كلمة ليلة السبت لسماحة السيد مرتضى السندي 18 فبراير 2019

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على خير الآنام محمدٍ وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم المؤبد على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ کَانَ تَوَّابًا)
هذه الآيات الكريمة القصيرة في كلماتها والكبيرة في محتواها ومعانيها، الله سبحانه وتعالى يريد أن ينبّه إلى بعض النكات الهامة والتي هي في غاية الأهمية، عندما يبدأ الله سبحانه وتعالى بكلمة (إِذَا جَاءَ) يعني حين يأتي؛ (إِذَا) هنا بمعنى حين يأتي، (إِذَا جَاءَ) يعني حين يأتي النصر، هنا في هذه الآيات يشير إلى مفردتين النصر والفتح.

ما الفرق بين النصر والفتح؟
النصر قد يتحقق في المعارك الصغيرة والكبيرة، ولكن الفتح لا يكون إلا في المعارك الكبيرة (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) النصر ممكن أن يتحقق وينطبق عليه النصر في المعارك الصغيرة البسيطة ويسمى نصراً، ولكن الفتح لا يأتي إلا في المعارك والقضايا الكبيرة، نعم هذه الآية الكريمة نزلت عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يبشر المسلمين بفتح مكة لذلك هذه الآيات الكريمة نزلت قبل فتح مكة، لذلك بعض المفسرين يقولون قبل فتح مكة بسنتين وبعضهم يقول بثلاث سنوات، إذاً هي تنبيء بفتح أي نصر كبير وليس نصر صغير، هنا الله سبحانه وتعالى يريد أن يبشر النبي الأكرم (ص) والمسلمين بأن الله سبحانه وتعالى سوف يفتح على أيديهم مكة.

لماذا مكة كانت نصراً كبيراً؟
مكة كانت أم القرى ومعقل المشركين وأكبر وأقوى عصابة في ذلك الوقت هم قريش في مكة، لذلك لم تحصل بعد فتح مكة معارك كبيرة إلا معركة واحدة، يعني بعد فتح المكة عندما حقق الله النصر في مكة لم تحصل بعدها إلا معركة كبيرة واحدة، لماذا؟ لأن انهارت معنويات المشركين فقريش كانت معروفة بقوتها وجلدها ولكن مكة قد فُتحت وانتصر المسلمون فيها.

الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات يريد أن يشير إلى نقطة مهمة جداً وهي أنه في حال حصول النصر والفتح الكبير الناس تُقبل على الدين؛ لماذا؟ أولاً لأن المنتصر هو القوي والناس دائماً تجلس مع القوي وتلجأ إليه، هذه النقطة تشمل الجميع حتى الحيوانات عندما تريد أن تتحالف فإنها تتحالف مع القوي لذلك هذه نقطة مهمة جداً وفي غاية الأهمية، النقطة الثانية إذا يتحقق النصر ترتفع الموانع عن اللحوق بالحق لأن المشركين يضللون ويرعبون المسلمين ويبثون الشبهات عن خط الإيمان والإسلام ولكن عندما يتحقق النصر وتتساقط قلاع الشرك تسقط كل هذه الموانع التي تمنع الناس الالتحاق بالمسلمين وبقوافل العدالة والحق والمقاومة، الآن في واقعنا نرى ذلك متجسداً؛ عندما يتم الحديث عن المقاومة الكثير يبدأ ويُلقي الشبهات،كل هذه الموانع لأن في نظرهم بأن المقاومة ضعيفة ولكن عندما يتحقق النصر الكبير فهؤلاء كلهم يسكتون ويتساقطون وبعد ذلك ممكن للمقاومة أن تكلم الناس بمنطق وتقنع الناس وهي في موقف القوي فتبدأ الناس باللحوق بالمقاومة لذلك عندما تتحدث هذه الآية في هذا السياق لا تقول أفراداً بل تقول (أَفْوَاجًا) الفوج هم الجماعات الكبيرة؛ الله سبحانه وتعالى لم يقول فوجاً يعني فوج واحد بل أفواجاً يعني جماعات كثيرة تلتحق، ليس فرد واحد أو مجموعة واحدة بل جماعات سوف تلتحق إلى الإسلام، هذا كان تبشير للمسلمين؛ يعني الله سبحانه وتعالى أعطى البشارة للنبي الأكرم والمسلمين وقال لهم سوف يأتي لكم النصر في المستقبل ولكن طال عليكم الأمد، المسلمون تعبوا بسرعة حينما قالوا (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) الظاهر كذب علينا النبي (ص) فجعلنا نتصالح معهم في صلح الحديبية وقد غدروا بنا ولم يسمحوا لنا بأن نحج لبيت الله، بدأ الشك يساور المؤمنين ويرتابون في الحقيقة التي بشرها الله لهم، كلما تطول المسافة كلما تزداد المعوقات والصعوبات يكثر هؤلاء الذين تدخل في قلوبهم الشك والريبة في وعد الله سبحانه وتعالى، أشخاص لا يبالون فيرفعون صوتهم ويقولون (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) وأشخاص يخجلون ويتحدثون في أنفسهم بينهم وبين أنفسهم ويقولون هذا وعد الله إلا غرورا؛ هذا بسبب طول المسافة وكثرة المصاعب والمعوقات.

الله سبحانه وتعالى يقول (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَیْتَ النَّاسَ یَدْخُلُونَ فِی دِینِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ کَانَ تَوَّابًا)، عندنا ثلاث مفردات وهم:

١- التسبيح هو تنريه الله سبحانه وتعالى عن كل عيب، ما هو العيب الذي نسبه المسلمون لله سبحانه وتعالى؟ (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) بدؤوا يشكون في أن الله خدعهم ولم يفي بوعده لذلك الله سبحانه وتعالى يخاطب النبي والأمة الإسلامية بأن نزهوا الله سبحانه وتعالى عن هذه الوساوس التي في نفوسكم وهذه هي البلاءات التي تبتلى بها الأمم؛ الأمم لا تثق بوعد الله وهذا هو السبب في تأخر النصر، نحن صحيح بأننا نقرأ القرآن وعندما ننتهي نقول صدق الله العظيم ونحن لم نصدق أي شيء من هذه الآيات، لو كنا نصدق بحق وحقيقة وكانت لهذه الآيات معنى في نفوسنا لتترجم على سلوكنا الخارجي ولم نتعب ولم نشكك في وعد الله سبحانه وتعالى ولما قلنا كما يقول الناس (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، لذلك الله سبحانه وتعالى يقول (فَسَبِّحْ) أي أرفع هذه الشكوك وسوء الظن بالله ونزهه عن هذه العيوب وهو خُلف الوعد والعهد الذي وعد به المؤمنون.
٢- الحمد: هو شكر الله سبحانه وتعالى على نعمة النصر لأن النصر هي نعمة كبيرة جداً ينعمها الله على عباده المؤمنين، هذا الحمد يعني الشكر الله، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ) يعني أولاً نزه الله ثم اشكره.
٣- (وَاسْتَغْفِرْهُ) لأن أسأنا الظن بالله سبحانه وتعالى فهذا يتطلب منا أن نستغفر وهذا ذنب نحن نقترفه في كل يوم وهو سوء ظننا بالله سبحانه وتعالى، كلما يطول النصر نحن نسيء الظن بالله؛ هذا يحتاج إلى استغفار، فهذا معنى وبعص المفسرين لديهم رأي آخر وهو قولهم عادةً للنصر سكرة، عندما يتحقق النصر على يد فئةٍ من المؤمنين والمسلمين يصابون بسكرة ونشوة الانتصار؛ هذا يسبب في نفوس المسلمين والمؤمنين بعض الأمراض الروحية؛ أهم الأمراض الروحية بعد تحقيق النصر هو العُجب والغرور، هذا أمراض تلوث قلب الإنسان ويقول لولا أنا لما وُجد الإسلام الآن وأنا الذي حققت النصر فيصيبه العجب والغرور، هذه أمراض الله سبحانه وتعالى يريد أن ينبه المؤمنين فلا تُعجب بنفسك يتحقيقك نصر أو إنجاز صغير وتنسبون النصر لأنفسكم؛ فالنصر من عند الله لذلك قال (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ) ولم يقل إذا انتصرتم بل قال (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ) يعني ينصب النصر لنفسه، إن تنصروا الله فالله هو الذي ينصركم، وما النصر إلا من عند الله، التفتوا إلى هذه الحقيقة لا تغفلوا وتعتقدوا بأن النصر حينما يتحقق فهو يتحقق منكم انتم وإنما الله سبحانه وتعالى يريد أن يتأكد بأن كل نصر يتحقق على الأرض هو من عند الله سبحانه وتعالى لذلك هو الذي ينبغي أن يُشكر، ونحن يجب أن نستغفر لأنه قد يساورنا الغرور والعجب والأمراض النفسية التي تتغلغل في داخل النفس.أنا أكتفي بالحديث عن هذه الآيات القصار وأود أن أتحدث عن  ما جرى بالأمس وأول أمس وما يجري اليوم، نحن نعيش الآن الذكرى الثامنة لانطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير، هذه الثورة المباركة التي انطلقت بقناعة راسخة بضرورة التغيير في البحرين فالناس لم تعد تتحمل الظلم والجور الذي يقوم به سلطات آل خليفة في البحرين وفي الشعب البحريني لذلك كان القرار هو خروج هذه الجموع وتحاول أن تغيّر هذا الواقع الفاسد والمجرم، نحن قبل ثمان سنوات إذا كان لدينا ١٠٠ أو ٢٠٠ مبرر للقيام على السلطات الخليفية والثورة عليه وهي مبررات موضوعية وليست تلفية، اليوم نحن نمتلك مليون مبرر للاستمرار في هذه الثورة حتى إسقاط النظام الخليفي، ما قبل ثورة الرابع عشر من فبراير لم تنتهك الأعراض ولم تهدم المساجد ولم يسقط لنا هذا العدد الكبير من الشهداء ولم تملأ هذه السجون بهذا الشكل الكبير الواسع الممنهج الوحشي ولم يُفصل الناس من أعمالهم ولم يُنشر الفساد الأخلاقي والمخدرات في البحرين بهذه الصورة ولكن بعد الرابع عشر من فبراير تترسخ كل هذه القناعات بأن الذي يكونون على هذا الحكم ليسوا مؤهلين للاستمرار في هذا الحكم، لذلك نحن نحيي كل الجماهير التي خرجت في يوم الرابع عشر من فبراير والتي عبرت عن الإرادة الشعبية، نعم هناك ناس تعبوا وهذا شيء طبيعي جداً وهناك ناس تراجعوا خوفاً من السلطات الخليفية والداعمين لهم الإدارتين الأمريكية والبريطانية وآل سعود والإمارات الذين يدعمونهم بالأسلحة والأجهزة الاستخباراتية وبالخبرات الأمنية؛ كل ذلك من أجل إدخال التعب واليأس في قلوب الناس ولكن الذي حصل هو شيء كبير جداً وما جرى من خروج الجماهير وصوتهم مستمر برفع شعار الشعب يريد إسقاط النظام وهذا إنجاز كبير ويُشكر كل شخص ساهم في إنجاح هذه التظاهرات وينبغي علينا أن نستمر وأن لا نمل وأن لا نتعب ولا نكل وإن شاء الله نصر الله سبحانه وتعالى سوف ينزل ولو بعد حين.والحمدلله رب العالمين وصلى اللهم على محمدٍ وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى