ويعتبره انحرافا عن الدين ، فقد اعتبر نفسه معياراً للحق بغير حق ، وادعى ما ليس له ، ووضع نفسه في مكان المعصوم وأخذ دوره ومكانته ، وأعطى لنفسه من الحق ما لم يعطه للآخرين المساوين له في حق الاجتهاد والفهم ، ويتعامل مع المخالفين له في الرأي على أنهم منحرفين عن الدين الصحيح والصراط المستقيم ، وهذه الحالة مخالفة صريحة للنصوص الصريحة للدين وروحه العلمية والتقوائية ، وفيها تضخيم للذات الخبيثة والنظر للأمور من خلالها ، وإن تمترس صاحبها وراء التقوى والخوف على الدين ، وليس فيها تواضع المؤمنين ، ومخافة الحق جل وعلا ، والأمر يختلف في الموقف من الاجتهادات التي فيها مخالفة صريحة لثوابت الدين وضروراته ، كدعوى أن الدين لا يرفض التبرج ولا يفرض الحجاب ، ودعوى أن الدين يقبل العلمانية ومثلها ، وكذلك الموقف من الأخطاء المنهجية مثل : الاجتهاد مقابل النص ، وفهم القرآن الكريم بعيداً عن ربانيته وتنزيله ، وفهم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام بعيداً عن العصمة ، وفهم مواقف الأئمة عليهم السلام بعيداً عن الولاية المطلقة الواقعية الممنوحة لهم عليهم السلام .

وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظتين مهمتين .. وهما :

الملاحظة الأولى : هناك من يستخدم المناهج الخاطئة في التفكير الإسلامي عن وعي بها وبطبيعة نتائجها .. وعن قصد ، سواء كان الاستخدام عن قناعة علمية .. أو عن سوء نية ، وهناك من يستخدمها من المسلمين عن غير وعي بها وبطبيعة نتائجها الفكرية والسلوكية ، وبدون قصد الابتعاد عن المنهج الصحيح في التفكير للحصول على الإسلام الواقعي من خلال الاجتهاد البشري المسموح به شرعاً ، وإعطائه القيمة العلمية الواقعية بدون إفراط أو تفريط ، فهم حريصون على تحصيل الإسلام الواقعي الصافي ، ولكنهم أخطؤوا في اختيار المنهج بسبب التقليد وقلة المعرفة ، مما يوقعهم في أخطأ فكرية وسلوكية خطيرة ، ولو علموا بحقيقة تلك المناهج وما يترتب عليها من نتائج خاطئة ، لتجنبوها ولم يقتربوا منها ، وهنا ينبغي على المحاورين الإلتفات إلى هذه الحقيقة في الحكم على الأشخاص والتعامل معهم ، والاهتمام بمنشأ الخطأ ومناقشته بهدف تصحيحه على أسس علمية دقيقة للحصول على الاستقامة في التفكير ، وعدم الانشغال بالجزئيات الناتجة عن تطبيق المناهج ، فإنهم مع عدم تصحيح المنهج ، لن ينتهوا من تصيح الجزئيات ، ولن يكون في وسعهم تصحيحها ، هذا مع عدم التقليل من شأن ضعف النفس وكيد الشيطان في المعالجة ، فإن الإنسان بما هو إنسان غير مبرأ من ذلك .

الملاحظة الثانية : الموقف من الأخطاء غير المتعمدة الناتجة عن التطبيق الخطأ للمناهج الصحيحة .. مع القبول بالمناهج نفسها والعمل بها ، يختلف عن الموقف من الأخطاء الناتجة عن الاستخدام المتعمد للمناهج غير الصحيحة .. سواء كان الاستخدام عن قناعة علمية أو عن سوء نية ، وتختلف المعالجة أيضا في جميع الحالات ، ولا شك أن الاستخدام المتعمد للمناهج الخطأ مع القناعة العلمية ، يختلف عن الاستخدام لها مع سوء النية .

المشكلة الثانية – مناقشة العناوين بعيدا عن واقع الحال : تختلف الأفهام للعنوان الواحد ، ثم يأتي الحكم على الأشخاص استناداً لفهم العناوين بعيدا عن واقع الحال للأشخاص وطبيعة فهمهم للموضوع أو العنوان ، فيكون حكمنا عليهم غير دقيق وغير صحيح . مثال ذلك : يثار في الساحة الفكرية البحرينية موضوع الحداثة ، ويكون لبعضنا فهم معين للحداثة يخرجها من الدين ، ثم يصدر أحكامه على كل من يدعي الحداثة بأنه خارج عن الدين ، بدون أن يدقق في فهمهم هم للحداثة ، ولو دقق لاختلف حكمه عليهم ، وليس هذا دفاعاً عن الحداثة والحداثيين ، ولا مناقشة لها ولهم ، وإنما هي إشارة لبعض أخطائنا في الحوار والحكم على المخالفين لنا في الرأي .

وهناك مثال آخر يتعلق بالخطأ في التقييم والحوار يختلف عما ذكر عن الحداثة ، وأذكره من واقع تجربتي في جامعة الكويت مع الطلبة البحرينيين يوم كنت طالباً فيها ، حيث كان التيار اليساري مسيطراً عليهم هناك في ذلك الوقت ، وكانوا يزعمن بأنهم يساريون شيوعيون ، ومن خلال الحوارات الكثيرة معهم ، وجدت بأنه ليس لديهم إلمام بالجدلية الماركسية وتفسيرها للعالم ، ولم يكن تبنيهم للماركسية قائم على أساس قناعتهم الفكرية بالنظرية الماركسية ، وإنما على أسس سياسية قوامها المغالطة التالية : وجود الحرمان والفساد والكبت والظلم في البحرين ، وأن البحرين رأسمالية وتابعة للمعسكر الرأسمالي ، وأن الرأسمالية هي المسؤولة عن التخلف في البحرين ، ويشارك الرأسمالية الدين من خلال واقع وعاظ السلاطين من علماء الدين وإطروحاتهم الفكرية والسياسية المتخلفة والعميلة ، وأن الحل يكمن في المدرسة الثورية الماركسية . وبسبب هذه المغالطة ، وفي ظل الفراغ الفكري الذي كان الطلبة يعانون منه وانعدام التوجيه والرعاية الفكرية والثقافية الإسلامية .. كانت تلك المأساة فيهم . وإذا أخذنا هذا التصور بعين الاعتبار ، نصل إلى نتيجة مفادها : أن الحوار مع هؤلاء في الجدلية الماركسية أو الديالكتيك ، وكذلك في النظام الاقتصادي الشيوعي والاشتراكي لا يأتي بنتيجة ، وقد يعود بنتائج سلبية أهمها : أنه مع إصرارهم وعدم مناقشة مكمن المشكلة ومعالجتها ، فإن الحوار معهم في النظرية يؤدي إلى تثقيفهم فيها ، ويؤدي إلى مزيد من إصرارهم عليها ، وهذا كله ينبهنا إلى ضرورة التنبه إلى قواعد الحوار وأهدافه في الدعوة إلى الله سبحنه وتعالى ، والتفكير فيه ، التخطيط إليه .

ومن الأمور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في الحوار والوعظ والإرشاد ، التمييز بين الانحراف الفكري والانحراف السلوكي ، لأن السلوك تابع للفكر ، وفي حالة الانحراف السلوكي لا نحتاج لأكثر من التنبيه إلى تناقض السلوك مع الفكر ، والسعي لإيجاد الانسجام بينهما لتحصل الاستقامة في السلوك ، وهي مهمة أسهل كثيراً .. كثيراً من خلق الاستقامة في التفكير بعد الانحراف ، لأن خلق الاستقامة في التفكير بعد الانحراف ، تحتاج إلى إدراك مباديء وأصول الفكر ومنشأها ، ومناقشة كل ذلك وتصحيحه ، وخلق الانسجام بينها وبين الفكر ، لتحصل بعد ذلك الاستقامة في التفكير ، وهي مهمة صعبة وطويلة ، وتحتاج إلى جهد كبير ، وزمن طويل ، ونفس أطول ، لا يؤتاه إلا ذو حظ عظيم ، رزقنا الله تعالى ذلك بحق إبراهيم الخليل ومحمد ذو الخلق العظيم .

وينبغي أن لا يكون غرض المحاور المسلم مناكفة الطرف الآخر وإفحامه ، وإنما تبصيره وهدايته إلى الله رب العباد .. وتقريبه إليه جل جلاله ، والتصرف مع الطرف الآخر على هذا الأساس ، وهذا قد يتطلب المسامحة في بعض الجزئيات ، والمجاملة للطرف الآخر ، والاعتذار إليه أحياناً أخذاً بخاطره ، ومراعاته واحترامه وتقديره ، والصبر على أخطائه في المعاملة وإساءاته إن وجدت ، وغض النظر عنها ، ومدحه والثناء عليه .. الخ . وقد رأيت من المحاورين ، من يحاول إثبات ذاته بدلا من إثبات الحق والتبصير به والهداية إلى الله رب العباد والتقريب إليه ، فيباعد الآخر عن الله الرب الرحيم .. بدلاً من أن يقربه إليه ، رغم أنه يحاور باسم الدين والدعوة إليه ، وهذا قطعاً من عمل الشيطان الرجيم ، نسأل الله الرحيم الكريم أن يقينا شر أنفسنا الأمارة بالسوء ، وشر الشيطان الرجيم .

السبب الثاني – النظرة غير الجدية وغير المسؤولة للحياة : وذلك لدى البعض من الناس الذين سماهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، بالهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح ، فهؤلاء ليست لديهم نظرة جدية للحياة تتناسب مع هدفيتها ، والمساءلة الربوبية للإنسان عن عمله ، والمصير الوجودي للإنسان يوم القيامة ، وبالتالي فهم يقبلون المطروحات والأفكار والمواقف بدون بحث ولا تدقيق ، ويتكلمون بأي كلام بلا حساب لعاقبة الكلام ومسؤوليته ، لأنهم غافلون عن هدفية الحياة ، والمساءلة الربانية التي لا تقوم لها السماوات والأرض ، والمصير الوجودي الذي ينتظر الإنسان يوم القيامة ، واختلاف مخرجات الأفكار والمطروحات والمواقف وقيمتها وعاقبتها في الدنيا والآخرة ، فلو أدركوا كل ذلك : لقاموا لله قانتين آناء الليل وأطراف النهار ، ودققوا في الأفكار والمطروحات والمواقف قبل تبنيها والدعوة إليها ، وحسبوا ألف حساب لكل كلمة قبل أن يقولوها ، وأتعبوا أنفسهم في البحث والتقصي والتدقيق في الأفكار والمطروحات والمواقف ، لأنهم يخافون يوما ثقيلاً تتقلب فيه القلوب والأبصار ، يوماً يجعل الولدان شيباً ، ولكن لأنهم غافلون عن كل ذلك ، تجاوبوا إيجابياً مع الأفكار الغربية والمنحرفة الغريبة على منطق العقل والفطرة ، وقبلوها بسهولة وبساطة وبعدم اكتراث ، ولو دققوا فيها في ضوء منطق العقل والضمير ، وفي ظل المسؤولية التي تفرضها هدفية الحياة والمساءلة الربوبية للإنسان عن عمله والمصير الوجودي الحتمي الذي ينتظره يوم القيامة ، لنبذوها نبذاً .. ولم يلتفتوا إليها لهزلها ومجانبتها الحق ولسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة . أضف إلى ذلك : تأثير النواحي النفسية في محاولة إثبات الذات والبروز والظهور بمظهر المتميزين ، والحمية الجاهلية في الدفاع عن الذات والتعصب لها ، والتبرير لسلوك النفس ومواقفها ، كل ذلك يحدث أيضاً بسبب الغفلة عن هدفية الحياة والمساءلة الربانية والمصير الوجودي الذي ينتظر الإنسان يوم القيامة وعدم محاسبة الذات في اليوم والليلة ، فيسيح كالشاة الضالة في الفلاة لا يعول على شيء ، وبالتالي : فأول العلاج لفت نظرهم لهدفية الحياة والمصير الوجودي الذي ينتظر الإنسان يوم القيامة ، وتفاوت مخرجات الأقوال والأفعال والتأثير على مصير الإنسان وعاقبته في الدنيا والآخرة ، وإقامة الأدلة المحسوسة على ذلك ، ولفت النظر إلى ضرورة مراقبة النفس ومحاسبتها في اليوم والليلة ، ولفت النظر إلى دور أعداء الشعوب والسيئين في نشر الأفكار والسلوكيات الضارة لأهداف سياسية محلية وإستكبارية عالمية .. والتحذير منهم ، وعدم الوقوع في شركهم بسبب الغفلة عنهم وحسن الظن بهم ، فنأخذ عنهم ونتأثر بهم ، ثم تأخذنا العزة بالإثم بعد ذلك ، فنقوم بتبرير ما أخذناه ونتعصب له دفاعاً عن الذات والتعصب لها ، غافلين مرة أخرى عن خطورة التعصب والتبرير وتأثيراتهما الضارة جداً على عاقبة الإنسان في الدنيا والآخرة ، وهذا لا يخص الموقف والعلاقة مع الأفكار الغربية فحسب ، وإنما يشمل كل الأفكار والمواقف التي يتخذها الإنسان في الحياة ، فكم من الأفكار والمواقف نتخذها في ظل العصبية الحزبية والفئوية والطائفية .. وغيرها ، ونبررها ونحن غافلين عن سوء عاقبتها في الدنيا والآخرة .. اللهم إنا نستعيذ بك من ذلك .. فأعذنا ، ونستجير بك من ذلك .. فأجرنا ، يا من لا جار لنا ولا معيذ نستعيذ به غيرك ، أفعل بنا ما أنت أهله يا أرحم الراحمين !!

السبب الثالث – التأثيرات النفسية للحضارة الغربية : الفكر الغربي ضعيف في ذاته ، لأنه فكر مادي يتعارض مع منطق العقل والفطرة ، ولكن هناك مؤثرات ضخمة تعمل لصالحه ، وهي مؤثرات تتصل به ، بعضها سلبي .. وبعضها إيجابي في نفسه إلا أنه غير ملازم لها في الوجود .. منها :

أولاً – التأثير عن طريق الغريزة والإكراه : فمثلا : قد يرى الشخص حرمة الزنا ولا يرغب فيه ، ولكنه يتعرض للإغراء فلا يستطيع مقاومته فيسقط فيه ، فيكون ذلك مدخلاً لتغيير قناعاته ، وقد تتغير قناعة الأشخاص تحت تأثير الخوف والرعب ، وكلا الحالتين عمل غير أخلاقي ولا إنساني ، ويجهض على كرامة الإنسان ، ومع ذلك يستخدمهما الغرب للترويج لحضارته وأفكاره .. وحقق نجاحاً في ذلك ، لأنه لا يؤمن بالقيم الأخلاقية والمعنوية العالية . أما الترويج عن طريق الإغراء والغريزة فهو في غاية الوضوح ، والإباحية من سمات الحضارة الغربية النزقة . وأما الترويج عن طريق الإكراه ، فيتجلى في استخدام الغرب – لا سيما أمريكا – لقوتهم السياسية والاقتصادية والعسكرية للتأثير على قناعات وقرارات الشعوب ، وهذا في غاية الوضوح ، ويسقط تحت تأثيرهم الضعفاء من المتحكمين والمخمليين والمتمصلحين ، ويتقدموا إليهم فوق جماجم الشعوب وهمومهم وآلامهم وعذاباتهم ، وضد مصالحهم المشروعة وحقوقهم العادلة ، كما تستخدم هذه الأساليب الخبيثة وغير الأخلاقية : الحكومات المستبدة الظالمة لإسقاط الضعفاء في دينهم ووطنيتهم ، إسقاطهم في أحضانها التي هي أحضان الشيطان الرجيم .

ثانياً – التأثير بسبب الديمقراطية والتقدم العلمي : وهما من المكاسب الضخمة للحضارة الغربية وأهم مفاخرها ، ويشتد تأثيريهما مع ملاحظة التخلف والاستبداد في العالم الإسلامي ، وشعور البعض من أبناء الشعوب الإسلامية بعقدة النقص والدونية تجاه الغرب ، وهنا تجب ملاحظة : أن التخلف والاستبداد ليس وليدين للإسلام ، وإن كان المسلمون مسؤولين عن تفشيهما في المجتمعات الإسلامية وترسخوهما فيها . ومن جهة ثانية : لا توجد ملازمة وجودية بين التقدم العلمي والديمقراطية من جهة ، وبين الحضارة الغربية المادية العلمانية من جهة ثانية ، بحيث لا يوجدان إلا بوجودها . أما التقدم العلمي فواضح : فلا ملازمة بين العلمانية والمادية وبين التقدم العلمي ، فقد كان للمسلمين السبق التاريخي في ذلك ، ثم تخلفوا لأسباب لا يتسع المقام لذكرها . وأما الديمقراطية : فبدليل وجود أنظمة علمانية دكتاتورية ، ووجود خروقات وتمييز فاحش بين المواطنين في الدول ديمقراطية العريقة ، لا سيما بعد الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا ، بالإضافة لممارسة هذه الدول للاستعمار البشع للشعوب ، وما يلحقه من القتل والظلم ونهب الثروات وانتهاك مروع لحقوق الإنسان .

السبب الرابع : وجود الإمكانيات البشرية والمادية الضخمة ، والتي يسخرها الغرب للترويج لأفكاره وحضارته ، لا سيما الإمكانيات الاقتصادية والإعلامية والمؤسسات ، مع ضعف الإمكانيات في العالم الإسلامي ، وتخلي الحكومات عنه ، بل محاربتها له ، وتعاونها مع الأعداء الدوليين ضده ، واعتماد الإسلام على قوته الذاتية ، وجهود الشعوب الإسلامية المستضعفة وإمكانياتها المحدودة ، مع ملاحظة أن الذين يدافعون عن الإسلام من أبناء الشعوب الإسلامية ويخدمونه ويضحون من أجله .. هم المستضعفون والفقراء ، أما الأغنياء .. فمواقفهم غالباً مع الحكام والمستكبرين ، فقد استغنوا بنعمة الله الظاهرة عليهم عنه عز وجل .. وعن دينه ، فاستغنى عنهم ، وسوف ينصر دينه بدونهم ، وسوف يسألون !!

السؤال ( 2 ) : في ظل الظروف الثقافية السائدة بسبب الوسائل الإعلامية ، وبتدعيمها ممن يدعون إلى العولمة العالمية ، هل يجد الشباب الحصانة الكافية من الانحراف وأتباع الغرب ؟

الجواب ( 2 ) : في ظل رصانة الإسلام وقوته في نفسه وانسجامه مع منطق العقل والفطرة ، وفي ظل ضعف الفكر الغربي في نفسه ومخالفته وعدم انسجامه مع منطق العقل والفطرة ، ومع الإلتفات لما جاء في الإجابة على السؤال السابق عن هدفية الحياة والمساءلة الربوبية والمصير الوجودي الحتمي للإنسان في يوم القيامة ، وما يفرضه من المسؤولية والاهتمام والتدقيق لدى الإنسان في شؤون الحياة المختلفة ، وعدم مقابلتها بالإهمال والتقصير وعدم الاكتراث ، مع الالتفات لذلك وترسخه في نفوس أبناء الإسلام كافة والشباب بصفة خاصة ، ومع قيام المنزل بواجب الرعاية والمتابعة ، وقيام علماء الدين بالتوجيه الديني الحكيم ، وقيام المؤسسات الدينية بدورها في وضع البرامج اللازمة وتنفيذها بدقة وإخلاص ، فإن تحصين الشباب بصورة كافية من الانحراف وأتباع الغرب ممكن جداً ، مع التأكيد على وجود التحدي الجدي الخطير ، للأسباب التي سبق ذكرها .

السؤال ( 3 ) : ما هو تقييمك للحالة الإيمانية والجانب الأخلاقي للشباب البحريني ؟

الجواب ( 3 ) : الشباب البحريني أغلبه متدين ومتخلق بأخلاق الإسلام ، وله حضور وفاعل في الساحة ، والحمد لله المنعم على ذلك . وإذا قسنا مستوى الوعي والتدين والأخلاق لدى شبابنا في البحرين ، بمستوى الوعي والتدين والأخلاق لدى الشباب الإيراني وهم يعيشون في ظل دولة ولاية الفقيه ، فلن نجد الشباب البحريني – حسب تقديري – أقل مستوى في جميع ذلك من الشباب الإيراني ، وهذه نعمة من أكبر نعم الله الجليلة علينا ، والفضل في ذلك يعود إلى الله تبارك وتعالى ، وبركة أهل البيت عليهم السلام وتأثير مجالسهم علينا ، وهو حصيلة تراكم تاريخي من الولاء والتفاعل مع قضايا الإسلام ، والانفتاح على العالم وعدم التقوقع على المحلي ، وهو يتفوق في حجمه ونوعه على مستوى ونوع التوجيه الديني والسياسي لدينا في الوقت الحاضر ، الذي يعاني من مشكلات عديدة ، لو حلت لكان الوضع أفضل بكثير مما هو عليه الآن رغم تقدمه النسبي على من حولنا .. وأهم المشكلات هي:

المشكلة الأولى : يغلب التخلف على الخطاب الإسلامي في البحرين بوجه عام من جهات عديدة .. أهمها : اللغة المستخدمة في الخطاب ، وهي لغة تقليدية لا تأخذ بعين الاعتبار التطورات اللغوية التي لا تضر بسلامة اللغة وبالمصطلحات الإسلامية ، وإنما تثري اللغة وتعبر عن المستجدات في تطورات الحياة . كما يفتقر الخطاب للتأصيل الفكري المنهجي العميق ، الذي يعطي المتلقي القدرة على التمييز وإصدار الأحكام الصحيحة في مختلف المسائل ، ولا أخفيكم أنني بكيت مرة بمرارة في جامع الإمام الصادق بالدراز في أحد المناسبات الدينية ، حينما سمعت نشيداً عن جماعة السفارة ، وذلك لأني كنت أنظر إليهم وهم في السجن على أنهم الأمل في بلادنا ، ثم رأيت ذلك الأمل يضيع منا بصورة مروعة ، والسبب في ذلك : التثقيف الفج ، وعدم قدرة النخبة والحواريين على التمييز بين الغث والسمين ، والحق والباطل ، فسقطوا في الامتحان بشكل مروع ، ولا زال نفس النمط من التثقيف جارياً حتى الوقت الحاضر . نسأل الله جلت قدرته وحسنت نعمه وآلاؤه ، أن يكيفنا شر السقوط والأزمات المروعة في أنفسنا ومن نحب . كما يعاني الخطاب التخلف من جهة الموضوعات والقضايا والمسائل التي يثيرها ، فكثيراً ما يتناول الخطاب قضايا قديمة وقضايا هامشية ليست ذات أهمية في الوقت الحاضر ، بينما يغفل القضايا المعاصرة والحيوية ، وأيضاً : نوعية المعالجة للقضايا والموضوعات والمسائل المثارة ، فكثيراً ما تفتقد المعالجة للمنهجية العلمية والوضوح ، وتكون المعالجات فجه ( غير علمية ) وسطحية لا تلامس لب الموضوع وجوهره ، ولا تجيب على الأسئلة في ذهن المتلقي ، ولا تلقى استحسانه ، ولا تعطيه الاطمئنان ، مما يجعلها معالجات تتحرك في الفراغ ، بدلاً من التحرك على أرض الواقع بين الناس .

المشكلة الثانية : النقص والقصور في برامج مؤسساتنا ، رغم تجلي الإبداع النوعي والمتميز في أنشطة وجهود شبابنا ( حفظهم الله تعالى بعينه التي لا تنام ) ، وذلك غالباً بسبب نقص الإمكانيات المادية وضعفها وتبعثرها ، وقلة الإمكانيات البشرية لسوء الإدارة وخطأ منهجية التواصل مع الجماهير والنخب .

المشكلة الثالثة : الخطأ في منهجية الطرح والربط بين القضايا والمسائل والهموم في الساحة الوطنية وترتيب أولوياتها منهجياً ، وأن المنهجية تعاني من التفكيك القصري وعدم الربط الواقعي بين القضايا والهموم ، مما أنتج حالة مرضية في الخطاب والحركة القائمة عليه حسب التشخيص الإسلامي ، وأرغب في الإشارة إلى جانبين .. وهما :

الجانب الأول : وفي سبيل الاختصار أشير إلى تجربتين .. وهما : تجربة الإخوان المسلمين في مصر ، وتجربة حزب الله المظفر في لبنان ، حيث يجمع بين هاتين التجربتين اهتمامهما بهموم الناس المعيشية وقضاياهم الحياتية اليومية ، ولكن حركة الإخوان المسلمين لم تستطيع تحقيق النجاح الذي حققه حزب الله في لبنان ، والسبب في ذانك النجاح والإخفاق ، أن حركة الإخوان المسلمين لم تسيج عملها بالشمولية والربط الواقعي لكافة القضايا والهموم في الساحة ، بينما فعل ذلك حزب الله المظفر ، ولم يسقط في فخ التفكيك القصري بين القضايا والهموم ، رغم أنه يتصرف كحركة مقاومة ، ولم يدخل في تفاصيل المسائل على الساحة اللبنانية ، ولم يدخل في المنافسة على حطام المناصب والمكاسب السياسية ، وأكتفي بشرف المقاومة للكيان الصهيوني .

الجانب الثاني : يتعلق بحالة التفكيك بين الديني وبين الهموم اليومية للناس في الخطابين : الديني والسياسي ، فالخطاب الديني يتناول المسائل الفكرية المتصلة بالدين ويتناول المسائل العقائدية والفقهية والأخلاقية والروحية والاجتماعية ذات الصبغة الدينية ، وليس لديه الاهتمام الكافي بالهموم اليومية للناس : السياسية وغير السياسية . وفي المقابل نجد معالجات الخطاب السياسي لقضايا الساحة لا يؤصل لها على أساس الثوابت والقيم والمباديء والقواعد الإسلامية ، مما يجعلها شبيهة من ناحية الشكل والمضمون بالمعالجات العلمانية . وبهذا وذاك : فقد وقع الخطاب الإسلامي والحركة القائمة عليه ، وقعا من الناحية العملية في شرك العلمانية ، وإن كانا يرفضان ذلك بقوة ويؤصلون له بجدارة من الناحية النظرية ، وهذه مشكلة خطيرة تحتاج إلى الدراسة والتحليل والبحث عن أسبابها ووضع الحلول المناسبة لها . كما أضرت عملية التفكيك تلك بالحالتين : الإيمانية والسياسية ، فقد شوهتهما وأضعفتهما وقللت من تأثيريهما على الساحة والناس ، وهذا ما نلمسه بوضوح تام في الوقت الحاضر .

السؤال ( 4 ) : هل من كلمة أخيرة توجهها للشباب ؟

الجواب ( 4 ) : نعم أيها الأحبة الشباب ، أنتم الأمل .. وأنتم عماد المستقبل ، إنني وكل الآباء نرى المستقبل من خلالكم ، ونعيش الأمل بعد الله جل جلاله .. بكم ، فلا تخيبوا ظنونا ، ونرجوكم أن تكونوا عند حسن هذا الظن فيكم ، ونسأل الله جلت قدرته وحسنت نعمه وآلاؤه .. نسأله لكم ذلك ، وأوصيكم بأن تلتفتوا إلى هدفية الحياة ، والمساءلة الربوبية يوم القيامة إليكم ، والمصير الوجودي الذي ينتظركم هناك ، وأن لا تؤثروا الحياة الدنيا وإن بغتكم على الآخرة ، وأن تتصرفوا في الحياة بمنتهي الجد والمسؤولية ، ولا تضيعوا الأوقات والفرص فيما لا ينفعكم ، واغتنموها فيما هو الأرجح والأنفع وأحسنه لكم عاقبة وأكرمه مصيراً . حافظوا على التقوى وحافظوا على حياتكم الروحية والأخلاقية ، واحذروا النفس الأمارة بالسوء ، واحذروا الشيطان الرجيم أن يوقعاكم في الشهوات والرذيلة والإهمال والتسويف وحب الدنيا وحطامها الفاني والتسابق على المصالح ويبررا لكم ذلك على حساب الدين والآخرة حقيقة .. ويخدعاكم به ظاهراً ، فتخسروا وتكونوا من النادمين حين لا ينفع الأسف والندم ، وتعاونوا فيما بينكم على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وكونوا في الله إخواناً ، واحذروا أمراض التحاسد والتباغض والغيبة والنميمة ، فإنها تفسد الدين والدنيا ولا يرجوا أهلها خيراً في الآخرة والأولى ، وأسالكم لي الدعاء حياً وميتاً ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى