الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه

يؤمن ويعتقد تيار الوفاء الإسلامي بضرورة تهيئة الأسباب لإقامة الحكومة الإسلامية، وبالاعتماد على إرادة الناس وحقهم في تقرير مصيرهم، ويرتكز تيار الوفاء الإسلامي في ذلك على فتوى الإمام روح الله الموسوي الخميني؟ق؟، حيث أفتى بوجوب إقامة الحكومة الإسلامية في زمن الغيبة، فيقول الإمام رحمة الله عليه: «إن الأحكام الإلهية – سواء الأحكام المربوطة بالماليات، أو السياسيات، أو الحقوق – لم تنسخ، بل تبقى إلى يوم القيامة، ونفس بقاء تلك الأحكام يقضي بضرورة وجود حكومة وولاية، تضمن حفظ سيادة القانون الإلهي، وتتكفل بإجرائه، ولا يمكن إجراء أحكام الله إلا بها، لئلا يلزم الهرج والمرج، مع أن حفظ النظام من الواجبات الأكيدة، واختلال أمور المسلمين من الأمور المبغوضة، ولا يقام هذا، ولا يسد هذا إلا بوالٍ وحكومة، مضافاً إلى أن حفظ ثغور المسلمين من التهاجم، وبلادهم من غلبة المعتدين، واجب عقلاً وشرعاً، ولا يمكن ذلك إلا بتشكيل الحكومة، وكل ذلك من أوضح ما يحتاج إليه المسلمون، ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع. فما هو دليل الإمامة، بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الأمر؟عج؟».

فالسيد الإمام يرى أن إقامة الحكومة الإسلامية من أوجب الواجبات وأهم التكاليف التي يجب السعي إليها مهما أمكن، يقول الإمام؟ق؟: «فإقامة الحكومة وتشكيل أساس الدولة الإسلامية، من قبيل الواجب الكفائي على الفقهاء العدول، فإن وُفِّق أحدهم لتشكيل الحكومة يجب على غيره الاتباع، وإن لم يتيسر إلا باجتماعهم، يجب عليهم القيام مجتمعين».

وعندما لا تكون الظروف مهيأة لإقامة الحكومة الإسلامية كما إذا كان المسلمون لا يملكون أدوات القيام أو لم تتهيأ لهم الظروف فإنه يتوجب عليهم تهيئة الظروف وإعداد العدة وتقوية أنفسهم ليتمكنوا من ذلك، ولا يجوز لهم بأن يقولوا ليست لنا القدرة على إقامة الحكومة العادلة.

كما يقول الأستاذ عبدالوهاب حسين: «لقد فرض الله تبارك وتعالى­­ على المؤمنين (شرعاً) العمل لأجل إقامة الدولة الإسلامية، ولم يسمح لهم بالخضوع (طوعاً) لحكومة الطاغوت أيّاً كان لونها؛ لأنه خضوع لغير الله؟ج؟ ولأنه يديم أو يطيل من عذابات البشرية، وإن إقامة الدولة الإسلامية في الوقت الحاضر أمر في غاية الإمكان، وليس أكثر صعوبة من إقامة أية دولة معاصرة على المنهج الغربي الديمقراطي، وإن نجاح الشعب المسلم الإيراني بقيادة الإمام الخميني في إقامة الدولة الإسلامية في إيران دليل عملي صريح على ذلك، إلا أنه يحتاج إلى الصدق والإخلاص والنضال الطويل وتقديم التضحيات المقدسة في سبيل الله تبارك وتعالى».

 

لماذا يؤمن تيار الوفاء الإسلامي بالحكومة الإسلاميّة؟

إن الغاية التي تصبو إليها إطروحة «الحكومة الإسلامية» ليس هو مجرّد استبدال نظام بنظام سياسي آخر، وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وفق رأي الأغلبية من الشعب المسلم فقط، فالهدف من إقامة «الحكومة الإسلامية» أكبر من مجرد تهيئة وتوفير «الأمور المادية» للناس، بل الأمر يهدف إلى توفير متطلبات الإنسان «المادية والمعنوية» معاً، وتهيئة الأسباب للناس والبشرية من أجل سعادة الدارين الدنيا والآخرة؛ فالأطروحة الوحيدة في العالم القادرة على ذلك هي إطروحة «الحكومة الإسلامية».

 

شكل الحكومة الإسلامية

إنّ شكل الحكومة والدولة المتكون من ثلاث سلطات: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، كما هو المعمول به في الدول والعالم المعاصر، هو شكل قاصر، يحقق الرؤية الغربية في بناء الدولة وممارسة الحكم، وبهذا فهو لا ينسجم كمال الانسجام مع الطرح الإسلامي؛ فالحال أن «الفقيه الجامع للشرائط» هو صاحب الحق الأصيل في التشريع أو إقراره، وكذلك في الإشراف على التنفيذ، وبذلك تكون للدين «الحاكمية»، وأن أي ممارسة «تشريعية» أو «تنفيذية» من دون إشراف الفقيه، أو من دون إذنه، فهي لا تملك المقوّمات اللازمة لتحقق للناس الأسباب للنماء المعنوي والمادي، وحماية مصالحهم المعنوية والمادية، وتصل بهم للغاية من الخلق.

وحسب رؤية القائد الخامنئي فإن «الولاية التي أشار إليها نبيّ الإسلام، هي أمر إلهيّ وسماويّ ملكوتيّ، غنيّ عن الجعل والتنصيب»، وأن «الركيزة الأساسيّة في حاكميّة الإسلام هي أن يكون الشخص الذي يأخذ بولاية الناس من الناس أنفسهم»، وأن «الولاية تعني الحكومة، لكنها صيغت بتعبير لطيف يناسب شخصيّة الإنسان وشرفه»، وأن «حقيقة الولاية الإلهيّة تنعكس عبر العلاقة مع الشعب».

 

ولاية الفقيه واستنادها على حاكمية الشعب الدينية

وبذلك نصل إلى شكل «الحكومة الإسلامية» التي تنسجم مع الطرح الفكري والرؤية الكونية التوحيدية: حيث إن «الفقيه» لابد أن يكون على رأس السلطات: فكلُّ المنفذّين – من الرئيس إلى آخر عضو في الحكومة – يستمدون شرعية سياساتهم وممارساتهم وأفعالهم من قبل «الفقيه» المنتخب بشكل غير مباشر من قبل الشعب، وفق آلية محددة منصوصة عليها دستورياً، ومقرّة من قبل الشرع الإسلامي، وعلى قاعدة «حاكمية الشعب الدينية»، كما أن كل المشرّعين – وأعضاء مجلس الشورى والبرلمان – لابد أن يعملوا على تحقيق أهداف النظام الإسلامي، فإن شكل الحكومة – التي يكون «الفقيه» فيها هو المحور ورأس السلطات – هو الطرح الذي يتلاءم مع الفكر الإسلامي الأصيل.

يقول الأستاذ عبدالوهاب حسين: «يتضمن القول بولاية الفقيه – فيما يتضمن – أمران أساسيان:

  • الأمر الأول: إذا نهض الفقيه المستوفي للشروط بتشكيل الحكومة وجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا.
  • الأمر الثاني: إذا نهض الناس بتشكيل الحكومة وفقاً للضوابط الإسلامية وأقرها الفقيه الجامع للشروط، فله أن يراقب عملها ويصحح مسيرتها، ويجب على القائمين عليها أن يسمعوا له ويطيعوا».

الانسجام بين حاكمية الدين وحاكمية الشعب

لا تفتقد النصوص الدينية من الكتاب والسنّة والنظرية الإسلامية في الحكم الواقعية والمرونة، واعتبارات الزمان والمكان، ولذلك فإن إرادة الناس وحقهم في تقرير مصيرهم هو من الأسس التي تعتمد عليها الحكومة الإسلامية ابتداءً واستمراراً، وقد ظهر ذلك في استفتاء الجمهورية الإسلامية في إيران بعد انتصار الثورة على نوع النظام السياسي الذي يريده الشعب، وكذلك إرادة الشعب الإيراني المباشرة في انتخاب رئيسه ونوّابه في المجلس التشريعي وأعضاء مجلس الخبراء، والذين بدورهم يعينون الولي الفقيه ويشرفون على عمله ولهم حق عزله.

حيث يقول السيد القائد الخامنئي حفظه الله: «إن حاكمية الشعب في النظام الإسلامي هي حاكمية الشعب الدينية، أي المرتكزة على رأي الإسلام، وهي ليست عقداً عرفياً، بل من صلب الرؤية الإسلامية الرجوع إلى رأي الأمة وإرادتها حيثما اقتضى الرجوع، ولذا فهي تبلور التزاماً إسلامياً، وليس على غرار الدول الديمقراطية حيث تلتزم بعقد عرفي يسهل نكثه، فحاكمية الشعب في نظام الجمهورية الإسلامية تكليف ديني، والمسؤولون يقيدهم تعهد ديني في الحفاظ على هذه الخصوصية، ويتعين عليهم تقديم الجواب عنه أمام الله سبحانه وتعالى، وهذا مبدأ كبير من مبادئ إمامنا العظيم».

وإن رأي الإمامين العَلَميْن السيدين روح الله الموسوي الخميني؟ق؟ والقائد الخامنئي حفظه الله بالحكومة الإلهية هو ما يميّز رؤية «حاكمية الشعب الدينية» عن غيرها من رؤى الحكم الشرقية والغربية، بما فيها الرؤى الإسلامية الأخرى، حيث رأت النظريات الغربية حاكمية الشعب فقط وفق إرادة الأغلبية السياسية – بشكل مباشر أو غير مباشر -، لكن على مستوى الممارسة بقت الأنظمة الغربية الديمقراطية رهينة لنفوذ المال والسلاح والتكتلات السياسية والاقتصادية الداخلية، والتي أصبحت إرادتها ومصالحها فوق إرادة شعوب تلك البلدان، والتي ما زالت تبحث تحقيق أهدافها المادية، كما تميزت رؤية السيّدين عن الرؤية التي رفضت أيّ دور للشعب في انتخاب نظامه السياسي، وانتخاب من يحكمه ويمثله على المستوى التشريعي والتنفيذي، ومن هنا جاءت تسمية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي جمعت بين ولاية الفقيه والنظام الجمهوري الديمقراطي.

فوفق هذه الرؤية يمكن أن تكون الحكومة الإلهية شعبية وجمهورية، ولاتناقض في ذلك، فإن الحكومة الدينية الشعبية هي المثال الأنجح لتجييش طاقات الشعب المعنوية والمادية للبناء، وضمان مشاركة الشعب الفعالة في إدارة أموره وتدبير شؤونه، ومعرفة حقوقه وواجباته، كما أن الحكومة الإسلامية لا تشبه أشكال الحكومات الأخرى، فهي ليست استبدادية ولا مطلقة، بل هي عهد بأن يتقيّد الحاكم والمحكومين بمجموعة من الشروط والقواعد المبيّنة في القرآن والسنّة، لذا كانت الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي على الناس.

 

الحريات والتعددية والحقوق تحت ظل الحكومة الإسلامية

إن رؤية الحكومة الإسلامية التي عبّر عنها القائد الخامنئي حفظه الله بحاكمية الشعب الدينية جاءت في مقابل الديمقراطية الغربية والاستكبارية، والفرق الأساسي بينهما أن حاكمية الشعب هي أن يقرر ويمارس الشعب ما يريد تحت سقف قانون الإسلام، أما الديمقراطية فهي أن يقرر الشعب ما يريد وفق ضوابط أو سقف يضعه المشرّع الغربي، وعادة ما تتغير هذه الضوابط والسقوف، بل وقد تتلاشى أحياناً لتصل لدرجة الفوضى والعبثية والوقوع بين الإفراط والتفريط.

فالنظام الإسلامي يحفظ ويعزز الحريات السياسة والاجتماعية البناءة والخيّرة، ويكفل التعددية في الرأي والطرح، ويحمي الحقوق وفق التشريع الإسلامي الذي يتمتع بالوسطية والاعتدال، وتلبية الحاجات المادية والمعنوية للناس، وينمي فيهم الطاقات.

ففي المادة (56) من دستور الجمهورية الإسلامية: «السيادة المطلقة على العالم وعلى الإنسان لله، وهو الذي منح الإنسان حق السيادة على مصيره الاجتماعي، ولا يحق لأحد سلب الإنسان هذا الحق الإلهي أو تسخيره فـي خدمة فرد أو فئة ما، والشعب يمارس هذا الحق الممنوح من الله بالطرق المبينة فـي المواد اللاحقة».

وفي المادة (6) منه: «يجب أن تدار شؤون البلاد فـي جمهورية إيران الإسلامية بالاعتماد على رأي الأمة الذي يتجلى بانتخاب رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي وأعضاء سائر مجالس الشورى ونظائرها، أو عن طريق الاستفتاء العام فـي الحالات التي نص عليها الدستور».

وفي المادة (72) منه: «لا يحق لمجلس الشورى الإسلامي أن يسن القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للبلاد أو المغايرة للدستور، ويتولى مجلس صيانة الدستور مهمة البحث فـي هذا الأمر طبقاً للمادة السادسة والتسعين من الدستور».

 

لبنة وتجربة نحو البناء

تعتبر تجربة الجمهورية الإسلامية الفتيّة في إيران نموذجاً يمكن البناء عليه، في الشكل والمضمون، وعلى مستوى الرؤية والممارسة، مع الأخذ بالاعتبار الظروف الموضوعية في التشريع والممارسة، بما يتناسب مع المكان والزمان لأي تجربة على المستوى المحلي، حيث تختزل التجربة الإسلامية في إيران حاكمية الشعب على ضوء الرؤية القرآنية والإسلامية، وقد أنجزت التجربة في عمرها القصير الكثير على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، والاقتصادي، مع بقاء التحدي الاقتصادي هو الأبرز، ليس بسبب ضعف التجربة على مستوى النظرية والتطبيق، وإنما بسبب حداثتها والضغوطات الاقتصادية، بل الحرب الاقتصادية التي تشنها أمريكا بمعية دول الحلف الغربي، الذي يجتمع على مصلحة عدم نهوض تجربة سياسية شعبية دينية، وبقاء النموذج الغربي في الحياة والحكم هو السائد في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى