كلمة السيد مرتضى السندي في حفل تدشين كتاب “تأملات في الفكر السياسي” لسماحة المجاهد الشيخ زهير عاشور

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين

نقرأ في دعاء الافتتاح في شهر رمضان الكريم

(اللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِنَ الحَقِّ فَحَمِّلْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ)َ.

معرفة الحق ليس بالأمر المتيسر والسهل، وتحمل الحق ومسؤولية الحق أكثر صعوبة من معرفة الحق، قد يتعرف الإنسان على الحق ولكن لا يسعه اتباعه لما يتبعه من ضريبة، فكيف بتحمل مسؤولية الحق والتمسك به فإن لذلك تبعات شاقة جداً.

نقرأ ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه”، فالسالكون لطريق الحق قلة، والمستمرون في هذا الطريق أقل. وكل ذلك بسبب الصعوبات والمعاناة التي تعتري هذا الطريق من ضريبة في النفس والمال والأهل والحرية.. إلخ.

معرفة الحق يحتاج إلى:

1- تجرد عن الذات، لأن الحق قد يتعارض مع مصلحة الإنسان ومكانته في المجتمع، وهواه ورغباته وميوله، فالإنسان المؤمن الذي يعيش التجرد عن الذات يمكنه أن يتعرف على الحق، أما الإنسان الذي يتمسك بذاتياته وخلفياته لا يمكنه أن يتعرف على الحق، بل سيبقى يبرر لنفسه كي لا تتضرر مصالحه.

2- الباحث عن الحق يقدم مصلحة الإسلام والدين على مصالحه الشخصية.

3-التواضع للحق، لأن الإنسان قد يعرف الحق ولكنه قد تأخذه العزة بالإثم، وقد يتكبر على الحق لا يقبله ويجحد به، المؤمن الحقيقي هو الذي إذا عرف الحق تواضع له وسلم له وأقر به حتى لو خالف رغبته ومصلحته وهواه.

4 -اتباع الحق رغم صعوباته، فقد يتعرف الإنسان على الحق إلا أنه بسب الصعوبات التي تعتري الطريق والمشقات التي يلاقيها الإنسان فإنها قد تكون سبباً للتخلي عن الحق وعدم تحمل مسؤوليته.

5- الحق في بداياته قد يكون بلا حاضنة وبلا أنصار، ولكن بعد التمسك بالحق والثبات عليه فإن ذلك يعطي الحق قوة ويجذب الأتباع والأنصار إلى الحق ويتحول حينها إلى قوة لا تضاهيها قوة.

سماحة الشيخ زهير عاشور فرج الله عنه تميز بعدة خصال، أذكرها على صورة نقاط:

1- كان يبحث عن الحق بتجرد وهدوء، وقد حصلت لديه عدة تغييرات فكرية وسياسية بسبب ذلك.

2- كان سماحة الشيخ يتواضع للحق، ولا يهمه من هو الذي يحمل فكرة الحق بحيث إذا اقتنع بالفكرة فإنه على استعداد تام ليرتب عليها الأثر حتى لو خالفه الناس وخسر على إثر ذلك الاعتبارات الاجتماعية أو العرفية.

3- كان الشيخ “حفظه الله” يتحمل مسؤولية الحق رغم ما يعتري هذا الطريق من مخاطر وصعوبات، وكان يباشر العمل بالحق وخدمته بنفسه، ومن باب المثال: إن الشيخ من أوائل الذين آمنوا بخيار المقاومة وأسسوا لهذا الخيار، وعملوا ونضّجوا فكرة المقاومة، وأعطاها من ماله ونفسه وجهده ووقته وفكره وحريته الشيء الكثير.

4- الشيخ مثال للعالم العامل، وهو شجرة مثمرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. فهو في الحوزة طالب مجد وأستاذ مجد، وهو في السجن أستاذ ومربي، وفي القرية نشيط فاعل، وفي المقاومة عامل معطاء وشجاع مقدام، فأينما حط الشيخ حط معه العمل والجد والمثابرة والعطاء.

وإن ما اجتمعنا من أجله اليوم هو تدشين الكتاب الثاني الذي ألفه سماحة الشيخ من داخل السجن، والذي هو عبارة عن دروسه التي ألقاها في داخل السجن، تحت عنوان “تأملات في الفكر السياسي” هو تعبير عن قناعات سماحة الشيخ، فقد كان الشيخ صلباً في أفكاره وقناعاته بحيث اذا اقتنع بفكرة كان على استعداد أن يضحي من أجلها.

الذين كتبوا الكتب في السجن على نحوين:

النحو الأول: هي مراجعات نقدية للأفكار التي أدت بهم إلى السجن.

والنحو الثاني: هو تأصيل للأفكار التي أدت به للسجن، وهي تعبر عن ثبات وقناعة الكاتب بأفكاره التي دخل على إثرها السجن.

كُتب سماحة الشيخ هي من النوع الثاني التي تعبر عن رسوخ في القناعة وصلابة في الموقف.

أسأل الله الفرج لسماحة الشيخ زهير وبقية الأسرى، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى