تقرير: كورونا في البحرين … الآثار ودور المعارضة السياسية

لم يكن أمام العالم سبيل للوقوف في وجه اجتياح فايروس كورونا سوى تجميد كل الأنشطة الإقتصادية و الاجتماعية على الرغم من مايترتب على ذلك من تبعات ناجمة عن فقدان الوظائف و ارتفاع نسبة البطالة، هذا فضلا عن مراجعة العديد من دول العالم لخارطة علاقاتها الدولية ومفاهيمها وقيمها في الحياة، و البحرين ليست مستثناة من هذه التبعات بل هي أكثر عرضةً للتداعيات ولزوم المراجعات، مقارنة بالدول الغربية التي لها باع من التطورات و الخبرات، والتي لم تصمد على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي أمام اجتياح هذا الفايروس.

يجتاح العالم في الوقت الحاضر وباء كورونا الذي انتشر في معظم دول العالم، وقد صنّفت منظمة الصحة العالمية كورونا كجائحة صحيّة يمكن أن تصيب جميع الأعمار، وتنتقل للبشر عبر التعامل اليومي المباشر.

لايعرف بالضبط مصدر الفايروس بنسخته الجديدة والفتاكة، إذ أنه سلالة من فايروس قديم وذو ضرر غير معتد به، إلا أن بعض الدول اتهمت الولايات المتحدة بتطوير السلالة الجديدة من الفايروس في مختبراتها، وأطلقته في الصين كسلاح بيلوجي، إلا أن آثار هذا السلاح امتدت للعالم، والولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

من المرجح أن يترك انتشار الوباء كورونا آثاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة على العالم خلال المرحلة المقبلة. يتناول هذا التقرير التغيرات السياسية، الأقتصادية و الاجتماعية التي حصلت نتيجة لتفشي الفايروس، على العالم، وعلى البحرين خصوصا.

كما سيتناول التقرير الدور المطلوب من المعارضة السياسية في البحرين لمرحلة مابعد كورونا.

الآثار السياسية

بعثر فايروس كورونا العديد من المراحل و المشاريع و الخطط التي أعدتها الدول العظمى، وقد انخفضت نسبة الإصابات في الصين عندما وصلت ذروتها و بدأت بمساعدة حُلفائها، بينما لم تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوروبية بالجدية المطلوبة لمواجهة كورونا، وكان الرئيس الأمريكي مشغولا بالاستثمار السياسي لوباء كورونا بدل مواجهته، وكان يطلق على كورونا (الفيروس الصيني) ما أدى لاستشراء الفايروس بالولايات المتحدة، و جعلها تتصدر لائحة المصابين بالفايروس.

ويبدو أن الرئيس الامريكي قد تحول الى قاطع طريق لنهب شحنات المعدات الطبية المرسلة من الصين إلى البلدان الأخرى، لسد النقص الفضيع في أجهزة التنفس والكمامات والمعدات الطبية التي تعاني منها أمريكا، وقد وجدنا اندفاعة صينية روسية كبيرة جداً في إظهار أنفسهما كبديل حيوي في العلاقات مع أوروبا، على حساب العلاقات الأمريكية الأوروبية التي شهدت صدعا بسبب جائحة كورونا، إلى الحد الذي يتلقى فيه الرئيس الأمريكي اتصالاً من الرئيس الصيني، و تتلقى إيطاليا اتصالاً من الجانب الروسي عارضين المساعدة لهم. و قد أجمع خبراء التحليل السياسي على أن العلاقات الدولية قبل كورونا لن تكون كما هي بعده ، وأن أولويات العالم ستتبدل.

الآثار الاقتصادية

هذا وقد سجلت أسعار النفط تراجعا إلى مستويات لم تشهدها خلال عقود، في ظل انهيار الطلب على النفط الخام. جاء ذلك في الوقت الذي تعالج فيه مصافي النفط في شتى أرجاء العالم كميات أقل من النفط الخام، فضلاً عن انخفاض الطلب على حركة النقل من جانب شركات الطيران و توافر عدد أقل من السيارات على الطرق.

وفي ما يتعلق بالبحرين أعلنت شركة طيران الخليج الشركة الوطينة للرحلات الجوية عن تعليق جميع رحلاتها الجوية ما أدى الى انخفاض نسبة السياحة.

و حث مصرف البحرين المركزي البنوك و الشركات المالية على دراسة إعادة الجدولة أو تأجيل أقساط القروض. و أكد البنك على تقليص معدلات الربح و الفائدة و الرسوم و العمولات، ياتي هذا بالتزامن مع قيام مصرف الإمارات المركزي بحث البنوك الإماراتية لتخفيف الآثار الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا.

وعلى الرغم من تأكيد رئيس الثروة الغذائية في غرفة التجارة و الصناعة خالد الأمين أن عدم استيراد بعض التجار للمواد الغذائية من الصين كإجراء احترازي لانتشار مرض الكورونا مؤخرا هناك لن يؤثر على توفر المواد الغذائية في البحرين لأن الواردات من الصين قليلة، وأن هناك بدائل كثيرة يمكن استبدالها من دول أخرى، إلا أن خطوط الإمداد الغذائية والصحيّة غير مضمونة في ظل فوضى السوق والاقتصاد التي تجتاح العالم.

الآثار الاجتماعية

أعلنت العديد من الدول عن تعليق المدارس و الجامعات و المؤسسات الثقافية و الأنشطة الرياضية في أنحاء متفرقة حول العالم، و انتهجت الدول المتقدمة تكنولوجياً نظام التعليم عن بعد، و قد واجهت دول المركز الثالث صعوبات في هذا المجال لعدم توفر البنية التحتية الملائمة لهذه الخاصية و عدم توفر الإنترنت في بعض المناطق، و عدم توفر برامج تدريبية كافية للمعلمين على أدوات التعليم الإلكتروني، و قلة الخبرات التعليمية في مواجهة المشاكل التقنية، و وجود بعض المشاكل المجتمعية مثل انتشار الغش، و عدم الالتزام بمواعيد تسليم الفروض و الواجبات.

كما تنامى القلق لدى الناس من كفاءة المنظومة المعاشية في الاستمرار في توفير الحاجيات، وقد عكس ذلك ارتفاع مبيعات الأسلحة النارية في الولايات المتحدة خلال الأسبوعين الأخيرين في ظل تفشي وباء كورونا المستجد، إذ يكدس كثر أسلحة و ذخائر بغية الاحتماء وسط فرضيات حدوث فوضى و شغب بسبب ارتفاع في نسبة البطالة و السعي للحصول على لقمة العيش و فقدان الوظائف و إغلاق بعض الشركات الكبيرة.

كيف سيؤثر وباء كورونا على البحرين خاصة ؟

في ظل انتشار وباء كرونا في العالم بعجلة متسارعة جداً عجزت الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوروبية التي تصدرت قائمة المصابين بالفايروس عن إدارة الأزمة مما أثر في الجانب الاقتصادي و الدبلوماسي بشكل كبيرعلى البحرين التي كانت تتلقى الدعم الجيولوجستي و الأمني و كافة الخدمات من دول الغرب.

ولأول مرة بعد 4 سنوات من انقطاع العلاقات السياسية والدبلوماسية بين طهران والمنامة، هبطت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الخليجية في إيران لنقل الرعايا البحرينيين العالقين منذ حوالي 55 يوما بسبب وقف تسيير رحلات الطيران بين دول المنطقة، هذا وقد رحبت دولة قطر بقرار مملكة البحرين إجلاء المواطنين البحرينيين الذين توقفوا في العاصمة القطرية الدوحة قادمين من إيران، وهذا يكشف ضرورة مراجعة النظام الخليفي النظر في علاقاته السياسية مع دول الجوار، وعدم تعريضها للتبعية السعودية والأمريكية.

و في ظل هذه الأزمة الصحية العالمية و التي من المحتمل أنها ستستمر الى نهاية هذا العام أو منتصف العام المقبل تتعالى الأصوات في العديد من البلدان العربية بضرورة الإفراج عن سجناء الرأي خشية إصابتهم بالوباء القاتل، و في البحرين أكد أهالي المعتقلين و علماء الدين و الجمعيات على ضرورة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين في ظل البيئة السيئة للسجون وعدم توفر الخدمات لوقاية السجناء من الأمراض.

وبسبب تعليق الكثير من الأعمال الاقتصادية في العالم و بذل الجهد لاحتواء وباء كورونا فقد تضررت القطاعات النفطية و البنكية والسياحية في البحرين و التي تمثل النسبة الأكبر لإيرادات الدولة.

وبالتدقيق في ميزانية الدولة نلاحظ أنه لم يتم إدراج أي بند للبحث العلمي، وأن جامعة البحرين التي تُعتبر من أفضل جامعات الدولة لم تضع الخطط و البرامج لإنتاج العلم، وإنما الموجود هو استيراد للعلم والدواء والحلول، ومما ينبغي الإشارة له أن مصير البحرين الصحي قد أصبح بعهدة الدول الغربية التي تقامر في علاقاتها السياسية والاقتصادية، وتتجه للتصادم بدل العلاقات الدولية البناءة.

وكالعادة فإن الاتكال على الغرب هو سيد الموقف، ولم تستثمر الدولة الجهود و الكفاءات الوطنية بل كشفت الجائحة عن حجم تضخم المجنسين والعديد من العمالة الأجنبية في الدولة، و الّذين لايملكون الحس الوطني لمواجهة هذه الأزمة بالجدية المطلوبة.

و كما أسلفنا تعمد الدولة إلى تجنيس الآلاف من الوافدين العاملين في الوزارات والهيئات و الشركات الحكومية، في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بمنح الجنسيات للأجانب، و تقول التقديرات في مجلس النواب أن عشرات آلاف البحرينيين عاطلون عن العمل. وقد انتهجت البحرين سياسة تغيير التركيبة السكانية و تغير ثقافة البلد الأصيل. و تشير التقديرات إلى أن الكثير من المصابين بفايروس كورونا هم من الجاليات الوافدة والمجنسة، مما يفرض على الدولة أن تتحلى بالمسؤولية، وتعيد التفكير في سياسة التجنيس وتغيير التركيبة السكانية لتلافي الآثار الصحية العاجلة، فضلا عن الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المدى المنظور والطويل.

ما المطلوب من المعارضة السياسية في البحرين ؟

المطلوب من المعارضة البناء على فشل السلطة في تعاطيها مع أزمات الوطن، وآخرها مايتعلق بوباء كورونا، وأن تقدم نفسها كبديل أو مرشح لامتلاك البدائل عن السلطة في التعامل مع مشاكل وأزمات الوطن.

وفي ما يتعلق بالتجنيس السياسي غير الشرعي فقد وصل إلى أقصاه، و أن هذه الحكومة يجب أن تدرك بالتجربة أخطار هذا التجنيس على أمنها، حيث المجنّسون قد أتوا من مناطق تختلف في عاداتها وتقاليدها وأعرافها وثقافتها عن عادات وتقاليد وأعراف و ثقافة أبناء المنطقة، وهي مناطق ملغومة أمنيًّا. وقد أثبت وباء كورونا خطورة المجنسين و العمالة الوافدة على استقرار البلد، من ناحية طبية، فضلا عن الناحية السياسية والاجتماعية، ولعل هذا ماحدا بدولة كالكويت مقتدرة ماليا وأكثر استقرار من الناحية السياسية بأن تضع خطة معلنة لإجلاء الآلاف من الوافدين والعمالة الأجنبية.

فلم تعد المطالبة بوقف التجنيس ذات قيمة في الوقت الحاضر فقط، بل المطلوب من المعارضة الانتقال من المطالبة بوقف التجنيس، إلى المطالبة بإعادة النظر في وضع المجنَّسِين، ومحو آثار جريمة التجنيس وإحلال العمالة الوافدة بدل الكفاءات الوطنية عن صفحة الوطن.

كما أن الآثار السيئة لسياسة الدولة في إحلال الأجانب بدل الكفاءات الطبية قد فاقم من مشكلة التصدي لكورونا، حيث أن الكثير من الموظفين في المستشفيات الحكومية هم من المجنسين اللذين يفقدون للحس و الكفاءة الوطينة لتقديم رعاية آمنة والتعامل مع الحوادث السلبية ورعاية الحالات الطارئة واحترام المرضى، والمحافظة على سرية المعلومات و رعاية المرضى الذين يعانون من الأمراض المعدية و القواعد التي يجب اتباعها عند تحويل المرضى ووصف الأدوية.

أيضا ينبغي على المعارضة إثارة ملف الرعاية الصحية في البلاد والإهمال الطبي الذي يتعرض له المواطنون، وقد صرّحت الرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية مريم الجلاهمة، خلال ندوة عن أخلاقيات المهنة، في أبريل 2018م أن “أكثر الأخطاء الطبية في البحرين هي بسبب الإهمال”.

الإهمال السياسي والطبي قد ظهرت مصاديقه في موت 7 من المواطنين العالقين في بلاد الغربة، الذين رفضت الدولة إسداء أي من الرعاية الطبية والصحية، أو إرسال أي وفد طبي ليرعى حالاتهم.

ويمكن للمعارضة حسب قدراتها أن تساهم بجهد نسبي في تخفيف آثار الوباء على الشعب بتقديم بعض المساعدات العينية و مساعدة المتضررين اقتصاديا من ذوي الدخل المحدود و نشر الوعي و السلوك الصحي باستخدام الوسائل الإعلامية وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى