ملخص كلمة:(شهر رمضان الكريم وسيادة القيم المعنوية)

شهر رمضان الكريم هو شهر سيادة القيم المعنوية على حياة الإنسان، وهذا المعنى هو جزء من فلسفة الصيام والمعاني الكامنة فيه.

(معنى سيادة القيم المعنوية)

لايعني ذلك إلغاء القيم أو الرغبات المادية أو الأهداف المادية، وإنما يعني سيادة القيم المعنوية والروحية على القيم المادية، وهذا أحد مميزات الإسلام، الذي يرى الاعتدال والتوازن في تربية الإنسان في صورته العامة، بعكس بعض المذاهب الدينية والفكرية التي يجنح بعضها لكبح تطلعات الإنسان المادية، أو إطلاقها واعتبارها الأساس في حركة الإنسان والبشر.

(نوعان من القيم … معنوي ومادي)

القيمة المعنوية هي ماتميل لها الروح أو يعتقد بها العقل السليم، وتلبي الحاجات الروحية والعقلية، كقيمة الإيثار، بينما القيم المادية هي ماتنطلق من حاجات الجسد والمادة البحتة، كحب المال من أجل المتع الدنيوية.

هناك من يعتقد بأن السعادة والرفاهية هي بمقدار التحرر من القيود والمعنويات.. لكن واقع التجربة والنظرة بعمق تكذّب ذلك.

يقول سماحة القائد الخامنئي مامعناه :” هناك من يعتقد أن المقاومة والصمود والتضحية -وهي قيم معنوية- تجعل مسار الحياة صعبا، وتصعب المهام، بينما النجاح والتقدم والرفاهية مرهون بالتمسك بهذه القيم المعنوية، ومتى ماتخلى عنها الإنسان اتجه نحو الحضيض والفشل”.

(القيم المعنوية تصب في صالح سعادة الإنسان ورفاهيته)

نص الآية”ومن يتق الله …يرزقه من حيث”، والآية “ولو أن أهل القرى آمنوا … لفتحنا عليهم بركات..” يقول لنا بأن من ثمرات التقوى وهو قيمة معنوية وغيرها من القيم المعنوية هو الوصول للتنمية المستدامة، والبركات المادية الشاملة في حياة الإنسان. وبرهان ذلك يحتاج لبحث مستقل، لكن النظر للتجارب التي سادتها القيم المعنوية يمكن أن يعطي برهان كلي.

(كيف تسود القيم حياة العبد…)

– تقوية العقل من خلال اعتماد وسائل منها الاطلاع على التجارب البشرية التي اعتمدت على القيم المعنوية

– مخالطة الصالحين الناجحين على المستوى المادي ، والذين اعتمدوا في حياتهم على القيم المعنوية ..

– ترويض النفس ..وشهر رمضان مناسبة للانطلاق في هذا المسار.

(لماذا لايسود أثر شهر رمضان فينا؟ و لا نرى دورا لشهر رمضان الكريم بعد انقضاءه ، فنقوم بترك قراءة القرءان ونعود للانكباب على الدنيا..؟)

– لأننا نفتقد “الإعداد والاستعداد الروحي والمعنوي لشهر رمضان الكريم …الدعاء المروي ليوم عرفة عن أهل البيت :

“اَللّـهُمَّ مَنْ تَعَبَّأَ وَتَهَيّأَ وَاَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوِفادَة اِلى مَخْلُوق رَجاءَ رِفْدِهِ وَطَلَبَ نائِلِهِ وَجائِزَتِهِ فَاِلَيْكَ يا رَبِّ تَعْبِيَتى وَاسْتِعْدادي رَجاءَ عَفْوِكَ وَطَلَبَ نائِلِكَ وَجائِزَتِكَ فَلا تُخَيِّبْ دُعائي ”

يدل على لزوم الاستعداد لشهر رمضان، وغيره من أيام الله لتحصيل ثمارها، وقد جعل الله شهري رجب وشعبان لذلك.

في بعض التفاسير حول اعتزال نبي الله موسى قومه ، حيث تقول الآية :” وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممانها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ”

بأن نبي الله موسى احتاج لفترة الإعداد المعنوي ليتكلموا ويقوم بمهام النبوة والتبليغ.

وفِي قوله تعالى: “وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ” ، التوبة (46)

دلالة بأن القدرة على القيام بالتكليف والمهام أو نيل الفضائل مقرون بالاستعداد المعنوي.

فكم من سجين ينال ثواب البلاء لكن لاينال فضيلته، وكم من مهاجر ينال ثواب الهجرة ولاينال فضيلتها، وكم من مؤمن من يستدعيه التكليف لأمر فيعجز عنه ، لأنه لم يستعد له على المستوى المعنوي والمادي كذلك.

(الاستعداد لشهر رمضان القادم )

السابقون يَرَوْن تقصيرهم ، ويستعدون لشهر رمضان القادم وأيام الله القادمة من الآن ، واللاحقون يستعدون له من شهري رحب وشعبان، أما نحن المقصرون فسنلحق بشهر رمضان القادم في أول يوم منه.. وسنعيش الحسرة مرة أخرى على التقصير في شهر رمضان المبارك..

خطبة الرسول الأكرم “صَل الله عليه وآله” في استقبال شهر رمضان المبارك تضع برنامج ومنهج الاستعداد لتحويل شهر رمضان لمحطة تغيير شامل في حياة الإنسان، وهذه الخطبة تحتاج للتدبر ومعرفة جنباتها التربوية.

من خطبة الرسول في استقبال شهر رمضان:

” يا أيها النّاس أنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشّهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة…. وَتَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ. وَتَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلاتِكُمْ”

إنه شر الدعوة إلى ضيافة الله الذي ينال منه الناس بدرجات مختلفة، بدرجة استعدادهم وقابلياتهم ودخولهم الفعلي في ضيافة الله سبحانه.

( الفرصة الأخيرة )

لمن يستشعر التقصير وله العزم أن يعيش شهر رمضان القادم مختلفا عن العشرين أو الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية ، عليه أن يقرأ أدعية وداع شهر رمضان الكريم ، ويعيش الحسرة ، ويعترف بالتقصير ، وأن يعزم على تحويل حياته من الآن نحو القيم المعنوية..

الدعاء المروي عن أهل البيت “عليهم السلام” الخاص

بالعشر الأواخر من شهر رمضان المبارك:

“اَللّـهُمَّ وَهذِهِ اَيّامُ شَهْرِ رَمَضانَ قَدِ انْقَضَتْ، وَلَياليهِ قَدْ تَصَرَّمَتْ، وَقَدْ صِرْتُ يا اِلـهي مِنْهُ اِلى ما اَنْتَ اَعْلَمُ بِهِ مِنّي وَاَحْصى لِعَدَدِهِ مِنَ الْخَلْقِ اَجْمَعينَ، فَاَسْأَلُكَ بِما سَأَلكَ بِهِ مَلائِكَتُكَ الْمُقَرَّبُونَ وَاَنْبِياؤُكَ الْمُرْسَلُونَ، وَعِبادُكَ الصّالِحُونَ، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأنَ تَفُكَّ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، وَتُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ، وَاَنْ تَتَفَضَّلَ عَليَّ بِعَفْوِكَ وَكَرَمُكَ و تَتَقبَّل تَقَربي وَ تَسْتَجيْبَ دُعائي وتَمُنَّ عَليّ بالاَمن يوم الخوف مِنْ كُلِّ هَوْلٍ اَعْدَدْتَهُ لِيَومِ الْقِيامَةِ، اِلـهي وَاَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَريمِ، وَبِجَلالِكَ الْعَظيمِ اَنْ يَنْقَضِيَ اَيّامُ شهْرِ رَمَضانَ وَلَياليهِ وَلكَ قِبَلي تَبِعَةٌ اَوْ ذَنْبٌ تُؤاخِذُني بِهِ اَوْ خَطيئَةٌ تُريدُ اَنْ تَقْتَصَّهَا مِنّي لَمْ َتَغْفِرْها لي سَيِّدي”

وفِي دعاء آخر يشرح حالنا:” إِلهِي وَقَفَ السَّائِلُونَ بِبابِكَ، وَلاذَ الفُقَراءُ بِجَنابِكَ وَوَقَفَتْ سَفِينَةُ المَساكِينِ عَلى ساحِلِ بَحْرِ جُودِكَ وَكَرَمِكَ يَرْجُونَ الجَوازَ إِلى ساحَةِ رَحْمَتِكَ وَنِعْمَتِكَ. إِلهِي إِنْ كُنْتَ لاتَرْحَمُ فِي هذا الشَّهْرِ الشَّرِيفِ إِلاّ مَنْ أَخْلَصَ لَكَ فِي صِيامِهِ وَقِيامِهِ فَمَنْ لِلْمُذْنِبِ المُقَصِّرِ إِذا غَرِقَ فِي بَحْرِ ذُنُوبِهِ وَآثامِهِ ؟ إِلهِي إِنْ كُنْتَ لاتَرْحَمُ إِلاّ المُطِيعِينَ فَمَنْ لِلْعاصِينَ ؟ وَإِنْ كُنْتَ لاتَقْبَلُ إِلاّ مِنَ العامِلِينَ فَمَنْ لِلْمُقَصِّرِينَ ؟ إِلهِي رَبِحَ الصَّائِمُونَ، وَفازَ القَائِمُونَ، وَنَجا المُخْلِصُونَ، وَنَحْنُ عَبِيدُكَ المُذْنِبُونَ. فَارْحَمْنا بِرَحْمَتِكَ، وَاعْتِقْنا مِنَ النَّارِ بِعَفْوِكَ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا بِرَحْمَتِكَ. يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ”

والحمد لله رب العالمين، وصل الله على محمد وآله الطاهرين ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى