الرأي في المسألة الدستورية

بسم الله الرحمن الرحيم

الرأي في المسألة الدستورية

أعد الرأي كل من : (وردت الأسماء حسب الترتيب الأبجدي)

1- الأستاذة جليلة السيد أحمد

2- الأستاذ حسن علي رضي

3- الأستاذ عبدالله الشملاوي

4- الأستاذ عيسى إبراهيم محمد

5- الأستاذ محمد أحمد عبدالله

شارك في الإعداد بالإسناد الوثائقي كل من : 

1- الدكتور عبدالعزيز حسن أبل

2- عبدالجليل حسن العرادي

31 أغسطس ‏2002‏‏

البحرين

الرأي في المسألة الدستورية

إن الغاية من هذا الرأي هي الإجابة ، ولو بشكل يتسم ببعض الإيجاز ، على العديد من الأسئلة التي ثارت وترددت بدءً من يوم 14/فبراير/2002 ، وهو اليوم الذي شهد إصدار الدستور الجديد ، وقد تمثلت تلك الأسئلة ، بشكل أو بآخر ، في مدى مشروعية الوثيقة التي صدرت في ذلك اليوم وسميت بالدستور المعدل ، سواء من حيث شكل الإصدار أو مضمونه . وهل كانت مجرد إستجابة لميثاق العمل الوطني الذي وافق عليه شعب البحرين في الاستفتاء الذي تم في يومي 14 و 15/فبراير /2001 ؟ أم أن تلك الوثيقة خالفت ما ورد في الميثاق ؟ وهل أكدت على المبادئ والحقوق التي قررها دستور 1973 لشعب البحرين وخصوصاً تلك المبادئ المتعلقة بشكل السلطة التشريعية وإختصاصاتها أم إنها إنتقصت منها ؟ 

إن الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما يطرح نفسه أثناء البحث يستوجب دراسة المحاور التالية : 

  • دستور 1973م : إصداره ، خصائصه الشكلية ، وخصائصه الموضوعية المتعلقة بشكل السلطة التشريعية وإختصاصاتها . 
  • ميثاق العمل الوطني والاستفتاء عليه . 
  • الوثيقة الصادرة في 14/فبراير/2002 والمذكرة التفسيرية المرفقة بها . 

* * * * * * * * * * * * *

القسم الأول : دستور دولة البحرين الصادر في 1973

لقد شكلت مسألة إصدار دستور للبلاد ينظم حكمها ، ويحدد حجم ونوعية المشاركة الشعبية في إدارة شئونها ، قضية أساسية في تاريخ البحرين السياسي ، إذ شهدت البحرين منذ العقد الثالث من القرن المنصرم مطالبات شعبية متكررة ، تمثلت في أول الأمر في المطالبة بإقامة مجلس شورى يساعد الحاكم في تصريف شئون البلاد ويحد من التدخل البريطاني في أمورها . وفي عام 1938 تجددت المطالبات بإنشاء مجالس تشريعية يشارك من خلالها ممثلو الشعب الأسرة الحاكمة في صنع القرار السياسي وإدارة شئون البلاد . وفي منتصف الخمسينيات شهدت البحرين أبرز حركة ديمقراطية في تاريخها في ذلك الوقت ، إذ توحدت كل قوى الشعب بمختلف طوائفه وإنتماءاته خلف الهيئة التنفيذية العليا التي غيرت إسمها لاحقاً إلى هيئة الاتحاد الوطني بعد أن تم الاعتراف بها من قبل الحكومة كحركة سياسية . وتمثلت مطالبها في سن دستور للبلاد وإنشاء مجلس تشريعي والسماح للعمال بتشكيل نقابة لهم وتحديث أجهزة الدولة وإصلاح القضاء وبحرنة الوظائف . وفي بداية العقد السابع من القرن الماضي شهد تاريخ البحرين مرحلة جديدة تمثلت في الاستقلال عن بريطانيا في الرابع عشر من أغسطس 1971 ، كما تمثلت في تصدي شعب البحرين للإدعاءات الايرانية في السيادة على البحرين حيث وقف الشعب إلى جانب الأسرة الحاكمة من خلال الاستفتاء الذي قامت به لجنة تقصي الحقائق برئاسة السيد جينو سباردي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ، حيث أكد الشعب على رغبته في الاستقلال تحت قيادة الامير كما أكد على خيار الديمقراطية كوسيلة للحكم . 

وفي 20/يونيو/1972 أصدر الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه المرسوم بقانون رقم (12) لسنة 1972 بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة ، وجاء في مقدمة هذا المرسوم أنه ” بعد الاطلاع على بياننا الصادر بتاريخ 16 ديسمبر سنة 1971 . وعلى المرسوم الأميري رقم (2) لسنة 1971 بشأن إعادة التنظيم الاداري للدولة . ورغبة منا في إرساء الحكم في البلاد على أسس قويمة من الديموقراطية والعدل ، وفي ظل نظام دستوري ، برلماني ، يوطد حكم الشورى ويتفق مع ظروف البلاد وتراثها العربي والإسلامى . وبناء على ما عرضه مجلس الوزراء ، وبعد موافقة مجلس الوزراء رسمنا بالقانون الآتي ” . وقد نصت المادة الأولى من المرسوم على أنه ” ينشأ مجلس تأسيسي لوضع مشروع دستور للبلاد ، ويتألف من إثنين وعشرين عضواً ينتخبهم الشعب بطريق الإنتخاب العام السري المباشر ، ومن عدد لا يزيد على عشرة أعضاء يعينون بمرسوم ، ويكون الوزراء أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم ” ، وبذلك فقد تشكل المجلس التأسيسي الذى أنيط به وضع مشروع الدستور من 42 عضواً ، إثنان وعشرون عضواً منهم منتخبون من قبل الشعب ، وثمانية معينون بموجب مرسوم أميري ، والباقي وعددهم إثنى عشر فهم الوزراء وذلك بحكم مناصبهم . ولعله مما يجدر ذكره أنه على الرغم من أن المرسوم أجاز تعيين عدد لا يزيد على عشرة أعضاء فإن الأمير الراحل لم يعين إلا ثمانية أعضاء مما ترتب عليه أن الأغلبية في المجلس التأسيسي كانت للمنتخبين. 

وقد إنعقدت الجلسة الأولى للمجلس التأسيسي في يوم 16/ديسمبر/1972 ، وسبقتها جلسة إفتتاحية ألقى فيها الأمير الراحل نطقاً سامياً جاء فيه : ” بإسمه  تعالى ، وعلى بركة من لدنه ، أفتتح المجلس التأسيسي المنوط به إعداد دستور للبلاد، وأني لأحمد الله تعالى أن أنجز الوعد الذي قطعته لشعبي بالعمل معه على وضع دستور يتفق ورغباته ويتيح المجال واسعاً أمام الجميع للمشاركة في تحمل تبعات المسئولية في هذا الوطن الغالي وإرساء قواعده على أسس سليمة وثابتة ” . وبتاريخ 30/ديسمبر/1972 أقر المجلس التأسيسي لائحته الداخلية وأصدرها ونشرت بالجريدة الرسمية . 

وبتاريخ 9/يونيو/1973 أقر المجلس التأسيسي دستور دولة البحرين ورفعه للأمير فصدق الأمير الراحل على الدستور وأصدره بتاريخ 6/ ديسمبر /1973. وتم نشره في الجريدة الرسمية في عددها الصادر يوم 6/ ديسمبر /1973 ، وقد إشتمل الدستور على (109) مواد . ونصت المادة الأخيرة منه على أنه ” ينشر هذا الدستور في الجريدة الرسمية ويعمل به من تاريخ إجتماع المجلس الوطني ، على ألا يتأخر هذا الاجتماع عن اليوم السادس عشر من شهر ديسمبر 1973 ” . وبتاريخ 16 /ديسمبر/1973 إنعقد أول إجتماع للمجلس الوطني ومنذ ذلك التاريخ بدأ العمل بأحكام الدستور . 

وقد اتسم هذا الدستور ، وسنشير إليه لاحقاً بدستور 1973 ، والذي تأثر بشكل واضح وجلي بدستور دولة الكويت الصادر في عام 1962 ، بخصائص شكلية وخصائص موضوعية ، نوجزها فيما يلي : 

أولاً : الخصائص الشكلية : 

إنه فيما يتعلق بالخصائص الشكلية فإن دستور 1973 هو دستور مكتوب ، وذلك تمييزاً له عن الدساتير غير المكتوبة أو ما يعرف بالدساتير العرفية . وأنه ، من حيث أسلوب نشأته أو وضعه ، هو دستور عقدى ، أي وضع بطريقة التعاقد بين الحاكم والشعب . ذلك أن السلطة التأسيسية الأصلية ( المجلس التأسيسي) تشكلت من أعضاء يمثلون السلطة الحاكمة ونواب إنتخبهم الشعب من خلال إنتخابات عامة سرية مباشرة. وبعد إقرار مشروع الدستور من قبل تلك السلطة التأسيسية الأصلية ، رفع المشروع إلى الأمير الذى وافق على ما أقره المجلس التأسيسي فصدق على الدستور وأصدره . وينتسب دستور 1973 الى فئة الدساتير الجامدة لأنه إشترط لتعديله شروطاً وإجراءات خاصة أكثر شدة من الشروط المقررة لتعديل القوانين العادية . ( أنظر في أساليب نشأة الدساتير – د. عثمان عبدالملك الصالح – النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت – الجزء الأول – طبعة 1989 – ص : 197 – د . ثروت بدوي – القانون الدستوري – ص : 44 – د. رمزي الشاعر – النظرية العامة للقانون الدستوري – طبعة 1972 – ص: 112 إلى 125 ) . 

وحالات الجمود التي نص عليها الدستور تتفاوت على النحو التالي : 

أ – الحالة الأولى وتتمثل في ما نصت عليه الفقرة (و) من المادة (1) من الدستور بقولها ” لا يعدل هذا الدستور إلا جزئياً وبالطريقة المنصوص عليها فيه ، كما لا يجوز إقتراح تعديله قبل مضي خمس سنوات على العمل به ” ويعرف فقه القانون الدستوري هذه الحالة بأنها حالة جمود مؤقت أو حظر زمني حيث يحظر المشرع الدستوري إجراء أي تعديل على الدستور قبل مضي خمس سنوات على العمل به . كما أن الفقرة سالفة الذكر تحرم إجراء أى تعديل على الدستور إلا وفقاً لإجراءات التعديل المنصوص عليها فيه على أن يكون ذلك التعديل جزئياً وليس تعديلاً جوهرياً . وسنعود ، لاحقاً ، إلى مناقشة إجراءات التعديل ونطاق التعديل ، بشيء من التفصيل . 

ب – أما الحالة الثانية فهي تدخل في نطاق الحظر الموضوعي ، وتتمثل في نص الفقرة (ج) من المادة (104) والذى يجري على أن ” مبدأ الحكم الوراثي في البحرين لا يجوز إقتراح تعديله ، وكذلك مباديء الحرية والمساواة المقررة في هذا الدستور ، كما لا يجوز اقتراح تعديل المادة الثانية منه ” . ونجد أن هذا النص يقرر حظراً موضوعياً مطلقاً أو مؤبداً بالنسبة للمبادىء الثلاثة الآتية : 

  • مبدأ الحكم الوراثي . 
  • مباديء الحرية والمساواة المقررة بموجب الدستور .
  • المبدأ المتعلق بكون الشريعة الاسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع وأن دين الدولة هو الاسلام وأن اللغة الرسمية هي اللغة العربية . فلا يجوز ، تبعاً لهذا النص ، إقتراح تعديل هذه المباديء الثلاثة . ويذهب الرأي السائد في الفقه الدستوري الكويتي ، الذى تعرض لنص مشابه في الدستور الكويتي لنص الفقرة (ج) من المادة (104) من دستور 1973 ، إلى أن الحظر الموضوعي المتعلق بمبدأ الحكم الوراثي ومباديء الحرية والمساواة المقررة بموجب الدستور هو حظر مستثنى منه تعديل لقب الامارة إلى ملكية مثلاً دون المساس بمبدأ الحكم الوراثي ، ويترتب على هذا الرأي جواز تغيير مسمى الدولة ورأسها من إمارة وأمير مثلاً الى مملكة وملك ، كما يستثنى منه التعديلات الخاصة بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة وليس بالإنتقاص منها . (انظر في ذلك د.عثمان عبدالملك الصالح – المرجع السابق – ص 189) . 

ج – والحالة الثالثة وهي تدخل ضمن نطاق الحظر الموضوعي المؤقت فتتمثل في نص الفقرة (د) من المادة (104) من دستور 1973 والذي يجري على أن ” صلاحيات الأمير المبينة في هذا الدستور لا يجوز إقتراح تعديلها في فترة النيابة عنه ” . ( أنظر في حالات الجمود المؤقت والجمود المطلق للدساتير – د. عثمان عبدالملك الصالح – المرجع السابق – ص: 187 – د. عادل الطبطبائى – النظام الدستوري في الكويت – الطبعة الثالثة 1998 – ص: 428) . 

ثانياً : الخصائص الموضوعية : 

أما بالنسبة للخصائص الموضوعية لدستور 1973 ، فإنه لما كانت الغاية من هذا الرأي دراسة الأحكام التي قررتها الوثيقة الصادرة يوم 14/ فبراير /2002 بشأن السلطة التشريعية ، فإن إستعراضنا للخصائص الموضوعية سيقتصر على الأحكام الخاصة بالسلطة التشريعية والتي وردت في الفصل الثاني من الباب الرابع من دستور 1973 ، مع الإشارة بشكل موجز إلى المرتكزات الأساسية التي حددها هذا الدستور بشأن نظام الحكم والسلطات. ويمكن تلخيص ذلك في الآتي : 

1 – مصدر السيادة وأسلوب ممارستها : 

نصت الفقرة (د) من المادة (1) من الدستور على أن ” نظام الحكم في البحرين ديمقراطي ، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً ، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في الدستور ” . ومن المعروف في علم القانون الدستوري أن أسلوب ممارسة الشعب للسيادة يختلف من نظام دستوري إلى آخر . فبعض الأنظمة تأخذ بما يعرف بالنظام الرئاسي الذي تنحصر فيه السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب ويخضع الوزراء للرئيس خضوعاً تاماً حيث يكونون مسئولين أمامه عن تنفيذ سياسته ، ولا يكون الرئيس أو وزراؤه مسئولين أمام البرلمان . وإذا كان هذا النظام يتميز في شكله التقليدي بالفصل التام بين السلطات إلا أن مثاله الأبرز وهو النظام الأمريكي بات يعرف أشكالاً من أوجه التعاون والتأثير المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية . أما النظام الآخر فهو ما يعرف بالنظام البرلماني أو بنظام الحكومة البرلمانية ، ولعل أبرز مثال على ذلك هو المملكة المتحدة ، حيث يسود رأس الدولة ولكنه لا يحكم ، فلا يمارس أي سلطات فعلية ، والسلطة الفعلية تكون بيد حكومة يشكلها البرلمان وبالتالي تصبح الوزارة مسئولة أمام البرلمان الذي يستطيع أن يسحب الثقة منها إذا ما خالفت توجهاته ، فضلاً عن ذلك فإن هذا النظام يتميز بقيام تعاون أو توازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ، ففي الوقت الذي يملك فيه البرلمان سحب الثقة من الحكومة فإن السلطة التنفيذية تملك حق حل البرلمان . ( أنظر في هذا المعنى : د. عادل الطبطبائي – المرجع السابق – ص: 447 إلى 451 ) . 

وكلا النظامين سالفي الذكر يشتركان في قيامهما على أربعة أركان هي :

  • قيام برلمان منتخب من الشعب .
  • عضو البرلمان يمثل الشعب بأسره وليس الأفراد الذين إنتخبوه .
  • إستقلال البرلمان عن هيئة الناخبين .
  • البرلمان يمثل الشعب لمدة محدودة . 

وبالعودة إلى دستور 1973 نجد أنه أخذ بسمات مشتركة من كلا النظامين . فالأمير يمارس سلطات سياسية ، فهو رئيس السلطة التنفيذية إذ يعين بأمر أميري رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه ، كما يعين الوزراء ويعفيهم من مناصبهم بمرسوم أميري ، كما يمارس سلطاته بواسطة وزرائه ولديه يسأل الوزراء متضامنين عن تنفيذ سياسة الحكومة . وفي ذات الوقت فإن ذاته مصونة لا تمس فلا يسأل أمام المجلس الوطني الذي يختص بالتشريع والرقابة على أداء الجهاز الحكومي. 

2 – العلاقة بين السلطات : 

تنص الفقرة (أ) من المادة (32) من الدستور على أنه ” يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقاً لأحكام هذا الدستور ألخ ” . كما تقضي الفقرة (ب) من ذات المادة بأن ” السلطة التشريعية يتولاها الأمير والمجلس الوطني وفقاً للدستور ، ويتولى السلطة التنفيذية مع مجلس الوزراء والوزراء ، وبإسمه تصدر أحكام السلطة القضائية ، وذلك كله وفقاً لأحكام 

الدستور ” . وقد أشرنا فيما سلف إلى أن دستور 1973 أخذ ببعض السمات من النظام الرئاسي ومزجها بعناصر من النظام البرلماني ، ولذلك نلاحظ إشتراك الأمير مع المجلس الوطني في التشريع وخصوصاً فيما يتعلق بالتشريع الدستوري أي التصديق على التعديلات الدستورية التي يقرها مجلس السلطة التشريعية ، وبالتالي فإن التعاون الذي ينص عليه الدستور فيما بين السلطات يتخذ أحد أشكاله في إشتراك رأس الدولة مع المجلس الوطني في التشريع . أما في مواجهة مجلس الوزراء فإن المجلس الوطني يتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية على الرغم من أن الوزراء أعضاء في المجلس بحكم مناصبهم . ونكتفي بهذه الإشارات الموجزة فيما يتعلق ببعض الخصائص الموضوعية لدستور 1973 ونعود إلى إستعراض أحكام السلطة التشريعية في ذلك الدستور . 

3 – السلطة التشريعية : 

أ – تشكيل السلطة التشريعية : 

تنص المادة (43) من الدستور على تشكيل المجلس الوطني على النحو التالي 

” أ – ثلاثون عضواً ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر وفقاً للأحكام التي يبينها قانون الانتخاب. ويرفع هذا العدد إلى أربعين عضواً إبتداءً من إنتخابات الفصل التشريعي الثاني . ويكون تحديد الدوائر الانتخابية بقانون . ب – الوزراء بحكم مناصبهم ” . 

وتنص الفقرة (ج) من المادة (33) على أنه ” لا يجوز تعيين الوزراء من أعضاء المجلس الوطني في الفصل التشريعي الأول ، ويكون تعيينهم من أعضاء المجلس الوطني أو من غيرهم إبتداءً من الفصل التشريعي الثاني . ويصبح الوزراء المعينون من خارج المجلس أعضاء فيه بحكم مناصبهم ، ولا يزيد عدد الوزراء جميعاً على أربعة عشر وزيراً ” . 

ويتضح من النصين سالفي الذكر أن نسبة الأعضاء المعينين في المجلس الوطني تقل في الفصل التشريعي الأول عن ثلث العدد الإجمالي الذي يتكون منه مجلس السلطة التشريعية ، بينما تقل عن تلك النسبة بكثير في الفصل التشريعي الثاني إذ لا تتجاوز القوة التصويتية للأعضاء المعينين ما نسبته 25.9 % من عدد أعضاء المجلس 

الوطني . 

ب – اختصاصات السلطة التشريعية : 

تنقسم إختصاصات المجلس الوطني إلى إختصاص تشريعي وإختصاص رقابي ، ونتناولهما بإيجاز على النحو التالي : 

1 – الاختصاص التشريعي : 

يتولى السلطة التشريعية كل من الأمير والمجلس الوطني ، وعلى ذلك نصت المادة (42) بقولها ” لا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلس الوطني وصدق عليه الأمير ” . 

إن الأحكام المتعلقة بممارسة سلطة التشريع من قبل الأمير والمجلس الوطني ، طبقاً لدستور 1973 الذي تبنى ما قرره الدستور الكويتي ، تفرق بين ما يعرف في فقه القانون الدستوري بالإعتراض التوقيفي وحق التصديق . ذلك أن سلطة التشريع التي يتولاها الأمير مع المجلس الوطني فيما يتعلق بالتشريعات العادية ، 

وإن كانت تتمثل في سلطة الأمير في التصديق على القانون الذي يرفعه إليه المجلس الوطني ، إلا أن سلطة التصديق هذه ، في واقع الحال ، هي سلطة اعتراض توقيفي وليست سلطة تصديق بمعناها الفني . فالمادة (35) تنص على الآتي :” أ – للأمير حق إقتراح القوانين ، ويختص بالتصديق عليها وإصدارها . ب- يعتبر القانون مصدقاً عليه ويصدره الأمير إذا مضت ثلاثون يوماً من تاريخ رفعه إليه من المجلس الوطني دون أن يرده إلى هذا المجلس لإعادة نظره . ج – إذا رد الأمير في خلال الفترة المنصوص عليها في البند السابق مشروع القانون إلى المجلس الوطني ، بمرسوم مسبب ، لإعادة نظره ، حدد ما إذا كانت هذه الإعادة تجري في ذات دور الإنعقاد أو في الدور التالي له . د – إذا أعاد المجلس إقرار المشروع بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم ، صدق عليه الأمير وأصدره في خلال شهر من إقراره للمرة الثانية ” . 

ويتضح من هذا النص أنه إذا رد الأمير القانون إلى المجلس الوطني ، فإن المجلس في ذات دور الانعقاد أو في الدور الذي يليه يستطيع أن يقر ذات المشروع الذي رده الأمير ، ولا يملك الأمير في هذه الحالة إلا التصديق عليه وإصداره خلال شهر من تاريخ إقراره من قبل المجلس الوطني للمرة الثانية ، وهذا ما يعرف بالإعتراض التوقيفي ، أي سلطة الأمير في تأخير صدور القانون لأجل لا يتجاوز، بأي حال من الأحوال ، التاريخ الذي يقر فيه المجلس للمرة الثانية مشروع القانون . ( أنظر في سلطة الاعتراض التوقيفي وسلطة التصديق ، د. عثمان عبدالملك الصالح – المرجع السابق – ص: 473 ).

أما فيما يتعلق بالتشريع الدستوري فإن سلطة الأمير هي سلطة تصديق بمعناها الفني وهي سلطة تشريعية حقيقية ، إذ يتوجب تصديق الأمير على أي تعديل دستوري يقره المجلس الوطني وبدون هذا التصديق لا تقوم لذلك التعديل أية قائمة . وعلى هذا تنص الفقرة (أ) من المادة (104) بقولها ” يشترط لتعديل أي حكم من أحكام هذا الدستور أن تتم الموافقة على التعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ، وأن يصدق الأمير على التعديل وذلك إستثناء من حكم المادة (35) من هذا الدستور ” . وهذا الحكم تأكيد آخر على الطبيعة العقدية لدستور 1973 . 

2 – الإختصاص الرقابـي : 

تمثلت أدوات الاختصاص الرقابي للمجلس الوطني في الآتي : 

– السؤال: وقد نصت عليه المادة (66) بقولها ” لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة لإستيضاح الأمور الداخلة في إختصاصهم ، وللسائل وحده حق التعقيب مرة واحدة على الإجابة ، فإذا أضاف الوزير جديداً تجدد حق العضو في التعقيب “. 

– إبداء الرغبات: وتنظمه المادة (73) بقولها ” للمجلس الوطني إبداء رغبات للحكومة في المسائل العامة ، وإن تعذر على الحكومة الأخذ بهذه الرغبات وجب أن تبين للمجلس أسباب ذلك وللمجلس أن يعقب على بيانها”. 

– الاستجواب: وهذا الحق مقرر طبقاً للمادة (67) التي تنص على أنه ” لكل عضو من أعضاء المجلس الوطني أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء إستجوابات عن الأمور الداخلة في إختصاصاتهم. ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه ، ما لم يوافق الوزير على تعجيل هذه 

المناقشة . ويجوز أن يؤدي الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة على المجلس وفقاً لأحكام المادتين (68) و (69) من هذا الدستور ” . 

– طرح موضوع عام للمناقشة: نظمت هذا الحق المادة (72) من الدستور بقولها 

” يجوز ، بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء على الأقل ، طرح موضوع عام على المجلس الوطني للمناقشة لإستيضاح سياسة الحكومة في شأنه وتبادل الرأي بصدده ، ولسائر الأعضاء حق الاشتراك في المناقشة “. 

– تأليف لجان التحقيق: تنص المادة (74) على حق المجلس الوطني ” في كل وقت أن يؤلف لجان تحقيق أو يندب عضواً أو أكثر من أعضائه للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في إختصاصات المجلس المبينة في الدستور. ويجب على الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منهم ” . 

– تشكيل لجنة لبحث عرائض وشكاوى المواطنين: وتنظم هذا الحق المادة (75) من الدستور بقولها ” يشكل المجلس ضمن لجانه السنوية لجنة خاصة لبحث العرائض والشكاوى التي يبعث بها المواطنون إلى المجلس ، وتستوضح اللجنة الأمر من الجهات المختصة ، وتعلم صاحب الشأن بالنتيجة. ولا يجوز لعضو المجلس الوطني أن يتدخل في عمل أي من السلطتين القضائية والتنفيذية ” . 

– طرح الثقة: تقرر الفقرة (أ) من المادة (68) من الدستور مسئولية كل وزير عن أعمال وزارته لدى المجلس الوطني. وتنص ذات المادة في فقرتيها (ب) و (ج) على أنه ” ب – لا يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير إلا بناء على رغبته أو طلب موقع من عشرة أعضاء إثر مناقشة إستجواب موجه إليه . ولا يجوز للمجلس أن يصدر قراره في الطلب قبل سبعة أيام من تقديمه . جـ – إذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء أعتبر معتزلاً للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ، ويقدم إستقالته فوراً . ولا يكون سحب الثقة من الوزير إلا بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس الوطني فيما عدا الوزراء . وفي جميع الأحوال لا يشترك الوزراء في التصويت على الثقة ” . 

– عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء: نظم الدستور هذا الشكل من أشكال رقابة السلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية من خلال المادة (69) التي تنص على أنه ” أ – لا يطرح في المجلس الوطني موضوع الثقة برئيس مجلس الوزراء ، ما لم تقض ضرورة بتوليه إحدى الوزارات مع الرئاسة ، فيسأل عن أعمال تلك الوزارة كسائر الوزراء. ب – إذا رأى ثلثا أعضاء المجلس الوطني بالطريقة المنصوص عليها في المادة (68) من هذا الدستور عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، رفع الأمر إلى الأمير للبت فيه ، بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة ، أو بحل المجلس الوطني . فإن حل المجلس وتجددت تولية رئيس مجلس الوزراء المذكور ولكن قرر المجلس الجديد ، بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم ، عدم التعاون معه كذلك ، أعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن ، وتشكل وزارة جديدة ” . 

وما سلف ، كان إطلالة سريعة ومختصرة على دستور 1973 . وقبل أن ننتقل إلى مناقشة المحور الثاني لهذا الرأي نرى أن نتناول ما آلت إليه التجربة البرلمانية الأولى في تاريخ البحرين والتي إنتهت بحل المجلس الوطني بتاريخ 26/أغسطس/1975 . 

حل المجلس الوطني وتعطيل أحكام الدستور المتعلقة بالسلطة التشريعية :

بتاريخ 26/أغسطس/1975 أصدر الأمير الراحل مرسوماً أميرياً برقم (14) لسنة 1975 بحل المجلس الوطني نص على الآتي : 

” نحن عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين بعد الاطلاع على المادة (65) من الدستور والأسباب الواردة في كتاب إستقالة الوزارة السابقة وجواب تأليف الوزارة القائمة والمتعلقة بالتعاون بين المجلس الوطني والحكومة ، وبناء على ما عرضه علينا رئيس مجلس الوزراء ، وبعد موافقة مجلس الوزراء ، رسمنا بما يلي: 

( مادة أولى) يحل المجلس الوطني . 

(مادة ثانية) على رئيس مجلس الوزراء تنفيذ مرسومنا هذا ويعمل به إبتداء من اليوم ، الثلاثاء العشرين من شعبان سنة 1395 هـ الموافق للسادس والعشرين من أغسطس سنة 1975 م وينشر في الجريدة الرسمية ” . وفي ذات التاريخ صدر الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 والذي نص على الآتي : 

” نحن عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين لما كنا نرى في الأسباب التي من أجلها أمرنا بحل المجلس الوطني خطراً يتهدد الوحدة الوطنية وأمن البلاد وهو ما يقتضي إجراء تعديل في قانون الانتخاب . وبناء على ما عرضه علينا رئيس مجلس الوزراء ، وبعد موافقة مجلس الوزراء ، أمرنا بما هو آت : 

( مادة أولى ) يؤجل إنتخاب أعضاء المجلس الوطني إلى أن يصدر قانون إنتخاب جديد . 

(مادة ثانية) يوقف العمل بنص المادة (65) من الدستور وغيرها من المواد التي تتعارض مع الحكم الوارد في المادة السابقة . 

(مادة ثالثة) يتولى معنا مجلس الوزراء السلطة التشريعية خلال تلك الفترة . 

(مادة رابعة) على رئيس مجلس الوزراء تنفيذ أمرنا هذا ويعمل به من تاريخ صدوره وينشر في الجريدة الرسمية ” . 

وبصرف النظر عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حل المجلس الوطني وإصدار الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 ، فإن حل مجلس السلطة التشريعية هو رخصة تقررها المادة (65) من دستور 1973 للأمير ، إلا أن هذه الرخصة مقيدة بأمرين هما: 

1 – تضمين المرسوم الأميري بحل المجلس الوطني الأسباب التي أدت إلى حله. وواقع الحال أن المرسوم رقم (14) لسنة 1975 قد خلا من بيان هذه الأسباب ، وإكتفى في هذا الشأن بالإحالة إلى الأسباب التي وردت في خطاب إستقالة الوزارة وهو أمر يصادر الغاية التي توخاها المشرع الدستوري من بيان أسباب الحل والمتمثلة في أن تكون تلك الأسباب ماثلة أمام أعين أفراد الشعب ضماناً لعدم حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى . 

2 – إن فترة الحل يجب أن لا تتجاوز بأي حال من الأحوال فترة شهرين من تاريخ الحل وذلك لضمان ألا يكون الحل وسيلة لتعطيل أي حكم من أحكام الدستور . 

وتأسيساً على ذلك فإن الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 هو أمر غير دستوري من حيث الشكل والمضمون إذ ترتب عليه تعطيل أحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور المتعلقة بالسلطة التشريعية ، وهو ما يخالف مخالفة صريحة نص المادة  (108) من الدستور والتي تنص على أنه ” لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية وذلك في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل إنعقاد المجلس الوطني في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه “. 

إن النتائج التي نخلص إليها من الاستعراض السابق هي : 

1 – إن دستور 1973 هو دستور وضع بطريقة التعاقد بين الحاكم والشعب . وهو دستور جامد فيما يتعلق بتعديله ، إذ إستلزم لذلك إجراءات محددة تم النص عليها في صلب الدستور طبقاً لأحكام المادة (104) منه . 

2 – إن مجلس السلطة التشريعية ( المجلس الوطني ) يتمتع بصلاحيات تشريعية ورقابية أصيلة، ويشكل نواب الشعب المنتخبين أغلبية بما نسبته 74% تقريباً بينما يشكل عدد الأعضاء المعينين فيه بحكم مناصبهم – وهم الوزراء – ما نسبته 26% تقريباً من عدد أعضاء المجلس الوطني . 

3- أقام الدستور نظاماً متوازناً ، فيما يتعلق بالأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات على الرغم من كون الوزراء أعضاء في مجلس السلطة التشريعية بحكم مناصبهم . 

4– إن الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 الذي قضى بتأجيل إنتخاب أعضاء المجلس الوطني وبوقف العمل بأحكام الفصل الخاص بالسلطة التشريعية في الدستور وبتولي الأمير ومجلس الوزراء السلطة التشريعية هو أمر غير دستوري . 

******************

القسم الثاني : ميثـاق العمـل الوطني

إستمرت الحالة السياسية والدستورية التي آلت إليها البلاد نتيجة المرسوم والأمر الأميريين لعام 1975 سالفي الذكر وما ترتب عليهما من حل المجلس الوطني وتعطيل الحياة النيابية ، إستمرت هذه الحالة لما يزيد على ربع قرن تكررت خلاله المطالبة بعودة الحياة النيابية ، وإتخذت هذه المطالبات شكل العرائض في بداية العقد التاسع من القرن الماضي حيث رفعت للأمير في البداية عريضة تم التوقيع عليها من قبل مجموعة من الشخصيات والأفراد وعرفت لاحقاً بعريضة النخبة ، ثم أعقبتها عريضة وقع عليها عدد كبير من المواطنين وسميت بالعريضة الشعبية . وفي مقابل ذلك طرح الحكم صيغة مجلس الشورى وذلك بموجب الأمر الأميري رقم (9) لسنة 1992 بإنشاء مجلس الشورى ، إلا أن هذه الصيغة لم تجد لها قبولاً أو مصداقية لدى شعب البحرين . واتسمت المطالبة بعودة الحياة النيابية والرد عليها من قبل الحكومة بدءً من أواخر عام 1994 بأشكال متبادلة من العنف . وفي مارس من عام 1999 تولى حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم بعد وفاة المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه ، ومنذ ذلك الحين بدأت تصدر إشارات من الحكم تتعلق بضرورة التغيير والعمل لبناء مرحلة جديدة ، إلى أن صدر الأمر الأميري رقم (36) لسنة 2000 بتاريخ 22/نوفمبر/2000 بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني . وقد ضمت اللجنة 44 عضواً برئاسة وزير العدل والشئون الإسلامية . وإشتملت هذه اللجنة المعين أعضاؤها جميعاً من قبل الأمير على عدد من الوزراء والموظفين الحكوميين وأعضاء من مجلس الشورى فضلاً عن أعضاء بعض الجمعيات المهنية والأهلية وبعض أساتذة الجامعات . 

وقد ناقشت اللجنة مسودة أولى طرحها الحكم قوبلت بإعتراضات عديدة فتم استبدالها بمسودة أخرى إشتملت على مقدمة بعنوان ” شخصية البحرين التاريخية، حضارة ونهضة ” ، وسبعة فصول ، عناوينها المقومات الأساسية للمجتمع ، ونظام الحكم والأسس الاقتصادية للمجتمع والأمن الوطني والحياة النيابية والعلاقات الخليجية والعلاقات الخارجية ، وخاتمة عنوانها ” إستشرافات المستقبل ” اشتملت على فقرتين ، الأولى بشأن ” مسمى دولة البحرين ” والثانية بشأن ” السلطة التشريعية ” . 

ومرة أخرى ، ولغايات هذا الرأي ، فإننا سنكتفي بمناقشة موجزة لنصوص الميثاق المتعلقة بنظام الحكم والحياة النيابية وإستشرافات المستقبل مفضلين تأجيل مناقشة موضوع القوة الملزمة للميثاق إلى حين إستعراض القسم الثالث من هذا الرأي . ولابد من أن نشير هنا إلى أنه على الرغم من أن الأمر الأميري بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني قد نص في مادته الخامسة على أن ” يعرض مشروع ميثاق العمل الوطني على مؤتمر شعبي عام تمثل فيه كافة شرائح وفئات المجتمع لإقراره . ويصدر بأمر منا تشكيل المؤتمر الشعبي ودعوته للانعقاد ” ، كما نص ذلك الأمر في مادته السادسة على أن ” يرفع ميثاق العمل الوطني إلينا بعد إقراره من المؤتمر الشعبي العام للمصادقة عليه ” . على الرغم من هذا فقد صدر أمر أميري برقم (8) لسنة 2001 بتاريخ 23/ يناير / 2001 بدعوة المواطنين للإستفتاء على مشروع ميثاق العمل الوطني مما ترتب على ذلك ضمناً إلغاء ما ورد في المادتين  (5) و (6) من الأمر الأميري رقم (36) لسنة 2000 سالفتي الذكر وهو ما يقتضي منا إلقاء بعض الضوء على الاستفتاء من حيث قيمته وطبيعته القانونية . 

أولاً : عرض موجز لبعض نصوص ميثاق العمل الوطني : 

تميزت الكثير من نصوص وصياغات ميثاق العمل الوطني بتبنيها الأحكام التي وردت في دستور 1973 ، بل أن العديد من الفصول التي إحتواها الميثاق لم تكن إلا ترديداً لنصوص ذلك الدستور ، ومن السهولة تلمس ذلك من خلال إستعراض بعض نصوص الميثاق على النحو الآتي : 

ا – المقدمة المعنونة : شخصية البحرين التاريخية ، حضارة ونهضة : 

يستعرض الجزء الأكبر من هذه المقدمة تسلسلاً تاريخياً مختصراً لمختلف العصور التي مرت بها البحرين وصولاً إلى حكم أسرة آل خليفة الكرام لأرخبيل البحرين وتأكيد الشعب البحريني لعروبة البلاد وإستقلالها تحت قيادة الأمير الراحل من خلال الإستطلاع الذي قامت به الأمم المتحدة بواسطة لجنة تقصي الحقائق ، وفي هذا الإطار تشير المقدمة إلى تجاوب الأمير الراحل لهذه الوقفة لشعب البحرين ” بأن أصدر دستور دولة البحرين كنموذج لأرقى المبادئ الدستورية والديموقراطية ” ، مؤكدة بأن قرار الأمير – رحمه الله – ” بدء الحياة الدستورية وإجراء إنتخابات حرة لتأسيس المجلس الوطني طبقاً للدستور ، علامة بارزة في تاريخ البحرين ” . ثم تنتقل تلك المقدمة بعد ذلك إلى تأكيد أن شعب البحرين يتطلع إلى مستقبل مشرق ” . . ملؤه الحرية والمساواة وركيزته العدالة والشورى ، وقاعدته المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب في مسئوليات الحكم ” . وفي تسبيب مقتضب للنتيجة التي تخلص إليها المقدمة نجد تكراراً في الإشارة إلى دستور دولة البحرين – والمقصود به بالطبع دستور 1973 – بإعتباره الركيزة التي أقيمت عليها أسس الدولة الحديثة ، وبأن أمير البلاد ” يطمح إلى تحقيق نهج ديموقراطي يرسي هيكلاً متوازناً يؤكد الشراكة السياسية الدستورية بين الشعب والحكومة ، والفصل بين السلطات الثلاث . . . ” . ثم تشير المقدمة إلى أن حصيلة تجربة البحرين في العمل السياسي والاقتصادي طوال العقود الثلاثة الماضية ” تتطلب مراعاة ما إستجد من تطورات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وتشريعية ” . وتنتهي من كل ذلك إلى أن الرأي قد إستقر ” على أن يؤخذ بالثوابت الوطنية والسياسية والدستورية في هوية الدولة تأكيداً على النظام الملكي الوراثي الدستوري الديموقراطي ، حيث يخدم عاهل البلاد شعبه ويمثل رمزاً لهويته المستقلة وتطلعاته نحو التقدم ، وعلى إدخال تحديث في دستور البلاد بالإستفادة من التجارب الديموقراطية لمختلف الشعوب في توسيع دائرة المشاركة الشعبية في أعباء الحكم والإدارة ، ذلك أن ما أثبتته بعض هذه التجارب من الأخذ بنظام المجلسين في العمل التشريعي يتيح الجمع بين ميزة الإستفادة من حكمة ذوي العلم والخبرة من أعضاء مجلس الشورى وتفاعل الآراء الشعبية من كافة الاتجاهات التي يضمها المجلس المنتخب إنتخاباً حراً مباشراً ” .

2- الفصل الثاني : نظام الحكم :

يؤكد هذا الفصل على مجموعة من المبادئ والأسس المتمثلة في أن ” نظام الحكم في البحرين ملكي وراثي دستوري على الوجه المبين في الدستور والمرسوم الأميري الخاص بالتوارث ” ، كما يؤكد على أنه فيما يتعلق بشكل الدولة الدستوري ” فقد صار من المناسب أن تحتل البحرين مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديموقراطي الذي يحقق للشعب تطلعاته نحو التقدم ” ، وأن نظام الحكم ديموقراطي وأن الشعب هو مصدر السلطات جميعاً وأن ممارسة السيادة تكون على الوجه المبين في الدستور ، فضلاً عن أن نظام الحكم يعتمد على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث مع التعاون بين هذه السلطات وفق أحكام الدستور ، مع التأكيد على أن سيادة القانون وإستقلال القضاء هما ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات وأن من حق المواطنين رجالاً ونساءً ، التمتع بالمشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية في البلاد .

3- الفصل الخامس : الحياة النيابية :

يرسم هذا الفصل صورة للحياة النيابية المقبلة وذلك بعد أن يشير إلى أن ” العديد من الديموقراطيات العريقة تأخذ بنظام المجلسين . فتضم مجالسها التشريعية مجلسين أحدهما يمثل الاتجاهات والأفكار المتنوعة ووجهات النظر المختلفة بين أفراد الشعب في القضايا المعاصرة . والآخر يعمل كمجلس للمختصين وأهل الخبرة ” .

وينتهي هذا الفصل إلى أنه ” ومن أجل مزيد من المشاركة الشعبية في الشئون العامة . . . وإيماناً بحق الشعب جميعه ، وبواجبه أيضاً ، في مباشرة حقوقه السياسية الدستورية ، وأسوة بالديموقراطيات العريقة ، بات من صالح دولة البحرين أن تتكون السلطة التشريعية من مجلسين ، مجلس منتخب إنتخاباً حراً مباشراً يتولى المهام التشريعية إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للإستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة . ويتميز هذا التكوين الثنائي المتوازن للسلطة التشريعية بأنه يقدم في آن واحد مجموعة من المزايا تتضافر مع بعضها البعض . فهو يسمح بالمشاركة الشعبية في الشئون التشريعية ، ويسمح بتفاعل كافة الآراء والاتجاهات في إطار مجلس تشريعي واحد . وهكذا فإن هذا التشكيل المقترح للمجلس التشريعي ، الذي سوف يتطلب تعديلاً دستورياً ، سوف يتيح له أن يستمد الحكمة والدراية من جانب ، وكافة التوجهات العامة للناخب البحريني من جانب 

آخر . ولا شك أن هذا التعديل يؤدي إلى فتح آفاق أرحب لديموقراطية تعمل من أجل البناء والتنمية والاستقرار والرخاء ، ديموقراطية تعمل من أجل السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية ” .

4- إستشرافات المستقبل :

نصت خاتمة الميثاق المعنونة باستشرافات المستقبل على ” أن هذا الميثاق وقد توافق الجميع على محتواه حكومة وشعباً ، وأخذاً في الاعتبار أنه يمثل وثيقة عمل مستقبلية للبلاد ، وأن تفعيل الأفكار الأساسية الواردة فيه تتطلب بعض التعديلات الدستورية ، فإنه يلزم لذلك ما يلي : 

  • مسمى دولة البحرين : يقرر التعديل الدستوري التسمية الرسمية لدولة البحرين بناءً على الطريقة التي يقرها الأمير وشعبه . 
  • السلطة  التشريعية : تعدل أحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور الخاصة بالسلطة التشريعية لتلائم التطورات الديموقراطية والدستورية في العالم وذلك بإستحداث نظام المجلسين ، بحيث يكون الأول مجلساً منتخباً إنتخاباً حراً مباشراً يختار المواطنون نوابهم فيه ويتولى المهام التشريعية ، إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للإستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة . وتصدر القوانين على النحو الذي يفصله الدستور وفق النظم والأعراف الدستورية المعمول بها في الديموقراطيات العريقة ” .

وبعد هذا الإستعراض الموجز لبعض نصوص ميثاق العمل الوطني ، وبالتحديد النصوص التي تتعلق بنظام الحكم والحياة النيابية ، فإننا نتناول فيما يلي عرضاً موجزاً للاستفتاء من حيث طبيعته وقيمته القانونية وذلك لكي نتعرف على القيمة القانونية للاستفتاء الذي تم يومي 14 و 15 فبراير عام 2001 والذي وافق شعب البحرين بموجبه ، وبنسبة وصلت إلى 98.4% ، على ميثاق العمل الوطني .

ثانياً : الإستفتاء :

يفرق فقهاء القانون الدستوري بين ثلاثة أنواع من الاستفتاءات وهي :

1- الاستفتاء الشخصي : ويقصد به أن يطلب من الشعب إبداء رأيه في إنتخاب شخص معين بذاته أو عدم إنتخابه كرئيس للدولة ، وقد أطلق بعض الفقه الدستوري على هذا النوع من الاستفتاءات إسم (الإسترئاس) وذلك لأن هذه العملية يطلقها عادة صاحب السلطة الفعلية في الدولة طالباً من الشعب تنصيبه رئيساً للجمهورية دون منافسة أو إختيار بينه وبين غيره .

2- الاستفتاء السياسي : ويكون الإستفتاء ” سياسياً عندما يراد معرفة رأي الشعب في موضوع معين يثير الخلاف ولا ينطوي على قاعدة عامة مجردة ، فإذن هومعرفة رأي الشعب في موضوع من الموضوعات بقصد إشراك الشعب فيما يستفتى فيه ” (المرجع : الاستفتاء في النظام الدستوري المصري د. محمد قدري حسن – ص 30 – طبعة 1991) . والمقصود بعدم إنطواء موضوع الاستفتاء على قاعدة عامة مجردة هو أن لا يشتمل الموضوع الذي يستفتى فيه الشعب على صياغة فنية محددة لنصوص قانونية بقصد العمل بها وتقرير نفاذها . ويقرر الفقه الدستوري أن هناك أمثلة متعددة للاستفتاء السياسي منها – على سبيل المثال لا الحصر – الاستفتاء على إختيار نظام الحكم مثل الاستفتاء على قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في أبريل سنة 1979 . والاستفتاء على تقرير المصير مثل إستفتاء الشعبين المصري والسوري في عام 1958 على قيام الوحدة . والإستفتاء على مصالح البلاد العليا مثل الاستفتاء الذي جرى في مصر على ورقة إكتوبر التي تقدم بها الرئيس المصري أنور السادات في مايو سنة 1974 ، وقد تم هذا الاستفتاء بناءً على حكم المادة (152) من الدستور المصري الذي يجيز لرئيس الجمهورية أن يستفتي الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا . ويشترط في مثل هذا النوع من الاستفتاء ألا يكون موضوعه مخالفاً للدستور ( د. محمد قدري حسن – المرجع السابق – ص 34).

3- الاستفتاء التشريعي : أما النوع الثالث فهو الاستفتاء التشريعي الذي يمكن تعريفه بأنه “أخذ رأي الشعب في قانون صوت عليه البرلمان للموافقة عليه أو رفضه . والإستفتاء هنا يكون بعد موافقة البرلمان على القانون . . . وليس هناك ما يمنع من أن يكون الاستفتاء التشريعي بمناسبة موضوع لم يقره البرلمان بعد” ( د . محمد قدري حسن – المرجع السابق – ص 35) . ويقسم الفقه الدستوري هذا النوع من الاستفتاءات من حيث موضوعها إلى الاستفتاء الدستوري والإستفتاء المتعلق بالقوانين ، وفيما يتعلق بالاستفتاء الدستوري فإن الفقه مجمع على عدة شروط لابد من توافرها حتى يكون الاستفتاء وسيلة ديموقراطية فعالة تمنع إستبداد أي سلطة من سلطات الدولة . ولعل أهم هذه الشروط هي : أ- أن يكون الاستفتاء في حدود الدستور ، فلا يجوز إستفتاء الشعب في أمر يخالف أحد أحكام الدستور كإلغاء بعض الحريات الشخصية أو توسيع سلطات رئيس الدولة أو السلطة التنفيذية مما يهدد بتدمير الحياة الدستورية والديموقراطية من أساسها ( د. محمد قدري حسن – المرجع السابق – ص122) . ب- وحدة موضوع الاستفتاء : ويقصد بهذا الشرط أن يكون موضوع الاستفتاء ” بسيطاً غير مركب ومحدداً تحديداً دقيقاً ، إذ أن تعدد موضوعات الاستفتاء يجعل إرادة الناخبين مقيدة بقبول الموضوعات المطروحة للاستفتاء كلها جملة واحدة أو رفضها كلها مجتمعة ، فلا يستطيع أن يوافق على مسألة دون الأخرى . . . ” ( د. محمد قدري حسن – المرجع السابق – ص 122) . 

ويعبر أحد أساتذة القانون الدستوري بشكل آخر عن هذا الرأي ويضيف عليه جزئية أخرى وذلك بقوله ” يجب أن يكون الاستفتاء على فكرة معينة أو مبدأ عام ، أي بمعنى آخر على المبادئ العامة التي سيتضمنها الدستور ، وليس على الصياغة الفنية حتى يتمكن الشعب من تفهم الموضوعات محل الاستفتاء ” (د. رمزي الشاعر – النظام الدستوري المصري – ص 277 – طبعة 2000) . ج- عدم ورود الاستفتاء على موضوع محرم بنص الدستور : ” فالاستفتاء يجب ألا يكون مخالفاً لنص في الدستور الذي أعطى جهة ما هذا الحق فلا يجوز أن تخرج هذه الجهة على القواعد التي أعطتها حق الاستفتاء ، وإلا جاز تعديل الدستور نفسه دون إتباع الإجراءات المنصوص عليها فيه تحت دعوى الاستفتاء الشعبي أو بمعنى آخر إرادة الشعب ” ( د. محمد قدري حسن – المرجع السابق – ص 124) . بل أن بعض الفقه يذهب إلى أن الاستفتاء السياسي ” يستخدم لاستفتاء الشعب في مسألة تتصل بوضع الدستور بصورة تجعل من المحتم على الشعب أن يقر ما يستفتى فيه ، حيث تكون السيادة الشعبية ذات دور سلبي فقط يتمثل في قبول الأوضاع الدستورية دون تقريرها ، إذ لا تستطيع في أغلب الأحيان أن تفعل غير ذلك . وبذلك يختلف هذا النوع من الاستفتاء عن الاستفتاء الدستوري الذي يتم بصورة تعطي الحرية الكاملة للشعب في إقرار الوثيقة الدستورية أو عدم إقرارها “(  د. رمزي الشاعر – النظرية العامة للقانون الدستوري – طبعة 1972 – ص : 136).

تلك كانت نظرة موجزة لموضوع الإستفتاء من حيث طبيعته القانونية والشروط التي تحكمه . وننتهى من الإستعراض الموجز لنصوص الميثاق وما أسلفناه من عرض نظري لموضوع الاستفتاء إلى تحديد طبيعة الاستفتاء الذي جرى يومي 14 و 15 فبراير 2001 على ميثاق العمل الوطني وبالتالي تحديد طبيعة هذه الوثيقة ونخلص إلى الآتي :

1- لابد من التأكيد ، أولاً ، على أن دستور 1973 لا ينص بأي شكل من الأشكال على الاستفتاء كوسيلة من وسائل الديموقراطية شبه المباشرة أو على إعتباره شكلاً من أشكال المشاركة الشعبية في الشئون العامة . وبالتالي فإن الاستفتاء الذي تم على الميثاق ، ومن المنظور الدستوري المحض ، هو إستفتاء يخرج عن نطاق أحكام دستور 1973 وليس له أي سند في تلك الأحكام . وتبعاً لذلك لا يمكن وصف الاستفتاء على ميثاق العمل الوطني بأنه إستفتاء تشريعي ، ذلك أن هذا النوع من الاستفتاءات تنظمه نصوص دستورية وتكون الغاية منه ، على نحو ما سلف ، إقرار الشعب لتعديل في الدستور أو أخذ رأيه فيه ، أو إقرار مشروع قانون .

2 – إن النص الأكثر إثارة للجدل ، وهو الفقرة الثانية من خاتمة الميثاق والمعنونة بإستشرافات المستقبل ، لا يمكن أن يفهم منه أن شعب البحرين عندما وافق على الميثاق أنه قد وافق بذلك على أن تكون للمجلس المعين سلطات تشريعية كالسلطات المقررة للمجلس المنتخب . وحتى إذا ما إفترضنا جدلاً ، وهو أمر لا نتفق معه ، أن تلك الفقرة من الميثاق قررت سلطات تشريعية للمجلس المعين ، فإنه ليس في تلك الفقرة أو في غيرها من الميثاق ما يدل صراحة أو ضمنا على أن للمجلس المعين سلطات تشريعية متساوية مع سلطات المجلس المنتخب . وينسحب هذا الأمر أيضاً على تشكيل المجلس المعين من حيث عدد أعضائه . وحتى إذا ما شئنا إختيار أسلوب المقاربة اللغوية لنص الفقرة الثانية من إستشرافات المستقبل ، فإن إيراد عبارة ” ويتولى المهام التشريعية ” بعد الإشارة إلى المجلس المنتخب ما هو إلا تأكيد على قصر تولي المهام التشريعية على المجلس المنتخب وذلك على الرغم من أن العبارة السابقة عليها وهي  “لتلائم التطورات الديمقراطية والدستورية في العالم” كافية بحد ذاتها لكي ترسم ملامح سلطة تشريعية مماثلة ومساوية لمثيلاتها في الأنظمة الديمقراطية الأخرى ، وبدليل أنه عندما إنتقل النص إلى الإشارة للمجلس المعين قضى بأن الغاية منه “الإستعانة بآرائهم” أي بآراء الأعضاء المعينين ، وفي اللغة فإن الاستعانة هي “طلـب المساعـدة” ( أنظر في ذلك : المعجم العربي الأساسي – إصدار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – طبعة 1989 – ص : 879 ) . وفيما تعارف عليه الناس فإن لجوئي إليك للاستعانة برأيك في أمر من أموري لا يعنى إلتزامي برأيك ، إذ أن لي الأخذ به أو عدم الأخذ به . وتأسيساً على هذا فإن الاستعانة بالرأي لا تحمل مطلقاً معنى الإلزام ويظاهر هذا النظر قول الحق سبحانه لرسوله الأكرم (ص): “وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله” وقد أجمع المفسرون على أن العزم هنا يعني عدم لزوم الأخذ بالمشورة رغم الحصول عليها من المستشار . 

ولا يغير من هذا النظر القول بأن الميثاق أورد المجلس المعين في باب  “السلطة التشريعية ” من إستشرافات المستقبل فهذا مردود عليه بالنص اللاحق على نص المجلس المعين وهو أنه ” تصدر القوانين على النحو الذي يفصله الدستور وفق النظم والأعراف الدستورية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة ” ، وهذا النص وإن قرر مبدأ مفاده صدور القوانين على النحو الذي يفصله الدستور إلا أنه مبدأ مقيد بالعبارة التي تليه والتي قررت صدور تلك القوانين ” وفق النظم والأعراف المعمول بها في الديمقراطيات العريقة ” وهي نظم وأعراف معلومة من الكافة وليس منها هذا الذي قرره الدستور الجديد . 

كما أن دليلنا على ما نقرره من أن مفهوم ” الشورى ” الوارد في الميثاق هو مفهوم لا يتجاوز نطاق إبداء الرأي والمشورة يستند أيضاً على ما قرره الحكم بشأن ذلك المفهوم في كل الوثائق والتشريعات الصادرة منه بدءً من عام 1992 . فالأمر الأميري رقم (9) لسنة 1992 بإنشاء مجلس الشورى يقرر في ديباجته أنه “إيماناً منا بأن شعبنا قادر بإذن الله بتراثه الحضاري على أن يتدبر الآراء ويوصي بأرجحها ويشير بأفضلها، وأن يعاون الحكومة بالرأي والمشورة ليكون خير معين على تحقيق آمالنا وبلوغ أهدافنا” . فالشورى ، طبقاً لهذا الأمر الأميري ، هي التوصية بأرجح الآراء والإشارة إلى أفضلها ومعاونة الحكومة بالرأي والمشورة ، وهذه مفاهيم لا صلة لها بسلطة التشريع وسن القوانين . ولذلك نرى أن المادة (2) من ذلك الأمر الأميري تنص على أنه “يختص المجلس بإبداء الرأي والمشورة في الأمور الآتية 000” . كما تنص المادة (3) منه على أنه “للمجلس – بناء على إقتراح عشرة من أعضائه على الأقل – أن يتقدم إلى مجلس الوزراء بإقتراح مشروعات قوانين أو رغبات تتعلق بما يدخل في إختصاصه” . وتنص أيضاً المادة (4) من ذلك الأمر على أنه “يصدر المجلس بعد مناقشة ما يعرض عليه توصيات يعبر فيها عن رأيه ويبلغها رئيس المجلس إلى مجلس الوزراء ليتخذ ما يراه بشأنها”. ثم صدر الأمر الأميري رقم (12) لسنة 1996 بشأن تعديل بعض أحكام الأمر الأميري رقم (9) سالف الذكر ، فأكد على ذات المفهوم لمصطلح ” الشورى ” ، وهو مفهوم ، على نحو ما أسلفنا ، لا يخرج عن نطاق إبداء الآراء والرغبات والتوصيات ، وهي ذات المفاهيم التي عبر عنها ميثاق العمل الوطني ودعي شعب البحرين إلى التصويت عليها في الإستفتاء . فجاء الدستور الجديد وألبسها، دون أي سند ، معاني تمثيل الشعب بأسره وممارسة سلطة التشريع نيابة عنه وذلك على خلاف ما قرره الميثاق . 

3- إنه بالنظر إلى الظروف السائدة لحظة صدور الأمر الأميري رقم (36) لسنة 2000 بتشكيل اللجنة الوطنية العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني ، والأمر الأميري رقم (8) لسنة 2001 بدعوة المواطنين للاستفتاء على مشروع ميثاق العمل الوطني والمتمثلة في حالة عدم الاستقرار السياسي التي إستمرت طيلة الفترة التي أعقبت حل المجلس الوطني وتعليق العمل بأحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور المتعلقة بالسلطة التشريعية ، وبالمراجعة المتأنية لنصوص وعبارات الميثاق ، يثبت قطعاً بأن ميثاق العمل الوطني هو وثيقة سياسية تضمنت مبادئ عامة وأفكاراً أساسية الغاية منها تحديد مسارات العمل الوطني في المستقبل بما في ذلك التوجهات التي تحكم نطاق وطبيعة التعديلات الدستورية التي أتى الميثاق على ذكرها . وعلى ذلك فإن الاستفتاء الذي تم على الميثاق هو من قبيل الاستفتاء السياسي الذي قصد به معرفة 

رأي الشعب في تلك الأفكار والمبادئ العامة ولم يتضمن أي حكم قانوني يتسم بالعمومية والتجريد . أما فيما يتعلق بالقوة الملزمة لميثاق العمل الوطني فإننا نؤجل مناقشة هذه المسألة إلى القسم الثالث من هذا الرأي والمتعلق بالدستور الجديد . 

*********************

القسم الثالث : الدستور الجـديـد ومذكرتـه التفسيرية

بتاريخ 14/فبراير/2002 أصدر الأمير وثيقة سميت ” الدستور المعدل ” ، حيث جاء في ديباجة الإصدار : ” نحن حمد بن عيسى آل خليفة ، أمير دولة البحرين . إستناداً إلى ما ورد في ميثاق العمل الوطني الذي أجمع عليه الشعب في الاستفتاء ، وبعد الاطلاع على الدستور ، وعلى الأمر الأميري رقم (17) لسنة 2001 بالتصديق على ميثاق العمل الوطني ، وبناء على عرض رئيس لجنة تعديل بعض أحكام الدستور المشكلة بالمرسوم رقم (5) لسنة 2001 ، وبعد إطلاع مجلس الوزراء ، صدقنا على هذا الدستور المعدل وأصدرناه ” . وأرفقت بهذه الوثيقة مذكرة تفسيرية قررت مقدمة  “الدستور المعدل” إعتبار ما ورد فيها مرجعاً لتفسير أحكامه. 

ولا تقتصر أهمية هذه المذكرة التفسيرية على كونها مجرد مرجع لتفسير أحكام تلك الوثيقة بل تتجاوز ذلك لأنها تضمنت باباً بعنوان “الكيفية التي تم بها تعديل الدستور” ، والمقصود به دستور 1973 ، الأمر الذي يكسب هذه المذكرة موضعاً مهماً في أي دراسة للمسألة الدستورية في البحرين .

لذلك فإننا سنبدأ ، في هذا المحور ، بدراسة ما ورد في الفرع الأول من المذكرة التفسيرية تحت عنوان “الكيفية التي تم بها تعديل الدستور” ، ثم نتناول بعد ذلك بالدراسة الأحكام التي وردت في تلك الوثيقة .

ولابد لنا من أن نشير في البداية إلى إننا سنستخدم مصطلح ” الدستور الجديد ” للإشارة إلى الوثيقة الصادرة في 14/فبراير/2002 تمييزاً لها عن دستور 1973 . وبصرف النظر عن المسميات فإن العبرة هي بما إذا كان النص الدستوري يكفل فعلاً الحقوق الدستورية التي استقر عليها الفكر السياسي والقانوني ، وهذا ما سنحاول التعرف عليه فيما سيأتي من هذا الرأي . 

أولاً: في الكيفية التي تم بها تعديل الدستور :

يتوجب ، في إعتقادنا ، قبل البدء في مناقشة ما قررته المذكرة التفسيرية في هذا الشأن ، أن نتناول ، بإيجاز ، المبادئ التي تحكم تعديل الدساتير وضوابط هذا التعديل طبقاً لما هو مستقر في فقه القانون الدستوري .

1- في تعديل القاعدة الدستورية : 

لقد إنتهينا ، فيما سبق ، ونحن بصدد الحديث عن دستور 1973 إلى أنه دستور جامد يستوجب تعديله إتباع إجراءات محددة تختلف عن تلك الإجراءات المقررة لتعديل القوانين العادية ، وقد نصت على هذه الإجراءات الفقرة (أ) من المادة (104) من ذلك الدستور بقولها ” يشترط لتعديل أي حكم من أحكام هذا الدستور أن تتم الموافقة على التعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ، وأن يصدق الأمير على التعديل وذلك إستثناء من حكم المادة (35) من هذا الدستور ” . 

ويجب الإقرار أولاً بأن الدساتير ، بإعتبارها نصوصاً قانونية ، ليست كتباً سماوية منزلة لا يجوز المساس بها إلغاءً أو تعديلاً ، فهي نتاج جهد بشري في مرحلة زمنية معينة وتملك الأمة التي وضعت هذه النصوص من خلال ممثليها أن تعدل فيها أو تضيف إليها . ولذلك تلجأ أمم متعددة إلى تعديل دساتيرها عندما تجد أن هذه الدساتير لم تعد تتلاءم مع ما أصاب الحياة من تطورات سياسية وإقتصادية وإجتماعية ، ولا نجد أي خلاف حول هذه المسألة . إلا أن هذه القاعدة أو هذا المبدأ تحكمه الطبيعة المتميزة التي تتسم بها النصوص الدستورية بإعتبارها المعبرة عن إرادة الأمة ، الأمر الذي يجعل من هذه النصوص القواعد الأعلى والأسمى في قمة هرم المنظومة التشريعية في أي بلد . 

وتتمثل إرادة الأمة لدى وضع الدستور في سلطة تسمى السلطة التأسيسية الأصلية ، وتأخذ هذه السلطة على عاتقها وضع النصوص الدستورية . وفي النموذج الدستوري البحريني تمثلت هذه السلطة في المجلس التأسيسي الذي كان بمثابة البوتقة التي إلتقت فيها إرادة الشعب ممثلاً في المنتخبين من أعضاء المجلس مع ممثلي الحاكم المعينين من قبله فنتج عنها دستور عقدي أرسى دعائم النظام السياسي وأضفى المشروعية على مؤسسات الحكم ورسم شكل هذه المؤسسات وإختصاصاتها ثم أضفى حمايته على مرتكزات هذا النظام من خلال وضع إجراءات وقيود محددة لكي يمنع عنها غائلة التعدي والتجاوز ، فوضع إجراءات معينة لابد من الإلتزام بها لدى إتجاه النية إلى تعديلها ، فأناط سلطة التعديل بطرفي التعاقد الأصلي وهما الشعب ممثلاً بنوابه والحاكم من خلال الآلية التي حددتها المادة (104) سالفة الذكر . ومن المسلمات في فقه القانون الدستوري أنه لا يمكن تعديل أي نص دستوري إلا بالكيفية التي يتضمنها الدستور ، وفي حدود النطاق الذي يجوز أن تمسه يد التعديل وبواسطة السلطة التي تحددها تلك النصوص الدستورية للقيام بمهمة التعديل . والإلتزام بالضوابط والقيود ، المنصوص عليها في صلب الدستور ، تفرضه شروط العقد الاجتماعي القائم بين أطراف السلطة التأسيسية الأصلية التي وضعت الدستور ، فيتوجب أن تأتي التعديلات وفق أحكام ذلك العقد لأنه شريعة المتعاقدين ، ولا يصح لأي من أطراف التعاقد الإنفراد دون الطرف الآخر بالتعديل وإلا عد ذلك إفتئات على نصوص العقد وحقوق المتعاقد الآخر . ( أنظر في هذا الرأي : د. محمد كامل ليله – القانون الدستوري – الطبعة الثانية 1962 – ص: 88 ، حيث يقول : ” بأن الحكمة من جمود الدستور هي العمل على صيانة أحكامه . وذلك بالتشدد في طريقة تعديلها حتى لا تكون موضعاً للعبث ، وحتى تكون لنصوص الدستور من القداسة ما ليس للقوانين العادية ، وبذلك يظهر سمو الدستور على بقية القوانين الأخرى ” ، وأنظر كذلك في ذات المعنى : د. ثروت بدوي – القانون الدستوري – ص: 104 – د. رمزي الشاعر – النظرية العامة للقانون الدستوري – طبعة 1972 – ص: 667 – د. فتحي فكرى – القانون الدستوري – الكتاب الأول – طبعة 2001 – ص: 322 وما بعدها ) . 

والواقع أن هذا الرأي يستند على قاعدة توازي أو تقابل الأشكال التي وضع أسسها جان جاك روسو ومفادها أن العمل القانوني لا يجوز تعديله أو إلغاؤه إلا بإتباع نفس الإجراءات وذات الأشكال المقررة لإصداره . وتطبيق هذه الفكرة في مجال القانون الدستوري يقودنا ، كما يقول د. ثروت بدوي إلى “وجوب جعل مهمة تعديل الدستور من إختصاص سلطة يتم تكوينها على غرار السلطة التأسيسية التي وضعت الدستور وبشرط إتباع نفس الإجراءات التي إتبعتها هذه السلطة الأخيرة” (د. ثروت بدوي – القانون الدستوري – ص : 104) . 

ولمزيد من الايضاح لهذا المبدأ ، فإننا نشير إلى نص المادة (174) من الدستور الكويتي الذي يجري على أنه ” للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق إقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه ، أو بإضافة أحكام جديدة إليه . فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه ، ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة ، وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ولا يكون التنقيح نافذاً بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره ، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و 66 من هذا الدستور ” . 

وتعليقاً على هذه المادة يقول د. ثروت بدوي بأنه ” ومن التطبيقات الحديثة لقاعدة توازي أو تقابل الأشكال ، ما قرره دستور دولة الكويت من عدم جواز إجراء أي تعديل في أحكام الدستور إلا بعد موافقة الأمير على مبدأ التعديل أولاً ، ثم على موضوعه . فقد اشترك الأمير في وضع الدستور مع ممثلي الأمة ، ونص الدستور في المادة (174) على ضرورة موافقته أيضاً على إقتراح تعديل الدستور إذا كان الإقتراح صادراً من مجلس الأمة . ثم اشترط موافقته أيضاً على ما يقرره هذا المجلس في موضوع التعديل . حقيقة أن الدستور المذكور لم يشترط لإجراء التعديل إنتخاب مجلس تأسيسي جديد على غرار المجلس التأسيسي الذي شارك في وضع الدستور ، ولكنه – على الأقل – اشترط موافقة الأمير على التعديل . ومن ثم يمكن القول إن تعديل دستور الكويت غير ممكن إلا بإتباع طريق العقد أو الاتفاق بين الأمير وممثلي الأمة . وهو نفس الأسلوب الذي وضع به ذلك الدستور ” . (المصدر السابق ص : 105 – 106 ) . ويتضح جلياً مدى التشابه الكبير في الحكم الذي تقرره المادة  (174) من الدستور الكويتي مع ما تقرره المادة (104) من دستور 1973 .

أما فيما يتعلق بنطاق التعديل فقد أشرنا فيما سبق إلى ما أجمع عليه فقهاء القانون الدستوري من أن هناك نوعين من القيود التي يلجأ إليها واضعو الدساتير الجامدة للحيلولة دون تعديلها . أحدهما يعرف “بالحظر الزمني” أي أن تتضمن الوثيقة الدستورية نصاً يمنع إجراء أي تعديل عليها خلال فترة معينة ، وكمثال على هذا الحظر الزمني نشير إلى ما نصت عليه الفقرة (و) من المادة (1) من دستور 1973 من أنه “لا يعدل هذا الدستور إلا جزئياً وبالطريقة المنصوص عليها فيه ، كما لا يجوز إقتراح تعديله قبل مضي خمس سنوات على العمل به” . ونرى بأن فترة الحظر الزمني طبقاً لهذا النص تبلغ خمس سنوات . كما تضمنت هذه الفقرة حظراً ذا طبيعة أخرى وهو النوع الثاني من أنواع الحظر وهو ما يعرف ” بالحظر الموضوعي ” الذي يتمثل في إحدى الصورتين التاليتين : الأولى : حظر تعديل بعض النصوص حظراً مطلقاً ومثال ذلك ما نصت عليه الفقرة (ج) من المادة (104) من دستور 1973 من أن ” مبدأ الحكم الوراثي في البحرين لا يجوز إقتراح تعديله بأي حال من الأحوال ، وكذلك مبادئ الحرية والمساواة المقررة في هذا الدستور ، كما لا يجوز إقتراح تعديل المادة الثانية منه ” ويتعلق حكم هذه المادة بتحديد دين الدولة وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع وأن لغتها الرسمية هي اللغة العربية . أما الصورة الثانية من صورتي الحظر الموضوعي فهي الحظر الموضوعي لفترة مؤقتة ، وكمثال عليها ما نصت عليه الفقرة (ب) من المادة (104) من دستور 1973 بقولها ” صلاحيات الأمير المبينة في هذا الدستور لا يجوز إقتراح تعديلها في فترة النيابة عنه ” .

أما الصورة الثالثة من صور الحظر الموضوعي ، فهي وإن لم يتضمنها أي نص من نصوص دستور 1973 ، إلا أنها مستفادة من مبادئ القانون الدستوري بل أنها من مسلماته . ذلك أن القانون الدستوري هو ” مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ، وتبين سلطاتها العامة ، وعلاقتها ببعضها وعلاقة الأفراد بها ، كما تقرر حقوق الفرد وحرياته المختلفة وضمانات هذه الحقوق وتلك الحريات ” ( د. محمد كامل ليله – المرجع السابق – ص: 18 ) . وتبعاً لذلك فإنه إذا ما تضمنت الوثيقة الدستورية نصوصاً محددة فيما يتعلق بحقوق أفراد الشعب تجاه السلطات العامة وبدور الإرادة الشعبية في بناء هذه السلطات فإنه لا يجوز المساس بتلك الحقوق ، وإذا ما إتجهت نية المشرع الدستوري إلى تعديل دستور قائم فإن التعديل يجب أن يكون متعلقاً بمنح المزيد من تلك الحقوق وضمانات ممارستها وليس بالانتقاص من هذه الحقوق أو المساس بتلك الضمانات . 

ومن صور هذا الحظر الموضوعي في دستور 1973 ما نصت عليه الفقرة (د) من المادة الأولى من أن ” نظام الحكم في البحرين ديمقراطي ، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور ” ، وكذلك ما نصت عليه الفقرة ( هـ ) من نفس المادة بقولها ” للمواطنين حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية ، بدءً بحق الانتخاب ، وذلك وفقاً لهذا الدستور وللشروط والأوضاع التي يبينها القانون ” . ويتضح من هذه النصوص أنها قررت أحكاماً عامة ، أو ما يعرف في الفقه بالنصوص الكلية أو الغائية التي تحدد المقاصد الكلية والنهائية للتنظيم الدستوري ، وتمثلت هذه الأحكام في أن الشعب هو مصدر السلطات جميعاً وأن ممارسة السيادة تكون وفقاً للأحكام التفصيلية التي قررها الدستور ، وأن للشعب حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية . ثم قررت باقي أحكام الدستور كيفية ممارسة الشعب لحقه في المشاركة في الشئون العامة وذلك طبقاً للنصوص التفصيلية التي وردت في الفصل الثاني من الباب الرابع من الدستور والمتعلق بالسلطة التشريعية . وكل هذه الأحكام قررت حقوقاً مشمولة بحظر موضوعي فلا يجوز أن تمتد إليها يد التعديل إلا بتقرير المزيد منها لا إنتقاصها ، وأي تعديل يؤدي إلى الانتقاص من هذه الحقوق هو تعديل باطل وبمثابة إهدار للدستور ذاته . 

وهذا الرأي الذي نقوله في هذه الصورة من صور الحظر الموضوعي يستند على الآتي : 

أ – إن فكرة الحقوق الدستورية تقوم أساساً على قواعد حقوق الإنسان والتي تنشأ له بحكم طبيعته الإنسانية ، وهي في رأي الفقه حقوق أساسية لا يمكن للفرد أن ينعم بحياته داخل المجتمع بدون احترامها . وهذه الحقوق وأن كانت في أصلها حقوقاً طبيعية يتبينها العقل فإنها قد أصبحت إضافة إلى ذلك أحكاماً تشريعية دولية متمثلة في المواثيق والعهود الدولية وأصبحت لذلك عنصراً من عناصر الدولة الشرعية والقانونية في هذا العصر . فلا يجوز ، تبعاً لذلك ، لأي نظام سياسي المساس بتلك الحقوق سواء بإهدارها أو بالانتقاص منها . لذلك أصبح تقرير تلك الحقوق والنص عليها في صلب الدساتير ركناً أساسياً من أركان النظام الدستوري لدولة القانون . فانتقلت فكرة حقوق الإنسان من نطاقها الاخلاقي أو الإنساني إلى نطاق النظام القانوني الذي يحكم النظام السياسي برمته وهو الدستور ( أنظر في هذا المعنى : د. أحمد فتحي سرور – الحماية الدستورية للحقوق والحريات – الطبعة الثانية سنة 2000 ) . وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا في مصر على هذا المبدأ بقولها ” إن مضمون القاعدة القانونية التي تسمو في الدولة القانونية عليها ، وتتقيد هي بها ، إنما يتحدد على ضوء مستوياتها التي إلتزمتها الدول الديمقراطية بإطراد في مجتمعاتها ، وإستقر العمل بالتالي على إنتهاجها في مظاهر سلوكها المختلفة ، وفي هذا الإطار ، وإلتزاماً بأبعاده ، لا يجوز للدولة القانونية في تنظيماتها المختلفة أن تنزل بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديمقراطية ، ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيوداً تكون في جوهرها أو مداها مجافية لتلك التي درج العمل في النظم الديمقراطية على تطبيقها” ( حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر بتاريخ 4/يناير/1992 – في القضية رقم 22 لسنة 8 قضائية  “دستورية ” – المصدر : الموسوعة الدستورية الشاملة لجميع أحكام المحكمة الدستورية العليا – حسام محفوظ – ص : 383 ) .ومفاد هذا المبدأ هو إضفاء حماية مطلقة على الحقوق الدستورية وبطلان أي إعتداء عليها) . 

ب – من المسلم به في الفقه بان النصوص الدستورية إنما هي نصوص متكاملة يتقيد فيها النص التفصيلي بالنص الأساسي العام ، فإذا ما تعارض تفصيل لممارسة السيادة الشعبية مع أساس حق الممارسة بطل النص التفصيلي . وإذا ما تعارض نص في تفصيل مبدأ فصل السلطات مع مبدأ فصل السلطات ذاته بطل ذلك التفصيل . فتكامل النصوص الدستورية وعدم تعارضها وتنافرها هو من أساسيات النظام الدستوري ووثائقه الدستورية . وفي ذلك تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية ” النصوص الدستورية لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة ، ويتعين دوماً أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل ، بل تتجانس معانيها وتتضافر توجهاتها ، ولا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها ، ذلك إن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها يفترض العمل بها في مجموعها وشرط ذلك اتساقها وترابطها والنظر إليها بإعتبار أن لكل نص منها مضموناً ذاتياً لا ينعزل به عن غيره من النصوص و ينافيها أو يسقطها بل يقوم إلى جوارها متسانداً معها مقيداً بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التي تجمعها ” ( حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر بتاريخ 5/2/1994 – في الطعن رقم 23 لسنة 15 قضائية ” دستورية ” – المصدر: الموسوعة الدستورية – المستشار حسن الفكهاني – الجزء الثالث – ص : 1223 ) . ولا شك في أنه يترتب على هذا المبدأ أن ممارسة الشعب لسلطته الفعلية في التشريع هي أدنى متطلبات ممارسة السيادة الفعلية وان ممارسة هذه السيادة هي غرض نهائي ومقصد كلي يبطل كل حكم تفصيلي يخالف هذا الغرض أو هذا المقصد أو يقيده . 

ج – إن الحقوق الدستورية المقررة بموجب دستور 1973 لشعب البحرين ، والتي تتمثل إحدى صورها في ممارسته ، ممارسة أصيلة لسلطة التشريع من خلال نوابه المنتخبين إنتخاباً عاماً سرياً مباشراً ، والذين يمثلون أغلبية تصل إلى ما تقرب من 75 % من الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس الوطني ، هي حقوق مكتسبة لا يجوز الرجوع عنها ولا الانتقاص منها . 

ولعله من نوافل القول أن نؤكد على أن الحقوق المكتسبة هي مما لا يجوز المساس به ، فإذا ما إكتسب شخص حقاً بأي وسيلة من وسائل إكتساب الحقوق المقررة قانوناً ، كالعقد أو القانون ، فإنه لا يمكن سلبه ذلك الحق أو إسترداده منه . ونجد تطبيقات كثيرة لفكرة الحق المكتسب في مختلف الموضوعات ، ومنها على سبيل المثال المزايا النقدية أو العينية التي يعتاد رب العمل على منحها لعماله ، إذ لا يجوز له الرجوع عنها ، إذا ما توافرت شروط منحها ، وذلك على الرغم من عدم النص عليها أصلاً في عقد العمل المنظم للعلاقة بين الطرفين . ومن ذلك أيضاً الحماية القانونية التي تضفيها مختلف التشريعات على الحقوق المكتسبة في ظل تنظيم قانوني تقرر إلغاؤه وذلك من خلال مبدأ الأثر الفوري للقوانين وعدم رجعيتها ، فلا يجوز سلب الحقوق التي تقررت لأحد الأشخاص في ظل التنظيم القانوني السابق بحجة أن التشريع الجديد لا يجيز إكتساب تلك الحقوق . 

وتطبيق هذه القاعدة على موضوعات القانون الدستوري يؤدي حتماً إلى أن الحقوق الدستورية التي تقررت بموجب وثيقة دستورية ، هي حقوق لا يجوز سلبها أو التعرض لها في أي تعديل دستوري يتناول النصوص المقررة لتلك الحقوق . 

وقد إستقر فقه القانون الدستوري على هذا المبدأ عندما تعرض لمسألة أثر المنحة على الوثيقة الدستورية ، فمن المعروف أن هناك أشكالاً متعددة لإصدار الوثيقة الدستورية ، ومنها أن يصدر الدستور في شكل منحة من الحاكم لشعبه . فهل يجوز للحاكم أن يسحب الدستور بعد منحه ؟ وقد أجاب الفقه ، بما يشبه الإجماع ،على هذا السؤال بالنفي ، فلا يجوز للحاكم سحب الوثيقة بعد منحها ، ذلك أنه ” لا يعني صدور الوثيقة الدستورية في شكل منحة أنه يجوز للحاكم أن يسحبها بعد منحها . ويعلل الفقهاء ذلك بأن حق الشعب يتعلق بالدستور الممنوح بمجرد صدوره ، فلا يجوز المساس به من جانب الحاكم ، لأن الحكام كانوا قد إغتصبوا السلطة في البداية فإذا ما ردوا للشعب حقوقه عن طريق منحه الدستور ، فلا يجوز بعد ذلك الرجوع فيها ، وإلا كان هذا تجديداً لذلك الغصب غير المشروع للسلطة . وفضلاً عن ذلك فإن المنحة تعد إلتزاماً بإرادة منفردة ، والقاعدة المقررة في هذا الصدد أن الإلتزام بالإرادة المنفردة يقيد شخص الملتزم وبالتالي لا يجوز له الرجوع فيه ” ( د. رمزي الشاعر – النظرية العامة للقانون الدستوري – طبعة : 1972 – ص: 119 . ويشير د. رمزي الشاعر إلى أن هذا الاتجاه متمثل في رأي الغالبية من فقهاء القانون الدستوري في مصر وفرنسا . ومن مصر يشير إلى كل من د. عثمان خليل – المبادئ الدستورية العامة – ص: 18 – د. فؤاد العطار – النظم السياسية والقانون الدستوري – ص: 207 . الدكتورين عثمان خليل وسليمان الطماوي – القانون الدستـوري – طبعة 1951 – ص (90) . ويؤكد على هذا الرأي أيضاً الدكتور محمد كامل ليله بقوله : ” إن الفرض في حالة صدور الدستور بطريق المنحة أن تكون السلطة مركزة في يد الحاكم ( قد يكون الحاكم ملكاً أو أميراً أو إمبراطوراً أو قيصراً ) ، وأن الحاكم يريد التنازل عن بعض حقوقه ، ويرغب في إشراك الشعب معه في الحكم ، ولتحقيق هذا الغرض يمنح الحاكم شعبه دستوراً ، فالدستور في هذه الحالة يصدر بناء على إرادة الحاكم المنفردة ويعتبر هبة منه لشعبه . وبرغم اعتبار الدستور منحة فليس من حق الحاكم أن يسحبه بعد صدوره ، ولا يستطيع التعديل فيه من جانب واحد وذلك لأنه بمجرد صدور الدستور تتعلق به حقوق الشعب ولا يصح المساس به إلا بإتباع طرق معينة يبينها الدستور ” ( د. محمد كامل ليله – القانون الدستوري – الطبعة الثانية – 1962 – ص: 63 و 64 ) . ولما كان هذا هو الحكم بشأن دستور المنحة فإن الإلتزام به في الدستور العقدى هو أولى وأجدر . 

والخلاصة التي ننتهي إليها مما سلف هي أن نطاق التعديل في النصوص الدستورية محكوم بقاعدة الحقوق الدستورية المكتسبة التي لا يجوز المساس بها إلا بما يقرر مزيداً من تلك الحقوق ، وإذا ما خالف التعديل هذه القاعدة فإنه يكون محتم البطلان . 

وننتقل بعد هذا العرض لإجراءات ونطاق التعديل الدستوري إلى مناقشة موجزة لمسألة أثارت إهتمام الفقه الدستوري وهي القيمة القانونية للنصوص التي تحظر تعديل الدستور ، سواء كان ذلك الحظر زمنياً أو موضوعياً . وبدون الخوض في تفاصيل الاتجاهات الفقهية المختلفة حول هذه المسألة ، فإننا مطمئنون أشد الاطمئنان إلى القول بأن الإتجاه الغالب لدى أساتذة القانون الدستوري يقرر بأن ” الرأي الذي يعترف لهذه النصوص بالقيمة القانونية هو الذي يتفق مع المنطق السائد لدى غالبية الفقهاء ، والذي يقرر أن تعديل الدستور يكون وفقاً للإجراءات التي نص عليها . . . لأن سلطات الدولة لا يمكن أن تمارس حقها إلا وفق الأحكام التي قيدتها بها السلطة التأسيسية الأصلية في الوثيقة الدستورية . وبالتالي فإن النصوص التي تبين كيفية تعديل الدستور وتحدد الإجراءات اللازمة لذلك وتضع القيود على ممارسة التعديل ، تعد نصوصاً سليمة ومشروعة وقانونية ، تلتزم بها السلطة التأسيسية المنشأة عند القيام بتعديل الدستور ، أما الرأي القائل بعدم مشروعية النصوص التي تحظر التعديل . . . والقول بأن مبدأ سيادة الأمة يتنافى مع شرعية هذه النصوص ، مردود عليه بأن محاولة تعديل الدستور في الحالات التي يحظر فيها ذلك يؤدي إلى إهدار الدستور ذاته ” ( د. رمزي الشاعر – النظرية العامة للقانون الدستوري – طبعة 1972 ص : 667 – 668) .

إذن نجد من كل ما سبق أن فقه القانون الدستوري متفق على عدم قانونية تجاوز نصوص الحظر سواء كانت زمنية أو موضوعية أو إجرائية وإذا ما تم ذلك التجاوز فإنه لا محالة يؤدي إلى إهدار الدستور الذي هو سند الشرعية لأي نظام حكم .

تأكيداً على ذلك فإننا نشير ، مرة أخرى ، إلى ما إستقر عليه أساتذة القانون الدستوري من أن النصوص الدستورية التي تحدد نطاق التعديل والجهة المختصة به هي نصوص ملزمة تتقيد بها كافة السلطات العامة في الدولة ، وإذا لجأت أي من هذه السلطات إلى تجاوز تلك النصوص وبما يخالف ما قررته السلطة التأسيسية الأصلية فإن ذلك يعد إعتداءً على الدستور لا نصيب له في ميزان المشروعية سوى البطلان ، “ولا يحتج على ذلك بأن الأمة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في التعديل ، وبالتالي فإنها حرة في أن تحدث في التنظيم الدستوري القائم ما شاءت من التعديلات الجوهرية . فإذا كانت الأمة هي صاحبة الاختصاص الأصيل في تعديل الدستور فإنها تمارس هذا الاختصاص بواسطة جهات معينة أنشأتها بنصوص الدستور القائم لتمارسه بإسمها ونيابة عنها ، وإذا إمتنع على هذه الجهات القيام بهذا الاختصاص نتيجة لنص الدستور على ضرورة أن يقسموا يميناً بعدم القيام به ، فمن الذي سيعبر عن إرادة هذه الأمة تعبيراً مغايراً لما فرضته على ممثليها في الدستور . وإذا أرادت الأمة أن تغير من نظرتها وتسمح بهذا التعديل فليس أمامها إلا إستخدام سلطتها الأصلية ، بإعتبارها سلطة تأسيسية أصلية وتأتي بدستور جديد لا يتضمن قيود التعديل على الجهات التي تمثلها والتي تسمى بالسلطة التأسيسية المنشأة والتي يجب عليها أن تلتزم بما قررته السلطة التأسيسية الأصلية من أحكام ” . ( د. رمزي الشاعر – النظام الدستوري المصري – طبعة 2000 – ص : 280) . 

تلك هي الضوابط التي إستقر عليها الفقه الدستوري فيما يتعلق بتعديل الدساتير ، وعلى ضوء هذه الضوابط ننتقل الآن إلى مناقشة ما قررته المذكرة التفسيرية بشأن الكيفية التي تم بها تعديل الدستور .

2- في مناقشة ما تقرره المذكرة التفسيرية بشأن الكيفية التي تم بها تعديل الدستور: 

نستهل هذه المناقشة بالإشارة إلى ما ورد بمقدمة المذكرة التفسيرية من أن ميثاق العمل الوطني أورد ” مضمون التعديلات التي يجب إدخالها على الدستور القائم لإمكان تفعيل الأفكار الأساسية الواردة فيه ” ، وتنتقل هذه المقدمة بعد ذلك لتشير إلى أنه ” لما كان تفعيل المبادئ التي ورد ذكرها في هذا الميثاق يتطلب إجراء تعديلات على الدستور القائم 000 فقد عهد صاحب السمو أمير البلاد المفدى ، بالمرسوم رقم (5) لسنة 2001 إلى لجنة فنية إستشارية بوضع مشروع التعديلات الدستورية التي نص ميثاق العمل الوطني على ضرورة إجرائها . . . الخ” . وعليه فإننا نرى أن نبدأ بمناقشة هذا المرسوم وما تضمنه من أحكام سواء من الناحية الشكلية أو الموضوعية .

صدر المرسوم رقم (5) لسنة 2001 بتشكيل لجنة تعديل بعض أحكام الدستور بتاريخ 28/فبراير/2001 ، أي بعد أقل من أسبوعين من إعلان نتيجة الاستفتاء الشعبي على الميثاق . وجاء نصه على النحو الآتي :

“نحن حمد بن عيسى آل خليفة أمير دولة البحرين بعد الإطلاع على الدستور ،وعلى ميثاق العمل الوطني ،وعلى الأمر الأميري رقم (17) لسنة 2001 بالتصديق على ميثاق العمل الوطني، وبما أننا منذ تبوأنا مهام الحكم ، أخذنا على أنفسنا أن نحفظ الأمانة التي عهد الله تعالى بها إلينا ، ونتطلب بها الخير لأمتنا ونتوخى أن نسلك بها السبل التي تفضي إلى علو شأنها وإرتقائها بين الأمم المتمدينة ، وبما أن الشعب أجمع على التوجهات الدستورية التي تضمنها ميثاق العمل الوطني ، وأجاز لنا بإرادة شعبية إجراء بعض التعديلات على دستور البلاد ، وبما أنه من أعز أمانينا أن تحيا البلاد حياة دستورية ترضاها ، رسمنا بالآتي :

المادة الأولى : تشكل لجنة لإعداد مشروع تعديل بعض أحكام الدستور بما يتفق مع التوجهات الدستورية التي تضمنها ميثاق العمل الوطني ” .

المادة الثانية : يكون تشكيل اللجنة على النحو التالي : 

وللجنة أن تستعين في مجال عملها بمن تراه من ذوي الخبرة والإختصاص وتدعوه لحضور إجتماعاتها والمشاركة في أعمالها . 

المادة الثالثة : للجنة أن تؤلف من بين أعضائها ، أو منهم مع غيرهم من ذوي الخبرة والإختصاص لجنة فرعية أو أكثر لبحث موضوعات محددة أو إجراء دراسات معينة وترفع هذه اللجان تقاريرها وتوصياتها إلى اللجنة الرئيسية . 

المادة الرابعة : يرفع رئيس اللجنة مشروع تعديل بعض أحكام الدستور المقترح الينا مشفوعاً بمذكرة تفسيرية للمشروع مرفقاً معها كافة الدراسات والآراء القانونية المختلفة التي أبديت بشأن صياغة المشروع ” . 

ونلاحظ على هذا المرسوم أنه إستند في إصداره على كل من الدستور ، والمقصود به بالطبع دستور 1973 ، وميثاق العمل الوطني . وعلى الرغم من أن الدستور حدد الكيفية التي يتم بها تعديله وذلك وفقاً لما ورد في الفقرة (أ) من المادة (104) منه ، وليس في أحكام هذه الفقرة ما ينص على تشكيل لجنة كاللجنة التي نص عليها هذا المرسوم ، إلا إننا نرى أنه بإمكان الأمير أن يشكل ، حسبما يرتأي ، لجنة تعينه على صياغة مشروع لتعديل الدستور ، ولكن ما تضعه هذه اللجنة لا يعدو كونه مجرد إقتراح لابد من عرضه على المجلس الوطني ليقول رأيه فيه بالإيجاب أو بالرفض ، فالكلمة الأخيرة في أي تعديل دستوري هي لنواب الشعب – أعضاء المجلس الوطني – وللأمير . إلا أن هذا المرسوم ، في واقع الأمر ، مخالف مخالفة صريحة لميثاق العمل الوطني وذلك لسببين : الأول منهما أنه ليس في نصوص الميثاق ما يقضي ، صراحة أو ضمناً ، بإجازة الأمير بإجراء تعديلات على الدستور على نحو ما قرره ذلك المرسوم . أما السبب الثاني فهو أن شعب البحرين عندما وافق على ميثاق العمل الوطني فإنما هو قد وافق ، في إستفتاء سياسي ، على وثيقة تضمنت توجهات ومباديء ترسم ملامح التعديل الدستورى ، ولم يوافق على وثيقة الغاية منها تعديل الدستور دون الإلتزام بالإجراءات المنصوص عليها فيه لإجراء التعديل . 

ونعود الآن إلى مناقشة ما قررته المذكرة التفسيرية بشأن الكيفية التي تم بها تعديل الدستور . وترتكز المذكرة التفسيرية في هذا الصدد على المرتكزات التالية :

1- إن لميثاق العمل الوطني قوة ملزمة سواء كان في مرتبة أعلى من الدستور أو كان في ذات مرتبته من حيث قوة الإلزام .

2 – إن الشعب قد عهد إلى الأمير بإتخاذ ما يراه مناسباً لتعديل الدستور . 

3 – إن آلية تعديل الدستور المحددة بموجب المادة (104) لم تعد صالحة ليعدل الدستور بمقتضاها . 

ونناقش هذه المرتكزات الثلاثة على النحو التالي : 

أ– في القوة الملزمة لميثاق العمل الوطني : 

يتلخص منطق المذكرة التفسيرية فيما يتعلق بهذا المرتكز في أن للميثاق صفة الإلزام إستناداً إلى أنه صدر نتيجة لإستفتاء الشعب صاحب السيادة في الدولة وأن الصيغة التي وردت بها المبادئ التي تضمنها تحمل في طياتها معنى الإلزام مما يجعل الميثاق أساساً لتعديل الدستور . 

ولا شك عندنا في صحة ما تقرره المذكرة التفسيرية من أن للميثاق قوة ملزمة بما ورد به من مبادئ وأسس ، وقوة الإلزام هذه تستند على موافقة الشعب على تلك الوثيقة . إلا أن المذكرة التفسيرية ، وهي بصدد تأكيد هذه القاعدة ، أغفلت أمراً أساسياً هو أن صفة الإلزام المقررة للميثاق هي صفة تلحق بكافة نصوص الميثاق ولا تقتصر على أجزاء محددة منه على نحو ما قررته المذكرة التفسيرية عندما إقتصرت في هذا الشأن على إيراد بعض العبارات التي وردت في الفصل الخاص بإستشرافات المستقبل بشكل انتقائي ، وتجاهلت كل النصوص الأخرى من الميثاق التي وردت على سبيل المثال في المقدمة والفصل الثاني الخاص بنظام الحكم وغيرها من النصوص التي سنأتي على ذكرها لاحقاً عند الحديث عن الدستور الجديد ، وهي نصوص تؤدي إلى خلاف ما قرره الدستور الجديد من أحكام عديدة أهمها تلك الأحكام المتعلقة بالسلطة التشريعية . 

ب– في أن الشعب قد عهد للأمير بإجراء التعديلات : 

تذهب المذكرة التفسيرية إلى القول بأن الشعب قد عهد للأمير بإجراء التعديلات الدستورية ، وتستند في ذلك على المبررات التالية : 

  • أن العبارات التي وردت في الميثاق تحمل في طياتها ما يدل على أن الشعب قد عهد بوضع التعديلات الدستورية إلى الأمير . 
  • إن الرسالة المرفوعة من رئيس اللجنة العليا لإعداد الميثاق إلى الأمير قد ورد بها ” قررت اللجنة في ختام إجتماعاتها رفع مشروع هذا الميثاق الوطني 00 إلى مقام حضرة صاحب السمو الأمير 000 أمانة بين يدي سموه ، ليعمل سموه بما يراه 000 مناسباً وملائماً لمصلحة البلاد ” ، وإن في هذا القول ” ما يؤكد أن لجنة وضع مشروع الميثاق والشعب الذي وافق على ما جاء في بيانها قد عهدا إلى الأمير بإتخاذ ما يراه مناسباً من إجراءات لتفعيل ما ورد في الميثاق ومن بين هذه الإجراءات كيفية إجراء التعديلات الدستورية ” . 
  • إن إرادة الشعب التي ظهرت في الاستفتاء وقيام الأمير بالتصديق على الميثاق يوضح أن الشعب قد عهد إلى سموه بإتخاذ ما يراه مناسباً لتعديل الدستور في إطار ما ورد بالميثاق من مباديء وأحكام . 

إن كل هذا الذي تقرره المذكرة التفسيرية مردود عليه بعبارة واحدة هي أن كافة نصوص الميثاق تخلو تماماً مما يفيد معنى أن الشعب قد عهد أو فوض الأمير بإجراء التعديلات الدستورية ، وما تقوله المذكرة التفسيرية في هذا الصدد هو مجرد إضافات لم ترد في الميثاق ولا تسعفه عبارات الميثاق ونصوصه . كما يجد قولنا هذا سنده الذي لا جدال فيه في مراجعة نص المسودة الأولى من الميثاق والتي قوبلت بإعتراضات عديدة حيث اشتملت تلك المسودة التي عدل عنها لاحقاً على نص يقضي بتفويض الأمير “بتنفيذ ما يراه ملائماً منه في كل مرحلة من مراحل المسيرة الوطنية وفي الوقت الذي يرتئيه مناسباً لمصلحة البلاد” . ويشكل إلغاء هذا النص دليلاً قاطعاً على نفى التفويض الذي تزعمه المذكرة التفسيرية . ولا يغير من هذا الرأي إستناد المذكرة التفسيرية على ما ورد في الرسالة التي رفعها رئيس اللجنة العليا لإعداد الميثاق للأمير وقولها أن هذه الرسالة كانت تحت بصر جماهير الشعب عند الاستفتاء ، ذلك أن هذه الرسالة ليست جزءاً من نصوص الميثاق الذي صوت عليه الشعب في الاستفتاء ، بدليل أن نص الميثـاق الذي صدق عليه الأمير وتم نشره في عدد الجريدة الرسمية رقم 2465 الصادر بتاريخ 21/فبراير/2001 يخلو من تلك الرسالة التي تشير إليها المذكرة التفسيرية ، فضلاً عن أنه لا رئيس اللجنة العليا لإعداد مشروع ميثاق العمل الوطني ولا أعضاء هذه اللجنة يملكون أي صفة نيابية عن أفراد الشعب لكي يكون ما يصدر منهم من أقوال أو أفعال معبراً عن إرادة أفراد الشعب أو ملزماً لهذه الإرادة .

والصحيح قانوناً أن وزير العدل رئيس اللجنة العليا لإعداد مشروع الميثاق هو ممثل للسلطة التنفيذية ويكون ما يصدر منه ، بناءً على ذلك ، ملزماً لتلك السلطة دون سواها . وهو بصفته تلك قد أكد على أن “المجلس النيابي المنتخب إنتخاباً حراً مباشراً والذي جاء في مشروع الميثاق هو المجلس المناط به المهام التشريعية في الدولة، وأن المجلس المعين سيكون للمشورة والرأي  وأن ميثاق العمل الوطني لا يلغى الدستور وإنما يفعله  وإن الميثاق لا يتضمن أي عبارة أو بند يناقض الدستور ” (تصريح رئيس اللجنة العليـا لإعـداد مشــروع الميثــاق المنشـور في الصحافـة المحليـة بتاريـخ 9/فبراير/2001) . 

  • في أنه لا يمكن تعديل الدستور إستناداً لأحكام المادة ( 104) : تنطلق المذكرة التفسيرية ، في تبرير حكمها بأن المادة (104) لم تعد صالحة لتعديل الدستور بمقتضاها ، من أمرين هما : 
  • أنه قد تم حل المجلس الوطني وأن الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 قد نص على وقف العمل بالنصوص المتعلقة بالمجلس الوطني وبناء على ذلك أصبح هذا المجلس غير موجود من الناحية الدستورية ، وأن اللجوء لهذا المجلس لتعديل الدستور يعد مخالفة لإرادة الشعب التي عبر عنها عند موافقته على الميثاق . 
  • أن المجلس الوطني غير موجود أيضاً من الناحية الفعلية والواقعية حيث أن مدته ، حتى لو تم إلغاء الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 ، قد إنتهت وأصبحت عودة المجلس بتشكيله القديم أمراً غير ممكن قانوناً . كما أنه لا يمكن إجراء إنتخابات جديدة لمجلس جديد يتولى تعديل الدستور بإتباع الإجراءات التي نصت عليها المادة (104) لمخالفة ذلك للمبادئ التي وردت في الميثاق . 

وهذه التبريرات التي تسوقها المذكرة التفسيرية مردود عليها بالآتي : 

أ – يرتكز موقف المذكرة التفسيرية على تقرير مسألة ليست محل خلاف وهي أن المجلس الوطني ، المنوط به إجراء التعديل الدستوري ، غير موجود من الناحية الواقعية . وانعدام الوجود هذا ، في نظر المذكرة التفسيرية ، هو “إنعدام دستوري” “وانعدام واقعي” . 

وفيما يتعلق بالزعم بالإنعدام الدستوري أو القانوني للمجلس الوطني فهذا تقرير خطير يكشف عن أن المذكرة التفسيرية تنطلق من فرضية خاطئة تماماً هي نفى وجود النص الدستوري أصلاً ، ذلك أن عدم وجود المجلس الوطني من الناحية الواقعية لا ينفى وجوده من الناحية الدستورية ، والقول بأن ذلك المجلس غير موجود من الناحية الدستورية هو إلغاء لكافة الأحكام المتعلقة بمجلس السلطة التشريعية التي نص عليها الدستور وبالتالي إلغاء لنصوص دستورية قائمة جاءت أحكام الدستور الجديد بزعم تعديلها . 

ومن المستقر في فقه القانون الدستوري أن حق حل البرلمان هو أقوى وسيلة بيد السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية في مقابل الحق المقرر ، في الأنظمة البرلمانية التقليدية ، للسلطة التشريعية في سحب الثقة من الحكومة . وقد أقر مشرعنا الدستوري هذا الحق في المادة (65) من دستور 1973 فجعله بيد الأمير وقيد إستخدام هذا الحق بثلاثة قيود هي : 

  • إن الحل يجب أن يكون بمرسوم مسبب لكي يطلع أفراد الشعب على أسباب الحل. 
  • إنه لا يجوز حل المجلس لذات السبب مرتين. 
  • إنه إذا تم حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين وذلك لكي لا يتم تعطيل إجراء إنتخابات المجلس الجديد إلى أجل غير مسمى . 

وإذا عدنا للحالة التي نحن بصددها وهي أن المجلس الوطني ، وهو الجهة المنوط بها تعديل الدستور بالاشتراك مع الأمير ، قد تم حله منذ ما يقرب من 27 عاماً ، فإن عودة ذلك المجلس تستوجب الإلتزام بأحكام الدستور فيما يتعلق بتشكيل مجلس السلطة التشريعية إذ يتوجب دعوة أفراد الشعب إلى إنتخاب ممثليهم فيه ومن ثم يعرض على هذا المجلس مشروع التعديل الدستوري وحينها يجب أن يلتزم نواب الشعب بالمبادىء والأسس التي وافقت عليها الإرادة الشعبية المتمثلة في ميثاق العمل الوطني ، ويتم تعديل الدستور وفقاً لهذه المبادىء والأسس وطبقاً للإجراءات المحددة في المادة (104) من الدستور . 

أما الذي تقرره المذكرة التفسيرية من أنه قد ترتب على الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 أن أصبح المجلس غير موجود من الناحية الدستورية ، فهذا قول يجعل من الأمر الأميري المذكور وكأنه في مرتبة أعلى وأسمى من الدستور ومن ميثاق العمل الوطني وهو ما يخالف أبسط المبادئ الدستورية التي كان يتوجب على واضعي المذكرة التفسيرية العودة إليها والإلتزام بها . ذلك أن حل المجلس الوطني في 26 /أغسطس/1975 تم بناء على المرسوم الأميري رقم (14) لسنة 1975 وليس بموجب الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 . ومرسوم الحل إستند على الدستور وبالتحديد المادة (65) منه ، أما الأمر الأميري فلم يكن سنده الدستور لا في لحظة إصداره ولا في إستمراره فاعلاً فعله طوال ما يزيد على ربع قرن من الزمان ، والسند الوحيد الذي إستند إليه لم يكن سوى منطق القوة لا منطق القانون.

ومع ذلك فإن الأمر الأميري ، الذي إستند على منطق القوة هذا ، قضى في مادته الأولى بأنه ” يؤجل إنتخاب أعضاء المجلس الوطني إلى أن يصدر قانون إنتخاب جديد ” ، أي أن الأمر لم يلغ الوجود الدستوري للمجلس الوطني على نحو ما تزعم به المذكرة التفسيرية ولا يمكن لهذا الأمر ، أصلاً ، أن يلغى الوجود الدستوري لمجلس السلطة التشريعية ، وكل ما قرره ذلك الأمر في مادته الأولى هو تأجيل إنتخابات المجلس الوطني الجديد بعد حل المجلس السابق . وغني عن البيان أن التأجيل مقصود به فترة زمنية ، قد تطول وقد تقصر ، ولكن المآل النهائي هو إجراء إنتخابات لأعضاء جدد بالمجلس الوطني طبقاً لأحكام الدستور . 

أما بشأن ما قضى به ذلك الأمر في مادته الثانية من أنه ” يوقف العمل بنص المادة  (65) من الدستور وغيرها من المواد التي تتعارض مع الحكم الوارد في المادة السابقة ” ، فإنه لا يسعنا إلا أن نكرر مرة أخرى بأن الأمر الأميري رقم ( 4 ) لسنة 1975 هو أمر غير دستوري برمته سواء في مادته الأولى أو الثانية . فتأجيل إنتخابات المجلس الوطني وتعطيل العمل ببعض مواد الدستور هو مخالفة صريحة لأحكام المادة  (108) من الدستور والتي تنص على أنه ” لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية وذلك في الحدود التي يبينها القانون . ولا يجوز بأي حال تعطيل إنعقاد المجلس الوطني في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه ” . 

إن النتيجة النهائية التي يقودنا إليها منطق المذكرة التفسيرية من أنه ترتب على الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 أن أصبح المجلس الوطني غير موجود من الناحية الدستورية ، هي نتيجة باطلة تتلخص في أن قيام أي حاكم بتعطيل الدستور ومصادرة الحقوق الدستورية لأفراد الشعب وممارسته للسيادة إستناداً على قانون القوة وليس على قوة القانون ، هي خطوة دستورية تترتب عليها نتائج صحيحة من الناحية الدستورية . ولا نعلم أي مبادئ دستورية تلك التي إستند عليها واضعو المذكرة التفسيرية للقول بذلك ؟ 

أما بشأن ما تقرره المذكرة التفسيرية من أن موافقة الشعب على الميثاق في ظل عدم وجود المجلس الوطني تدل على إنتفاء دور ذلك المجلس في الحياة الدستورية وأن اللجوء إليه يعد مخالفة لإرادة الشعب وعدم إلتزام من الأمير بتنفيذ ما قررته تلك الإرادة، فإن ردنا على ذلك يتمثل في أن موافقة الشعب على الميثاق ، وكما أسلفنا ، هي موافقة تمت في إستفتاء سياسي على وثيقة سياسية ، لم تتضمن إلغاءً لأي نص دستوري أو مؤسسة دستورية كالمجلس الوطني . ولا يغير من ذلك أن الاستفتاء على الميثاق تم في ظل عدم وجود المجلس الوطني ، فالاستفتاء تم في ظل أحكام الدستور القائم لحظة موافقة الشعب على تلك الوثيقة . وعلى ذلك فإن زعم المذكرة التفسيرية بأن لجوء الأمير إلى المجلس الوطني لإجراء التعديلات الدستورية المقترحة سيكون بمثابة عدم إلتزام من الأمير بتنفيذ الإرادة الشعبية التي تمثلت في الموافقة على الميثاق ، هذا الزعم ما هو إلا محاولة للإيحاء بأن الشعب قد وافق على إلغاء دستور 1973 بموافقته على الميثاق وأن على الأمير أن يحترم هذه الرغبة وأن يقوم ، بإرادة منفردة ، بتعديل الدستور . وهو قول ، كما أسلفنا ، لا سند له من نصوص ميثاق العمل الوطني ، علاوة على خطورة مثل هذا المنطق على مشروعية نظام الحكم برمته وهو ما لا نقبل به بأي حال . 

ب– أما عن قول المذكرة التفسيرية بأن المجلس غير موجود من الناحية الواقعية لإنتهاء مدته حتى لو تم إلغاء الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 وأنه لا يمكن تبعاً لذلك أن يعود المجلس الوطني بتشكيله القديم ، كما تقرر المذكرة أنه لا يمكن إجراء إنتخابات لمجلس وطني جديد لمخالفة ذلك للميثاق الذي ترتب على موافقة الشعب عليه إلغاء الأحكام التي وردت في الدستور مخالفة له من تاريخ هذه الموافقة . 

فإننا لا نجد صعوبة تذكر في الرد على هذا الذي تقرره المذكرة التفسيرية ، التي صرحت بعد أن كانت تلمح ، بأن الميثاق ألغى دستور 1973 ، إذن ما الذي يتبقى من هذا الدستور بعد زعم إلغاء أهم مرتكزاته وهو المجلس الوطني المنوط به ممارسة سلطة التشريع بإعتباره أحد أهم المؤسسات الدستورية التي قررها دستور 1973 ؟ وأغرب ما في منطق المذكرة التفسيرية في هذا الشأن هو تقريرها بأن الميثاق ألغى الدستور ولكنه لم يلغ الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 وذلك لسبب بسيط ، حسبما تقرر المذكرة ، وهو أنه لم ترد في الميثاق المطالبة بإلغاء ذلك الأمر ، فنزلت بقولها هذا بالميثاق إلى مجرد كونه لائحة بمطالب . 

أما عن عدم إمكان عودة المجلس بتشكيله القديم لإنتهاء مدته ، فإن المذكرة تقصد بذلك المجلس الوطني الذي تم حله بتاريخ 26/أغسطس/1975 بتشكيله الذي كان عليه في ذلك الوقت والذي إنتهت مدته البالغة أربع سنوات ، فهذه حجة مردودة . فعودة المجلس الوطني بتشكيله القديم هو أمر غير جائز دستورياً . ذلك أن حل البرلمان ، وكما أسلفنا ، هو وسيلة السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية . والأصل هو أنه ، بعد حل البرلمان ، يتوجب إنتخاب برلمان جديد وليس هناك من مجال لعودة البرلمان القديم ، وإلا فما هي الغاية من الحل أصلاً إذا كان من الجائز عودة البرلمان بتشكيله القديم الذي عبرت السلطة التنفيذية عن عدم إمكان التعاون معه بحله . وما الحكم القاضى بعودة البرلمان القديم ، إذا لم تجر الإنتخابات للبرلمان الجديد في أجل محدد طبقاً للمادة (65) من الدستور ، إلا أحد القيود التي يحددها التنظيم الدستوري للسلطة التنفيذية عند ممارستها لحقها في الحل لكي لا تتعطل الحياة النيابية إلى أجل غير مسمى كما حصل في البحرين خلال ما يزيد على ربع القرن المنصرم . ويتوجب تبعاً لذلك أن تدعى هيئة الناخبين إلى إنتخاب مجلس وطني جديد . 

وتأكيداً لما نقوله في هذا الشأن فإننا نشير إلى ما قضت به المادة (38) من دستور 1973 والمتعلقة بحق الأمير في إصدار مراسيم تكون لها قوة القانون في حالة ما إذا حدث فيما بين أدوار إنعقاد المجلس الوطني أو في فترة حله ما يوجب الإسراع في إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ، وهو ما يعرف في الفقه الدستوري بلوائح الضرورة . إذ نجد أن الفقرة الثانية من هذه المادة تقضي بعرض هذه المراسيم على المجلس الوطني خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها ، إذا كان المجلس قائماً ، وفي أول إجتماع للمجلس الجديد في حالة الحل . وهذا ما يعنى أن الأصل هو إنتخاب مجلس جديد بعد مرسوم الحل وليس هناك من مجال للبحث في عودة المجلس بتشكيله القديم إلا في حالة إفتئات السلطة التنفيذية على القيد المقرر على حقها في الحل بعدم إجراء الانتخابات خلال فترة الشهرين المقررين بموجب المادة (65) من الدستور . وحيث أن ذلك لم يتم ، إذ إستمر الأمر الأميري رقم (4) لسنة 1975 غير الدستوري قائماً ونافذاً ، بفعل القوة لا بمنطق القانون ، فإنه لا مناص من إنتخاب مجلس وطني جديد على نحو ما يستوجبه دستور 1973 . 

أما القول بأن إجراء إنتخابات لمجلس وطني جديد يعد مخالفة للمبادئ التي وردت في الميثاق ، فإن فيما تقدم الرد الوافي على مثل هذا القول ، فالميثاق لم يلغ أي نص دستوري وما ورد فيه من الأخذ بنظام المجلسين هو من قبيل رسم ملامح التنظيم الدستوري القادم الذي يقرر شكله وحدود إختاصاصاته المجلس الوطني والأمير طبقاً لما هو منصوص عليه في دستور1973 وما أكده ميثاق العمل الوطني . 

وأخيراً فإن المذكرة التفسيرية ، وهي تقرر كل هذا الذي إستعرضناه ، تتجاهل تماماً الظروف التاريخية والسياسية التي تم في ظلها طرح مشروع ميثاق العمل الوطني من قبل الأمير . فالتشريع الدستوري في أي بلد وفي أي مكان في العالم ، يتوجب أن تحكمه قراءة دقيقة لتلك الظروف ، فيأتي متلائماً معها ومتجاوباً لمتطلباتها . وقد عاشت البحرين تجربتها البرلمانية الأولى التي رسم حدودها الدستور الصادر في عام 1973 ، إلا أن هذه التجربة لم يكتب لها الإستمرار لأسباب عديدة ، إذ صدر في العام 1975 مرسوم أميري قضى بحل المجلس الوطني كما صدر أمر أميري غير دستوري بتأجيل إنتخابات المجلس وتعطيل الحياة النيابية وبتولي الأمير ومجلس الوزراء السلطة التشريعية بعد أن صدر مرسوم بقانون بشأن تدابير أمن الدولة الذى جعل لوزير الداخلية ولأجهزة الأمن اليد الطولى في البلاد ، فصودرت الحريات التي نص عليها الدستور لما يزيد على ربع قرن من الزمان ، وشهدت البلاد ، كرد فعل طبيعي على تلك الإجراءات ، حالة من عدم الاستقرار التي تمحورت حول المطالبة بإعادة الحياة البرلمانية وإطلاق الحريات وإلغاء القوانين الإستثنائية . واستمرت هذه الحالة إلى أن طرح الأمير فكرة ميثاق العمل الوطني فتلقتها العديد من الأوساط والقطاعات المعبرة عن الرأي العام البحريني بالكثير من الحذر والخوف من أن تكون هذه الفكرة محاولة للإلتفاف على دستور 1973 الذي توافق عليه شعب البحرين مع الأمير . فأكدت تلك الأوساط التي تمثلت في العديد من الشخصيات السياسية والوطنية والدينية والجمعيات المهنية والعمالية على حاكمية الدستور وعلى الثوابت الدستورية بإعتبارها الأساس الذي يحكم مسألة التعديلات الدستورية ، فجاء رد الحكم ممثلاً في الأمير آنذاك (صاحب العظمة الملك) وسمو ولي العهد ووزير العدل رئيس لجنة إعداد مشروع الميثاق مؤكداً الإلتزام بالثوابت التي رسمها الدستور وبأن الميثاق لا يلغي ذلك الدستور وإنما هو مقدمة لتفعيله (أنظر في ذلك تصريحات سمو ولي العهد المنشورة في الصحافة المحلية بتاريخ 27/يناير/2001 و 5/فبراير/2001) . 

ولكن ، وعلى الرغم من كل هذه المعطيات على المستويين السياسي والقانوني ، أصدر الأمير الدستور الجديد بإرادة منفردة خلافاً لما يستوجبه دستور 1973 ، وجاءت معه المذكرة التفسيرية لتتجاهل كل هذه الحقائق ولتقرر ، دون وجه حق ، بأن شعب البحرين بموافقته على الميثاق قد ألغى دستور 1973 وعهد للأمير بإتخاذ ما يراه لازماً من إجراءات لتنفيذ ما ورد في الميثاق ، وذلك خلافاً لكل الثوابت التي أجمع عليها الشعب بتمسكه بدستور 1973 وبدعمه لميثاق العمل الوطني الذي طرحه سمو الأمير كمدخل للإصلاح على كافة المستويات وبما يكفل المزيد من مظاهر المشاركة الشعبية في الشئون العامة. 

إن خلاصة القول فيما قررته المذكرة التفسيرية في شأن الكيفية التي تم بها تعديل الدستور ، هو مخالفة من تلك المذكرة لكافة المباديء المستقرة في الفقه الدستوري بشأن تعديل الوثيقة الدستورية سواء من حيث إجراءات التعديل أو نطاق التعديل . 

وننتقل بعد هذا العرض للجوانب الإجرائية التي أحاطت بإصدار الدستور الجديد إلى إستعراض أحكام هذا الدستور وعلى وجه الخصوص أحكامه المتعلقة بالسلطة التشريعية. 

ثانياً: الـدستور الجديـد 

لقد إستعرضنا فيما سبق الظروف التي أحاطت بإصدار الدستور الجديد ، وسنلقي الآن ، وللغايات التي حددناها لهذا الرأي ، بعض الضوء على هذا الدستور ، وذلك لوضع إجابات محددة على الأسئلة التي طرحناها في مقدمة هذا الرأي . 

ولا نعتقد بأننا في حاجة إلى إستعراض الخصائص الشكلية للدستور الجديد وخصوصاً فيما يتعلق بكونه دستور منحة إنفرد الأمير بإصداره ، وقلنا بأنه لا يغير من هذا الرأي ما تقرره المذكرة التفسيرية من أن الدستور الصادر في 2002 هو دستور معدل وذلك إستجابة للإرادة الشعبية التي تمثلت في الموافقة على الميثاق ، وأن تلك الإرادة قد فوضت الأمير بإجراء التعديلات الدستورية بإرادته المنفردة ، فالمذكرة التفسيرية ذاتها تناقض ما تقرره في هذا الشأن إذ تقول أنه ترتب على الميثاق إلغاء كافة الأحكام الواردة في دستور 1973 والمخالفة لما نص عليه الميثاق ( أنظر البند (4) من الفقرة (ثانياً ) من الفرع الأول من المذكرة التفسيرية ) . وهذا الإلغاء الذي تقول به المذكرة التفسيرية لا يقتصر في واقع الأمر ، كما سندلل لاحقاً ، على أحكام الفصل الثاني من الباب الرابع من دستور 1973 برمته بل يتجاوز ذلك إلى الكثير من الأحكام المتعلقة بإختصاصات الملك ( بعد تغيير مسمى الدولة ) وإختصاصات السلطة التنفيذية وشكل السلطة التشريعية وإختصاصاتها فضلاً عن الأحكام الختامية للدستور . فأين هو التعديل ؟ وماذا تبقى من دستور 1973 إذا ما طالت الأحكام الجديدة كل تلك المسائل التي نظمها ذلك الدستور ؟ 

إن إستعراضنا لأحكام الدستور الجديد سيرتكز على تحديد ما إذا كان هذا الدستور قد أدى إلى تطوير النظام السياسي في البحرين ” بما يحقق لها حياة ديمقراطية سليمة تتفق مع الأسس الديمقراطية التي تسود العالم في الوقت الحاضر ” على نحو ما تقرره مقدمة المذكرة التفسيرية . وهل جاء هذا الدستور متوافقاً مع الإرادة الشعبية التي تمثلت في الموافقة على ميثاق العمل الوطني ؟ . 

لقد تمثلت ملامح نظام الحكم والحياة الديمقراطية السليمة التي رسمها الميثاق في نصوصه التي وافق عليها شعب البحرين في : 

1– أنه فيما يتعلق بالسلطات وبالتحديد الأمير بإعتباره رأس الدولة فإن نظام الحكم في دولة البحرين ملكي وراثي دستوري ، على الوجه المبين في الدستور والمرسوم الأميري الخاص بالتوارث ، والأمير هو رأس الدولة وذاته مصونة لا تمس 000 ويباشر الأمير سلطاته بواسطة وزرائه ، والوزراء مسئولون أمام الأمير ، وهو الذي يعين رئيس مجلس الوزراء والوزراء ويعفيهم من مناصبهم وفقاً لسلطاته المبينة في الدستور ( الفقرة أولاً من الفصل الثاني من الميثاق ) . 

2– إن شكل الدولة الدستوري يتمثل في مملكة دستورية ” تحتل مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي الذي يحقق للشعب تطلعاته نحو التقدم ” . (الفقرة ثانياً من الفصل الثاني من الميثاق ) 

3– إن نظام الحكم في البحرين ديمقراطي ، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في الدستور .( الفقرة رابعاً من الفصل الثاني من الميثاق ) . 

4– يعتمد نظام الحكم على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية مع التعاون بين هذه السلطات وفق أحكام الدستور ، ويأتي صاحب السمو الأمير على رأس السلطات الثلاث . ( الفقرة خامساً من الفصل الثاني من الميثاق ) . 

5ـ أنه فيما يتعلق بالسلطة التشريعية ، يتم إستحداث نظام المجلسين بحيث يكون الأول مجلساً منتخباً إنتخاباً حراً مباشراً يختار المواطنون نوابهم فيه ويتولى المهام التشريعية ، إلى جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للإستعانة بآرائهم فيما تتطلبه الشورى من علم وتجربة . وتصدر القوانين على النحو الذي يفصله الدستور وفق النظم والأعراف الدستورية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة . (الفقرة ثانياً من إستشرافات المستقبل من الميثاق ) . 

6- إن الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون ، فلا يجوز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق القانون وتحت رقابة القضاء (الفقرة ثانياً من الفصل الاول من الميثاق) .

وفي ضوء هذه المبادئ سنستعرض أحكام الدستور الجديد لنرى ما إذا كانت هذه الأحكام قد إستجابت لتلك المبادئ ، وذلك في إطار الإجابة على الأسئلة التي طرحناها في مقدمة هذا الرأي . 

ونظراً لأن كل من المبدأ المتعلق بشكل الدولة الملكي الدستوري القائم على الأخذ بالنظام الديمقراطي ، والمبدأ الثاني الخاص بسيادة الشعب بإعتباره مصدر السلطات والمبدأ المتعلق بشكل السلطة التشريعية هي مبادئ تشتمل فيما بينها على أحكام مشتركة لذلك فإننا سنستعرضها مجتمعة وذلك بعد إستعراض المبدأ المتعلق بالسلطات . 

1- السـلطات : 

أ – الأميــر : 

نص ميثاق العمل الوطني في الفقرة الأولى من الفصل الثاني ” نظام الحكم ” على أن ” نظام الحكم في دولة البحرين ملكي وراثي دستوري ، على الوجه المبين في الدستور والمرسوم الأميري الخاص بالتوارث . والأمير هو رأس الدولة ، وذاته مصونة لا تمس ، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وهو رمز استقرار البلاد ، والركيزة الأساسية التي يرتكز عليها نظام الحكم في دولة البحرين . ويباشر الأمير سلطاته بواسطة وزرائه . والوزراء مسئولون أمام الأمير ، وهو الذي يعين رئيس مجلس الوزراء والوزراء ، ويعفيهم من مناصبهم ، وفقاً لسلطاته المبينة في الدستور ” . 

وهذا النص ، في واقع الأمر ، هو تكرار لبعض الأحكام التي قررها دستور 1973 في المادة (33) منه وبالتحديد الفقرة (أ) التي تنص على أن ” الأمير رأس الدولة ، ذاته مصونة لا تمس ، ويتولى سلطاته بواسطة وزرائه ، ولديه يسأل الوزراء متضامنين عن السياسة العامة للحكومة ، ويسأل كل وزير عن أعمال وزارته ” . وطبقاً لهذا النص فإن الأمير هو رأس السلطة التنفيذية التي يشكل مجلس الوزراء الطرف الثاني فيها . والأصل ، طبقاً لهذا الحكم ، أن يتولى الأمير ممارسة سلطاته بواسطة وزرائه وذلك عن طريق المراسيم الأميرية التي يمكن للمجلس الوطني أن يسأل مجلس الوزراء والوزير عنها ، وذلك تأكيد للدور الرقابي للمجلس الوطني في دستور 1973م، أما الاستثناء من هذا الأصل ، فهو أن يباشر الأمير إختصاصاته بشكل مباشر بواسطة الأمر الأميري ، وهي إختصاصات محددة وردت على سبيل الحصر في دستور 1973 . 

فإذا عدنا للدستور الجديد نجد أنه نص في الفقرة (ج) من المادة (33) على أنه ” يمارس الملك سلطاته مباشرة وبواسطة وزرائه ، ولديه يسأل الوزراء متضامنين عن السياسة العامة للحكومة ، ويسأل كل وزير عن أعمال وزارته ” . ونرى بأن هذا النص قد تجاوز ما كان منصوصاً عليه في دستور 1973 ، إذ إعتبر أن الأصل هو ممارسة الملك لسلطاته بشكل مباشر ، أي بواسطة الأوامر الملكية. فضلاً عن ذلك فان ما قرره الدستور الجديد في هذا الشأن يعد تجاوزاً لما قرره ميثاق العمل الوطني الذي نص ، على نحو ما أسلفنا ، بأن يباشر الأمير سلطاته بواسطة وزرائه . 

ب‌- مجلـس الـوزراء : 

نظم دستور 1973 ، في الفقرة (ج) من المادة (33) ، مسألة تشكيل مجلس الوزراء فنص على أنه ” لا يجوز تعيين الوزراء من أعضاء المجلس الوطني في الفصل التشريعي الأول ، ويكون تعيينهم من أعضاء المجلس الوطني أو من غيرهم إبتداء من الفصل التشريعي الثاني . ويصبح الوزراء المعينون من خارج المجلس أعضاء فيه بحكم مناصبهم ، ولا يزيد عدد الوزراء جميعاً على أربعة عشر وزيراً ” . 

وعلى الرغم من أن هذا النص لا يلزم الأمير بتعيين وزراء من أعضاء المجلس الوطني ، إلا أنه تعبير عن أحد أشكال ممارسة الشعب لحقه في المشاركة في الشئون العامة من خلال قيام بعض ممثليه بممارسة مهام وزارية . وهو شكل ألغاه الدستور الجديد على الرغم من أنه لم يرد أي نص بشأنه في ميثاق العمل الوطني . 

2- مبدأ الديمقراطية النيابية وممارسة الشعب لسيادته من خلال السلطة التشريعية : 

للتعرف على مدى إستجابة الدستور الجديد لهذا المبدأ الذي أكد عليه ميثاق العمل الوطني فإنه لابد لنا أن نستعرض في البداية أحكام السلطة التشريعية كما وردت في هذا الدستور . 

تكوين السلطة التشريعية وإختصاصاتها في الدستور الجديد : 

نظم الدستور الجديد السلطة التشريعية في الفصل الثالث من الباب الرابع . فنص على أن مجلس السلطة التشريعية وهو المجلس الوطني يتألف من مجلسين هما : مجلس الشورى ومجلس النواب . ويتألف مجلس الشورى من أربعين عضواً يعينون بأمر 

ملكي ، كما يعين الملك رئيس مجلس الشورى لمدة تماثل مدة المجلس وهي أربع سنوات وينتخب المجلس نائبين للرئيس . كما نص على أن يجتمع مجلس الشورى عند إجتماع مجلس النواب وتكون أدوار الانعقاد واحدة للمجلسين وأنه إذا تم حل مجلس النواب توقفت جلسات مجلس الشورى . 

وفي المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب المنشور بعدد الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 10/يوليو/2002 ، تم تحديد الشروط الواجب توافرها فيمن يعين عضواً في مجلس الشورى وتمثل أحد الشروط في أن يكون العضو ممن تتوافر فيهم الخبرة أو الذين أدوا خدمات جليلة للوطن من بين الفئات التالية : 1 أفراد العائلة المالكة . 2– الوزراء السابقين . 3– من شغل مناصب السفراء والوزراء المفوضين . 4– أعضاء الهيئات القضائية السابقين . 5– كبار الضباط المتقاعدين . 6– كبار موظفي الدولة السابقين . 7– كبار العلماء ورجال الأعمال والمهن المختلفة . 8– أعضاء مجلس النواب السابقين . 9– الحائزين ثقة الشعب .

أما فيما يتعلق بمجلس النواب فقد نص الدستور الجديد على أن يتألف من أربعين عضواً ينتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر . كما حدد مدة المجلس بأربع سنوات ويجوز مد الفصل التشريعي للمجلس لسنتين ، عند الضرورة ، بأمر ملكي . وينتخب المجلس من بين أعضائه رئيساً ونائبين للرئيس لذات مدة المجلس . 

وبالنسبة لإختصاصات المجلس الوطني فقد نص الدستور الجديد في المادة (70) منه على أنه “لا يصدر قانون إلا إذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني بحسب الأحوال ، وصدق عليه الملك” . وقد حددت المواد من 81 إلى 85 أسلوب ممارسة الاختصاص التشريعي من قبل المجلسين . وفي حالة إختلافهما حول مشروع أي قانون مرتين فإنهما يجتمعان معاً في هيئة المجلس الوطني برئاسة رئيس مجلس الشورى ويشترط لقبول المشروع أن يصدر قرار المجلس الوطني بأغلبية الأعضاء الحاضرين ( المادة 85) وتصدر القرارات “بأغلبية أصوات الحاضرين ما عدا الرئيس الذي عليه أن يعطي صـوت الترجيـح عنـد تسـاوى الأصـوات” (المادة 103) . 

وتعليقاً على هذه المادة تقرر المذكرة التفسيرية بأنه “حددت هذه المادة الأغلبية التي يجب توافرها لإنعقاد المجلس الوطني ، في غير الحالات التي يتطلب فيها الدستور أغلبية خاصة ، بأنها أغلبية أعضاء كل مجلس على حدة ، حتى تضمن توافر حد أدنى من التمثيل لكل منهما ، كما حددت هذه المادة أيضاً الأغلبية التي يلزم توافرها لإتخاذ القرارات في هذه الحالات بأنها أغلبية الحاضرين ما عدا الرئيس ، وجعلت صوت الرئيس مرجحاً عند تساوي الأصوات . ومقتضى ذلك أن الرئيس لا يعطي صوته إلا في حالة تساوي الأصوات بالنسبة إلى القرار المعروض ، وفي هذه الحالة يعتبر صوته هو الصوت المرجح للموافقة أو عدم الموافقة” ومقتضى هذا النص وتفسيره تكريس هيمنة السلطة التنفيذية ، ليس فقط على مجلس السلطة التشريعية المنتخب ، بل حتى على مجلسها المعين حيث أعطى صوت الترجيح لرئيس مجلس الشورى المعين في منصبه هذا من قبل الملك في حين أن نائبيه منتخبان من قبل أعضاء مجلس الشورى طبقاً لنص الفقرة (د) من المادة (45) من الدستور الجديد . 

أما فيما يتعلق بالإختصاص الرقابي للسلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية ، فقد تمثل هذا الاختصاص في الأشكال الآتية : 

أ – السؤال : وتنص عليه المادة (91) من الدستور الجديد والتي قررت حق كل عضو من أعضاء مجلسي الشورى أو النواب في توجيه أسئلة مكتوبة للوزراء ، على أنه لا يجوز أن يكون السؤال متعلقاً بمصلحة خاصة بالسائل أو بأقاربه حتى الدرجة الرابعة أو بأحد موكليه.

ب – إبداء الرغبات : وتنص عليه المادة (68) ، وقد قررت هذه المادة حق إبداء الرغبات لمجلس النواب دون مجلس الشورى . 

ج – التحقيق : وهو حق تقرره المادة (69) لمجلس النواب للتحقيق في أي أمر من الأمور الداخلة في إختصاصات المجلس على أن يتم تقديم نتيجة التحقيق خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ بدء التحقيق . 

د – الاستجواب : وتنص على هذا الحق المادة (65) وهو مقصور أيضاً على خمسة أعضاء من مجلس النواب ، ولا يجوز أن يكون الاستجواب متعلقاً بمصلحة خاصة بأحد الموقعين على طلب الاستجواب أو بأقاربه حتى الدرجة الرابعة أو بأحد موكليه ، ويجوز أن يؤدى الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة بالوزير الموجه إليه الاستجواب وفقاً لأحكام المادة (66) .

هـ – طرح الثقة : قررت المادة (66) حق طرح الثقة بأي وزير بناء على طلب موقع من عشرة أعضاء من مجلس النواب أو بناء على رغبة الوزير . على أن يكون ذلك إثر مناقشة إستجواب موجه إليه . ويتوجب موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب لتقرير عدم الثقة بأحد الوزراء وبالتالي إعتباره معتزلاً للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة . 

و – عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء : 

وهو حق قررته المادة (67) ويتوجب أن يوافق على القرار ثلثا أعضاء مجلس النواب ويعرض بعد ذلك على المجلس الوطني الذي لا يمكن له إقراره إلا بموافقة ثلثي أعضائه ثم يرفع للملك للبت فيه بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة أو بحل مجلس النواب . 

وبعد هذا الاستعراض الموجز لأحكام الدستور الجديد فيما يتعلق بإختصاصات السلطة التشريعية ، وقبل أن نعطي رأينا في مدى إستجابة تلك الأحكام للمباديء التي حدد ملامحها ميثاق العمل الوطني ، فإننا نرى أن نعقد مقارنة شديدة الاختصار بين ما قرره دستور 1973 فيما يتعلق بالسلطة التشريعية من ناحية تشكيلها وإختصاصاتها وما قرره الدستور الجديد في هذا الشأن : 

أ – فيما يختص بتشكيل مجلس السلطة التشريعية : 

يتكون مجلس السلطة التشريعية في دستور 1973 من 30 عضواً منتخباً في فصله التشريعي الأول ويرفع هذا العدد إلى 40 عضواً إبتداء من الفصل التشريعي الثاني وفي الحالتين لا يزيد عدد الأعضاء المعينين (وهم الوزراء بحكم مناصبهم) عن 14 عضواً ، وقد أشرنا فيما سلف إلى أن نسبة الأعضاء المعينين وهم الوزراء لا تتجاوز 25.9 % من مجموع عدد أعضاء المجلس . 

أما الدستور الجديد فقد أبقى على الأربعين عضواً منتخباً في مجلس النواب وألغى الحكم المتعلق بعضوية الوزراء في مجلس السلطة التشريعية وعددهم 14 وأحل مكانهم 40 عضواً يعينون بأمر ملكي في مجلس الشورى وهو المجلس المعين في السلطة التشريعية التي باتت رئاستها معقودة لرئيس المجلس المعين . 

ب – فيما يتعلق بالاختصاص التشريعي : 

يمارس نواب الشعب المنتخبون سلطة التشريع مع الأمير طبقاً لدستور 1973 . بينما يمارس هذه السلطة في الدستور الجديد، وعلى قدم المساواة ، مجلس منتخب ومجلس معين ، مماثل في عدده للمجلس الأول بالاشتراك مع الملك . 

إضافة إلى ذلك فقد استحدث الدستور في المادة (87) منه حكماً تترتب عليه ضغوطاً زمنية مقيدة للسلطة التشريعية فيما يتعلق بمشاريع القوانين المنظمة لموضوعات اقتصادية أو مالية تطلب الحكومة نظرها بصفة عاجلة ، إذ يستلزم نص هذه المادة فترة محددة يتوجب على السلطة التشريعية البت خلالها في تلك القوانين وفي حالة عدم البت فيها خلال تلك الفترة يجوز للملك إصدارها بمراسيم لها قوة القانون . وهذا ما يفضي إلى تمكين الملك من ممارسة التشريع ، بشكل منفرد في موضوعات تمس أموراً مثل ميزانية الدولة أو إنشاء الضرائب العامة وغيرها من الموضوعات التي نظمها الباب الخامس من الدستور الجديد والمتعلق بالشئون المالية ، وهذا ما يترتب عليه عملاً مصادرة حق السلطة التشريعية في ممارسة اختصاصها بالتشريع في هذه الموضوعات، وليس في دستور 1973 نص مشابه لنص هذه المادة .

وبالإضافة إلى ذلك فإن دستور 1973 ينص في المادة (71) منه على أنه : “لعضو المجلس الوطني حق إقتراح القوانين . وكل مشروع قانون إقترحه أحد الأعضاء ورفضه المجلس ، لا يجوز إقتراحه من جديد في ذات دور الانعقاد إلا بموافقة الحكومة” . 

أما في الدستور الجديد فإن صياغة مشاريع القوانين مقصور على الحكومة ، وهذا ما تقضي به الفقرة (أ) من المادة (92) بقولها : “000 لأي من أعضاء المجلسين حق إقتراح القوانين ، ويحال كل إقتراح إلى اللجنة المختصة في المجلس الذي قدم فيه الاقتراح لإبداء الرأي ، فإذا رأى المجلس قبول الإقتراح أحاله إلى الحكومة لوضعه في صيغة 000 مشروع قانون وتقديمه إلى مجلس النواب في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها ” . 

ج- فيما يتعلق بالاختصاص الرقابي :

على الرغم من أن أدوات الاختصاص الرقابي في دستور 1973 هي ذاتها المقررة في الدستور الجديد إلا أن هناك إختلافات جوهرية تتمثل في الآتي :

  • السؤال: هذا الحق مقرر لعضو المجلس الوطني دون أي إستثناء في دستور 1973 في مواجهة رئيس مجلس الوزراء والوزراء (المادة 66) . أما في الدستور الجديد فإنه مقرر لعضو المجلس الوطني في مواجهة الوزراء فقط دون رئيس مجلس الوزراء وبشرط ألا يكون السؤال متعلقاً بالسائل أو بأقاربه حتى الدرجة الرابعة أو بأحد موكليه .
  • إبداء الرغبات : تقرر المادة (73) من دستور 1973 هذا الحق وتجيز للمجلس الوطني أن يعقب على بيان الحكومة في حال تعذر عليها الأخذ برغبات المجلس ، بينما لا تجيز المادة (68) من الدستور الجديد لمجلس النواب حق التعقيب على بيان الحكومة .
  • الاستجواب: هذا الحق ، طبقاً لدستور 1973 في المادة (67) ، مقرر لأي عضو من أعضاء المجلس الوطني ودون إستثناء وفي مواجهة رئيس مجلس الوزراء والوزراء . أما في الدستور الجديد فإنه مقرر في مواجهة الوزراء فقط دون رئيس مجلس الوزراء بناءً على طلب موقع من خمسة أعضاء من مجلس النواب على الأقل وبشرط ألا يكون السؤال متعلقاً بمصلحة خاصة بالمستجوب أو بأقاربه حتى الدرجة الرابعة أو بأحد موكليه . 
  • طرح الثقة : يقرر دستور 1973 أغلبية مطلقة لإتخاذ قرار سحب الثقة من الوزير أي أن يوافق على سحب الثقة ما يزيد على نصف عدد الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس الوطني ، بينما يستوجب الدستور الجديد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على قرار سحب الثقة من الوزير .
  • عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء : يجوز ، طبقاً للمادة (69) من دستور 1973 ، تقرير عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء شرط أن يرى ذلك ثلثا أعضاء المجلس الوطني ، وحينها يرفع الأمر إلى الأمير للبت فيه بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة أو بحل المجلس الوطني . وإذا تم حل المجلس وتجددت تولية نفس رئيس مجلس الوزراء وقرر المجلس الجديد بأغلبية مطلقة ، وليس بأغلبية الثلثين ، عدم التعاون معه كذلك أعتبر رئيس مجلس الوزراء معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس وتشكل وزارة جديدة . أما الدستور الجديد فإنه يشترط ، لتقرير عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء ، موافقة ثلثي أعضاء المجلس المنتخب (النواب) ثم موافقة ثلثي أعضاء المجلس المعين (الشورى) ثم يرفع الأمر إلى الملك للبت فيه بإعفاء رئيس مجلس الوزراء وتعيين وزارة جديدة أو بحل مجلس النواب . ونلاحظ هنا أن الدستور الجديد ألغى النص الوارد في المادة (69) من دستور 1973 والمتعلق بإعتزال رئيس مجلس الوزراء منصبه في حالة إصرار المجلس الوطني الجديد بعد الحل على عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء . فضلاً عن ذلك فإن الدستور الجديد يقرر ، في حالة عدم موافقة الملك على إعفاء رئيس مجلس الوزراء ، حل المجلس المنتخب (النواب) وليس المجلسين معاً (النواب والشورى) على الرغم من أن قرار عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء قد صدر من المجلسين كل على حدة . وهو أمر لا شك أنه مستغرب ، والمذكرة التفسيرية لا تقول شيئاً حياله لإزالة هذا الاستغراب .
  • الاختصاصات الرقابية التي ألغاها الدستور الجديد: ألغى الدستور الجديد إختصاصين رقابيين نص عليهما دستور 1973 . الأول منهما مقرر بموجب نص المادة (72) ويقضي بأنه ” يجوز ، بناءً على طلب موقع من خمسة أعضاء على الأقل ، طرح موضوع عام على المجلس الوطني للمناقشة لإستيضاح سياسة الحكومة في شأنه وتبادل الرأي بصدده ، ولسائر الأعضاء حق الاشتراك في المناقشة ” . كما ألغى الدستور الجديد حق مجلس السلطة التشريعية في تشكيل لجنة خاصة لبحث العرائض والشكاوى التي يبعث بها المواطنون إلى المجلس وحق تلك اللجنة في إستيضاح الأمر من الجهات المختصة وتبليغ صاحب الشأن بالنتيجة وذلك على النحو الذي تنص عليه المادة (75) من دستور 1973 .
  • الرقابة المـاليـة : وقبل أن ننهي هذه المقارنة الموجزة ، فإننا نشير إلى حق الرقابة المالية المقرر في دستور 1973 طبقاً للمادة (97) منه والتي تنص على أنه “ينشأ بقانون ديوان للمراقبة المالية يكفل القانون إستقلاله ، ويكون ملحقاً بالمجلس الوطني ، ويعاون الحكومة والمجلس الوطني في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية . . . الخ” . وجاء الدستور الجديد لينص في المادة (116) منـه علـى أنـه “ينشأ بقانون ديوان للرقابة المالية يكفل القانون إستقلاله ، ويعاون الحكومة ومجلس النواب في رقابة تحصيل إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية . . .” وترتب على هذا النص إلغاء تبعية ديوان الرقابة المالية لمجلس السلطة التشريعية . ثم صدر المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2002 بإصدار قانون ديوان الرقابة المالية المنشور بعدد الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 10/يوليو/2002 ، وقضى في المادة الأولى منه بأنه “ينشأ جهاز مستقل يتمتع بالشخصية الاعتبارية العامة يسمى ديوان الرقابة المالية ، ويتبع الملك” ، فترتب على هذا الحكم غل يد السلطة التشريعية عن ممارسة رقابتها على الشئون المالية للدولة وإلحاق ديوان الرقابة المالية بالسلطة التنفيذية التي يفترض أن يكون رقيباً عليها .ونعود بعد هذا العرض للإجابة على السؤال المتمثل فيما إذا كانت الأحكام التي جاء بها الدستور الجديد تتوافق مع المبادئ التي حددها ميثاق العمل الوطني والتي أشرنا إليها فيما سبق . وفيما يلي إجابتنا على هذا السؤال : 
  • فيما يتعلق بالسلطات : لقد أشرنا فيما سلف إلى أن الدستور الجديد عدل في الأحكام المقررة في دستور 1973 والمتعلقة بسلطات الأمير ( الملك في الدستور الجديد ) حيث قرر أن الملك يمارس سلطاته ، في المقام الأول ، بشكل مباشر . وفي المقام الثاني بواسطة وزرائه . وهو حكم مخالف لما ورد في ميثاق العمل الوطني بهذا الشأن . 
  • فيما يتعلق بممارسة الشعب لسلطة التشريع من خلال نوابه : ينص الميثاق على أنه “صار من المناسب أن تحتل البحرين مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي الذي يحقق للشعب تطلعاته نحو التقدم” . لهذا فإن من اللازم ، أيضاًَ ، أن نقارن بين الأحكام التي قررها الدستور الجديد وتلك الأحكام المستقرة في “الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي” ، وذلك لكي نتأكد مما إذا كانت القوانين ، طبقاً للدستور الجديد ، تصدر “وفق النظم والأعراف الدستورية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة” (أنظر الفقرة “ثانياً” من إستشرافات المستقبل من الميثاق) .

ونعتقد بأنه ليس هناك من شك في أن المقصود بالممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي وبالنظم والأعراف الدستورية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة ، حسبما نص عليها الميثاق ، هي تلك النظم الدستورية القائمة في الملكيات الدستورية المعروفة في العالم مثل : بريطانيا – هولندا – إسبانيا – اليابان – الدنمرك وغيرها . ولكننا نعتقد أيضاً بأن المقارنة مع النظم الدستورية السائدة في هذه الممالك ستكون مقارنة مجحفة جداً ، وذلك لأسباب عديدة يتمثل أحدها في أن الأسر المالكة في هذه النظم لا تحكم . ولهذا السبب فإننا سنعقد المقارنة مع نظامين ملكيين دستوريين عربيين هما : الأردن والمغرب ، إذ أن الأسر المالكة في هذين البلدين هي أسر تشارك في الحكم عن طريق سلطات الملك الدستورية .

ففي الأردن تصدر القوانين عن سلطة تشريعية تسمى ( مجلس الأمة ) ، ويتكون من مجلسين هما ( مجلس الأعيان ) الذي يعين الملك أعضاءه ، والمجلس الثاني هو ( مجلس النواب ) الذي ينتخب من قبل الشعب في إنتخابات عامة سرية مباشرة . ويقضي الدستور الأردني بأن لا يزيد عدد أعضاء المجلس المعين بمن فيهم رئيس المجلس عن نصف عدد أعضاء المجلس المنتخب . كما يشترط الدستور الأردني أن لا يكون عضو أي من مجلسي السلطة التشريعية من أقارب الملك . 

أما في المغرب فإن ” البرلمان ” يتكون أيضاً من مجلسين : مجلس النواب وينتخب أعضاؤه بالاقتراع العام المباشر ، ومجلس المستشارين الذي ينتخب ثلاثة أخماسه من أعضاء تنتخبهم في كل جهة من جهات المغرب هيئة ناخبة تتألف من ممثلي الجماعات المحلية ويتكون خمساه الباقيان من أعضاء تنتخبهم أيضاً في كل جهة هيئات ناخبة تتألف من المنتخبين في الغرف المهنية وأعضاء تنتخبهم على الصعيد الوطني هيئة ناخبة تتألف من ممثلي المأجورين (العمال) . وهذا ما يعني أن كلا المجلسين يجرى إنتخاب أعضائهما ، الأول بشكل مباشر من قبل كل أفراد الشعب ، أما الثاني فيجري إنتخابهم بشكل غير مباشر من قبل ممثلي الهيئات والنقابات المهنية والعمالية وسائر المؤسسات والمنظمات الأهلية . 

وبمقارنة هذين النظامين الملكيين الدستوريين في مبادئهما المتعلقة بشكل السلطة التشريعية مع النظام الذي قرره الدستور الجديد نجد فرقاً شاسعاً ، فالمجلس المعين في المثال الأردني لا يزيد عدد أعضائه عن نصف عدد أعضاء المجلس المنتخب . أما في المثال المغربي فكلا المجلسين يتكونان من أعضاء يتم إنتخابهم ، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر . 

وعلى ذلك فإن ما قرره الميثاق بشأن المملكة الدستورية التي تحتل مكانتها بين الممالك الدستورية ذات النظام الديمقراطي التي تصدر فيها القوانين وفق النظم والأعراف الدستورية المعمول بها في الديمقراطيات العريقة هو أمر ، بلا شك ، غير متحقق في الدستور الجديد حتى بالمقارنة مع نظامين ملكيين دستوريين عربيين . 

وأما عن أن نظام الحكم في البحرين ديمقراطي السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعاً وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في الدستور وذلك على نحو ما قرره الميثاق ، فإن المقصود بمبدأ أن السيادة للشعب هو أن إرادته هي الإرادة العليا التي لا توجد إرادة تساويها أو تعلو عليها داخل الدولة . وممارسة هذه السيادة ، وعلى نحو ما تنص عليه أغلب الدساتير ، تكون وفق أحكام الدستور ، أي أنها ليست سيادة مطلقة من أي قيد ، وتختلف أنماط ممارسة هذه السيادة بين نظام دستورى وآخر . وبدون الخوض في تفاصيل هذه الأنماط ، فإننا نرى بأن دستور 1973 قد تبنى نظام الديمقراطية النيابية حيث يقوم الشعب بإختيار نواب عنه هم أعضاء في برلمان يباشر سلطات فعلية في الدولة وعلى وجه الخصوص سلطة التشريع مع الأخذ ببعض مظاهر النظام الرئاسي على نحو ما تقدم ، بالإضافة إلى الأخذ بنظام الفصل المرن بين السلطات . 

أما بالنسبة للدستور الجديد ، فإنه وأن أخذ ببعض المرتكزات الواردة في دستور 1973 والمتعلقة برأس الدولة وبتنظيم السلطة التنفيذية إلا أنه ، وفيما يتعلق بالسلطة التشريعية ، أقام نظاماً يبتعد كثيراً عن النظام الديمقراطي النيابي ، فالعنصر المنتخب في المجلس الوطني – وهم أعضاء مجلس النواب – لا يشكل أغلبية وإنما هو متماثل في العدد مع العنصر المعين وهم أعضاء مجلس الشورى الذي يمارس سلطة تشريعية فضلاً عن ممارسته لبعض مظاهر السلطة الرقابية .

ولا يقتصر دور مجلس الشورى المعين ، طبقاً للأحكام التي قررها الدستور الجديد على ممارسة سلطة سن القوانين ، بل تتجاوز ذلك إلى مشاركة مجلس النواب المنتخب في مجال التعديلات الدستورية . إذ تنص على ذلك الفقـرة (أ) مـن المـادة (120) من الدستور الجديد بقولها “يشترط لتعديل أي حكم من أحكام هذا الدستور أن تتم الموافقة على التعديل بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من مجلس الشورى ومجلس النواب ، وان يصدق الملك على التعديل ، وذلك استثناء من حكم المادة (35 بند ب ، ج ، د) من هذا الدستور” . ويترتب على هذا النص وجوب موافقة ثلثي أعضاء المجلس المعين على أي اقتراح بتعديل الدستور الجديد ، الأمر الذي ينتقص من دور المجلس المنتخب ، فيما يتعلق بتعديل ذلك الدستور ولا يغير من هذا النظر القول بأنه حتى في ظل دستور 1973 فان أي تعديل فيه كان يستوجب نفاذه تصديق الأمير عليه ، ذلك أن اشتراك الأمير مع المجلس الوطني في وضع التعديلات الدستورية هو أمر فرضته الطبيعة العقدية لدستور 1973 في أسلوب نشأته . أما الحكم الذي قرره الدستور الجديد بهذا الشأن ، فإنه فضلاً عن تقييده لإرادة الشعب في التعبير، من خلال نوابه المنتخبين، عن تلك الإرادة فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية، فإنه أضاف سلطة ثالثة تتوجب موافقتها على التعديل الدستوري ، وتتمثل تلك السلطة في أفراد هم أعضاء المجلس المعين الذين أسبغت عليهم صفة تمثيل الشعب بأسره . ولا شك بأن هذا الحكم يجعل من إمكانية تعديل الدستور الجديد أمراً بعيد المنال من الناحية النظرية وأشبه بالمستحيل من الناحية الواقعية ، وبالتالي فإن القول بأن الشعب هو مصدر السلطات ، في الدستور الجديد ، هو قول لا يتسق ، سواء مع ما قرره هذا الدستور في أحكامه ، أو ما نصت عليه نصوص ميثاق العمل الوطني .

  • كفالة الحريات الشخصية : قررت نصوص ميثاق العمل الوطني الواردة في الفصل الأول منه كفالة الحريات الشخصية باعتبارها دعامة أساسية من دعامات المجتمع وأكدت على عدم جواز القبض على إنسان أو توقيفه أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق القانون ، كما أكدت على صيانة حرمة المساكن وعدم جواز دخولها أو تفتيشها إلا بإذن أهلها ويجوز ذلك استثناء في حالة الضرورة القصوى في الأحوال التي يعينها القانون . وواقع الحال أن هذه النصوص كررت ذات الأحكام التي قررها دستور 1973 في هذا الشأن . وتجسدت هذه الأحكام العامة في نص الفقرة (ب) مـن المـادة (36) من دستور 1973 فيما يتعلق بإعلان الأحكام العرفية بقولها “لا تعلن الأحكام العرفية إلا بقانون ، ما لم تقض الضرورة القصوى بأن يكون ذلك بمرسوم مسبب ، على أن يعرض الأمر على المجلس الوطني في خلال أسبوعين للبت فيه . ويجب في جميع الأحوال أن تحدد مدة الحكم العرفي بما لا يجاوز ثلاثة أشهر ، ويجوز تجديد هذه المدة ، كلها أو بعضها ، لمرة أو أكثر ، بشرط موافقة المجلس الوطني على ذلك بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم . وإذا حدث إعلان الأحكام العرفية أو تجديدها في فترة الحل وجب عرض الأمر على المجلس الجديد في أول اجتماع له” .

ويمكن تعريف الأحكام العرفية بأنها “نظام قانوني يوضع مسبقاً من أجل مواجهة مستلزمات ضرورات معينة ، كإغارة قوات العدو المسلحة على البلاد ، أو نشوب اضطرابات وقلاقل داخلية تهدد بالإخلال إخلالا خطيراً بالأمن والنظام العام . وتطبيق هذا النظام يؤدي إلى تعطيل بعض أحكام الدستور ، وتعليق بعض الضمانات الدستورية لحقوق الأفراد وحرياتهم ، والى هيمنة السلطة التنفيذية وإعطائها صلاحيات استثنائية كبيرة تحد من الحريات العامة للأفراد والهيئات التي يكفلها عادة كل دستور للمواطنين بل ولكافة السكان” (د.عثمان عبدالملك الصالح – النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت – ص451) .

وعلى الرغم من أن الدستور الجديد أكد على مبدأ صيانة الحقوق والحريات العامة في الباب الثالث منه ، إلا انه في الحكم التفصيلي المتعلق بإعلان الأحكام العرفية أخل إخلالاً كبيراً بالضمانات التي وردت في ميثاق العمل الوطني والتي استوجبت عدم التعرض لتلك الحريات أو المساس بها إلا وفقاً لأحكام القانون ، كما ألغى الضمانات التي قررتها الفقرة (ب) من المادة (36) من دستور 1973 سالفة الذكر ، إذ نص الدستور الجديد في الفقرة (ب) من المادة (36) منه على أنه “لا تعلن حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية إلا بمرسوم ، ويجب في جميع الأحوال أن يكون إعلانها لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر ، ولا يجوز مدها إلا بموافقة المجلس الوطني بأغلبية الأعضاء الحاضرين” . وقد ترتبت على هذا النص نتائج خطيرة تتمثل في الآتي :

1- إن إعلان الأحكام العرفية يكون بمرسوم يصدره الملك ومجلس الوزراء ، وليس بقانون يصدر من السلطة التشريعية على النحو الذي رسمه الميثاق وقضت به أحكام دستور 1973 .

2- إن المرسوم بإعلان الأحكام العرفية لا يستلزم تسبيبه ، على نحو ما كان يستوجبه دستور 1973 بإعتبار أن التسبيب غايته الرقابة على سلوك السلطة التنفيذية في حالة إعلانها للأحكام العرفية .

3- أنه لا يشترط لإعلان الأحكام العرفية قيام حالة ضرورة قصوى تستوجبها ، فترتب على هذا إطلاق يد السلطة التنفيذية في هذا الشأن دون حسيب أو رقيب .

4- إن مد فترة الأحكام العرفية لا يستدعي موافقة الأغلبية المطلقة لأعضاء السلطة التشريعية بل يكفي موافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين أي إقراره بالأغلبية النسبية لمجموع أعضاء المجلسين بمن فيهم الأعضاء المعينين .

ويتضح مما سلف مدى خطورة الأحكام التي قررها الدستور الجديد في هذا الشأن والتي قد تؤدي إلى إهدار الحريات ومصادرة الحقوق العامة .ولا يقتصر أمر هذا النص على مخالفته لنصوص الميثاق وإهداره للضمانات التي قررها دستور 1973 في هذا الشأن ، بل إنه نص باطل لمخالفته الصريحة للحكم الدستوري القطعي الذي قررته المادة (31) من الدستور الجديد ذاته ، والتي تنص على أنه “لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون ، أو بناءً عليه . ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية” ، إذ يترتب على نص المادة (36) سالفة الذكر جواز التعرض لهذه الحقوق والحريات بناءً على مرسوم يصدر من السلطة التنفيذية وليس بناء على قانون تصدره السلطة التشريعية وفق ما تقضي به المادة (31) المذكورة . 

  • فيما يتعلق بمبدأ الفصل بين السلطات : وأخيراً فإن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث مع التعاون بين هذه السلطات وفق أحكام الدستور ، يقتضى أولاً قيام سلطة تشريعية تتمتع بإستقلالية حقيقية عن طرفي السلطة التنفيذية وهما رأس الدولة – الملك أو الأمير أو رئيس الدولة – ومجلس الوزراء أو الحكومة ، سواء من حيث تشكيل السلطة التشريعية أو من حيث ممارستها لإختصاصاتها وطبيعة تلك الاختصاصات . وعلى نحو ما إستعرضنا سلفاً ، فإن قيام الملك طبقاً للدستور الجديد بتعيين نصف أعضاء السلطة التشريعية ينفي وصف الإستقلال عن تلك السلطة . ولا يغير من هذا ما تنص عليه الفقرة (أ) من المادة (89) من الدستور الجديد من أن “عضو كل من مجلس الشورى ومجلس النواب يمثل الشعب بأسره ، ويرعى المصلحة العامة ، ولا سلطان لأية جهة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه” ، فتمثيل الشعب هي صفة لا يمكن أن تلحق بشخص لم يختره الشعب لتمثيله ، وكون نصف أعضاء السلطة التشريعية معينون ينفي عن هذه السلطة استقلاليتها . وأما عن أنه لا سلطان لأية جهة على عضو مجلس الشورى في عمله بالمجلس أو لجانه ، فهذا مجرد تقرير نظري لا صلة له بواقع نصوص الدستور الجديد . فطالما أن تعيين العضو بمجلس الشورى وإستمرار عضويته بهذا المجلس مرتبط بمشيئة الملك ، فإن هذا العضو لا يملك من أمر نفسه شيئاً إذ أن وجوده وعدمه مرتبط بيد من عينه ، وليس أدل على ذلك من نص الفقرة (و) من المادة (33) من الدستور الجديد بأنه “يعين الملك أعضاء مجلس الشورى ويعفيهم بأمر ملكي” ، وسلطان الإعفاء هذا ما بعده سلطان . 

وعدم إستقلالية السلطة التشريعية عن الملك وعن السلطة التنفيذية لا يقتصر فقط على تشكيلها ، وإنما يتجاوز ذلك إلى موضوع الإختصاصات . فعلى الرغم من صحة القول بأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يمكن أن يفهم على أنه فصل مطلق وجامد ، وخصوصاً في النظام الدستوري الذي يأخذ ببعض مظاهر النظام البرلماني إلى جانب بعض مظاهر النظام الرئاسي . إلا أن الأخذ بمبدأ الفصل المرن بين السلطات أو التعاون فيما بينها ، يقتضى أن يكون التشريع من إختصاص السلطة التشريعية مع ما للسلطة التنفيذية من حق المشاركة في عملية التشريع من خلال إقتراح مشاريع القوانين وحق التصديق عليها بواسطة رأس الدولة . 

إلا إننا نجد أن الدستور الجديد قد أخل بمبدأ التوازن أو التعاون هذا ، إذ قرر للملك أن يتجاوز السلطة التشريعية بما له من حق إصدار مراسيم لها قوة القانون طبقاً للمادة  (87) المتعلقة بالموضوعات الاقتصادية أو المالية ، وهي مراسيم لا يجوز عرضها ، بعد إصدارها ، على السلطة التشريعية لإقرارها ، وهذا مثال على التجاوز . أما المثال الآخر فهو ما تنص عليه المادة (43) من أن ” للملك أن يستفتي الشعب في القوانين والقضايا الهامة التي تتصل بمصالح البلاد ، ويعتبر موضوع الاستفتاء موافقاً عليه إذا أقرته أغلبية من أدلوا بأصواتهم ، وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة من تاريخ إعلانها ، وتنشر في الجريدة الرسمية ” . وبناء على هذا النص فإن مشاركة أي عدد ممن يحق لهم التصويت من شعب البحرين ، دون حد أدنى ، في الاستفتاء كفيل باعتبار ما وافقت عليه أغلبيتهم ملزماً ونافذاً في حق الكافة ويتجاوز السلطة التشريعية ، وهو أمر ينال من أسس الديمقراطية النيابية .

فضلاً عن ذلك فقد أعطى الدستور الجديد للملك سلطة مد الفصل التشريعي لمجلس النواب عند الضرورة بأمر ملكي لمدة تصل إلى سنتين ( المادة 58 ) ، في حين أن المادة (45) من دستور 1973 كانت لا تجيز مد الفصل التشريعي للمجلس الوطني إلا لضرورة في حالة الحرب ، على أن يكون مد الفصل التشريعي بقانون يقره المجلس بأغلبية ثلثي أعضائه . ويترتب على حكم المادة ( 58 ) من الدستور الجديد تعطيل حق هيئة الناخبين في إنتخاب نواب جدد وفقاً لمبدأ دورية الانتخابات . 

وأما فيما يتصل بالعلاقة بين السلطة التشريعية والطرف الثاني من السلطة التنفيذية وهو الحكومة فإن الدور المنوط بالحكومة ، طبقاً للدستور الجديد ، قد قلص إلى حد كبير من دور السلطة التشريعية في ممارسة إختصاصاتها فضلاً عما قرره من هيمنة للحكومة على هذه السلطة ، ونسوق الأمثلة التالية على ذلك : 

– المادة (64) الفقرتين (ب – ج): ” ب- للملك ، على الرغم مما ورد في البند السابق ، أن يؤجل إجراء إنتخاب المجلس الجديد إذا كانت هناك ظروف قاهرة يرى معها مجلس الوزراء أن إجراء الانتخابات أمر متعذر. ج – إذا إستمرت الظروف المنصوص عليها في البند السابق ، فللملك ، بناء على رأي مجلس الوزراء ، إعادة المجلس المنحل ودعوته إلى الانعقاد ، ويعتبر هذا المجلس قائماً من تاريخ صدور المرسوم الملكي بإعادته ، ويمارس كامل صلاحياته الدستورية ، وتنطبق عليه أحكام هذا الدستور بما في ذلك المتعلق منها بإستكمال مدة المجلس وحله ، وتعتبر الدورة التي يعقدها في هذه الحالة أول دورة عادية له بغض النظر عن تاريخ بدئها ” . وتترتب على هذه النصوص نتائج عديدة أهمها تعطيل دور السلطة التشريعية إلى أجل غير معلوم دون أن يكون في يد هذه السلطة وسيلة للتصدى لهذا التعطيل ، وذلك على خلاف ما كان مقرراً في المادة (65) من دستور 1973 والتي تقرر عودة المجلس المنحل إذا لم يتم دعوة الناخبين الى انتخاب أعضاء المجلس الجديد خلال شهرين . هذا بالإضافة إلى أن حكم المادة (64) من الدستور الجديد يجعل من مجلس الوزراء طرفاً في تحديد مصائر السلطة التشريعية إلى جانب الملك ، في حين أن هذا الأمر كان مقتصراً على حق الحل الذي كان بيد الأمير فقط دون أي دور في ذلك لمجلس الوزراء طبقاً لدستور 1973 . 

– المادة (81): تقرر هذه المادة أن الأولوية في المناقشة ، سواء في مجلس النواب أو مجلس الشورى ، تعطى دائماً لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة ، وعليه فإن السلطة التشريعية لا تستطيع مناقشة أي مشروع قانون مقدم من أعضائها إلا بعد حسم الأمر بالنسبة لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة. 

– المادة (92): بصرف النظر عما تقرره هذه المادة بشأن حق طلب اقتراح تعديل الدستور ، فإن نص هذه المادة يفرق ، بشأن اقتراح القوانين ، بين الحق في اقتراح قانون وبين وضع صيغة مشروع قانون. ويقرر بأن لأي عضو من أعضاء المجلسين أن يقترح إصدار قانون ، ولكن صيغة مشروع القانون ، بعد قبول فكرة إصداره ، لا توضع إلا من قبل الحكومة ، التي تملك سلطة تقديرية في تقديمه لمجلس النواب خلال دور الانعقاد نفسه أو في الدور الذي يليه . ويترتب على هذا النص أن اقتراحات السلطة التشريعية بشأن القوانين غير قابلة للمناقشة إلا إذا قدمت عن طريق الحكومة التي تقوم هي ، بواسطة مستشاريها وموظفيها ، بوضع صيغة المشروع . 

  • الخلاصة

إن النتائج النهائية التي نخلص إليها من كل ما تقدم هي :

أولاً : أن الأحكام التي قررها الدستور الجديد ، سواء فيما يتعلق بالسلطات أو بمبدأ ممارسة الشعب لحقه في السيادة من خلال سلطة تشريعية مستقلة تختص بالتشريع وبالرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، هي أحكام عصفت بالأسس والمبادئ التي نص عليها ميثاق العمل الوطني ، وأضافت إلى التنظيم الدستوري ما لم تتناوله نصوص الميثاق من قريب أو بعيد . 

ثانياً : إن ميثاق العمل الوطني هو وثيقة سياسية وضعت أسساً ومبادئ عامة لشكل الدولة ونظام الحكم ومبادئه وبإستحداث نظام المجلسين في السلطة التشريعية يكون الأول منهما منتخباً إنتخاباً حراً مباشراً من قبل أفراد الشعب ويختص منفرداً بالمهام التشريعية ، أما المجلس الثاني فهو معين من أفراد يتسمون بالخبرة والاختصاص ليستعان بهم عن طريق إبداء آرائهم غير الملزمة للمجلس المنتخب وقد خالف الدستور الجديد ، صراحة ، هذه الأسس والمبادئ . 

ثالثاً : ليس في ميثاق العمل الوطني ما يدل ، صراحة أو ضمناً ، على أنه وسيلة لتعديل دستور 1973 أو تجاوز للنصوص الإجرائية أو الموضوعية التي قررها هذا الدستور لتعديله . كما ليس في ميثاق العمل الوطني ما يدل ، لا صراحة ولا ضمناً ، على أن الموافقة عليه من أفراد الشعب تعنى أن الشعب قد عهد للأمير بأن يضع التعديلات الدستورية بدون الالتزام بالإجراءات المقررة للتعديل في دستور 1973 . 

رابعاً : أن الدستور الجديد هو دستور منحة إنتقص من الحقوق الدستورية التي كانت مقررة للشعب في دستور 1973 العقدي . وهو ، إضافة إلى ذلك ، أفرغ النصوص والمبادئ الكلية العامة من مضامينها وغاياتها الحقيقية . إذ على الرغم من أنه نص على أن نظام الحكم في البحرين ديمقراطي والسيادة فيه للشعب مصدر السلطات وأن نظام الحكم يقوم على مبدأ فصل السلطات مع تعاونها ، فإنه جاء بأحكام تفصيلية أفرغت هذه المبادئ من محتواها الحقيقي . 

خامساً : أن الزعم الوارد في المذكرة التفسيرية بأن الميثاق ألغى الأحكام الدستورية المخالفة له هو تقرير خطير وتترتب عليه نتائج بالغة الخطورة أولها إلغاء التنظيم الدستوري الذي أقام كيانه دستور 1973 وأخطرها المساس بشرعية نظام الحكم .

سادساً : أن الأحكام المتعلقة بتعديل الدستور الجديد تقرر إجراءات محددة لتعديله تتمثل في موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من مجلس الشورى ومجلس النواب على التعديل . كما تقرر حظراً موضوعياً يتمثل في عدم جواز إقتراح تعديل نظام المجلسين المقرر في الدستور ، الأمر الذي يجعل من إمكانية تعديله أو تطويره أمراً مستحيلاً في ظل التشكيل الذي يقرره هذا الدستور لمجلس السلطة التشريعية . 

والله الموفق لما فيه الخير والصلاح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى