يأبى الله لنا: من وحي كربلاء الحسين.. التحذيرات الأخيرة للشّيخ عبدالجليل المقداد

في عاشوراء من العام 2010م، كان يُفترض أن تُبثّ كلمة لآية الله الشّيخ عبد الجليل المقداد وسط الجموع المعزّية في العاصمة المنامة، إلا أنّ الأجهزة الخليفيّة عمدت، يومها، إلى إعاقة ذلك من خلال مصادرة الأجهزة الفنيّة والصّوتيات الخاصة بذلك.

تمثل هذه الكلمة – التي كانت من آخر إطلالات الشيخ المقداد العاشورائيّة قبل اعتقاله في العام 2011م- نموذجاً للعقل البصير الذي تميّز به قادة الثورة المعتقلون اليوم في السجون الخليفيّة، حيث قدّم الشّيخ المقدّاد قراءة معمّقة للدّلالات التي تمثلها كربلاء الإمام الحسين بن علي (ع)، كما حرص على تظهير أبرز الإشكالات التي تُطرح في بعض الأوساط لتبرير الخذلان عن امتثال قيم الثورة الحسينيّة، وجادلَ فيها وقدّم نقدا مركزيّاً لها، جنباً إلى جنب حرصه اللافت على إعطاء النموذج العمليّ لكيفيّة امتثال الثورة الحسينيّة، وذلك من خلال إضاءته على الواقع المحلّي في البحرين، وتسليط الضوء على المظلوميّة التي يعاني منها المعتقلون، كما وجّه تحذيرات مبكّرة للذين يتخاذلون عن نصرة هؤلاء.

خلاصة الكلمة العاشورائية:

البراءة من الظلمة.. المبدأ والموقف العملي

يقول الشّيخ المقدّاد بأن كربلاء الإمام الحسين قدّمت الوجه النصائع لأولياء الله تعالى، وثباتهم على القيم الدينيّة والمعاني الإنسانية، كما أنها قدّمت “الوجه الحقيقي للظلمة”. هذا التجلّي السلبي والإيجابي، بحسب الشّيخ المقداد، يُتيح “المزيد من البصيرة والوعي” تجاه الظلمة والبراءة الكاملة منهم.

وشدّد على أنّ “التسامح” في إظهار النفور من الظلمة يؤدي إلى “نتائج خطيرة”، وإلى حدّ التبرير لهم والاعتذار عنهم، وهو موقفٌ، فضلا عن نكوصه السياسيّ، يدفع بالمرء إلى أن يخسر “رصيدا إيمانيّاً قويّا”.

ويرصد الشّيخ المقداد التخلّي عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – التي كانت منطلقاً للثورة الحسينيّة – باعتبارها مصدر كلّ المآسي التي نعاني منها وتحاصرنا.

مبررات باطلة

وفي هذا السياق، يضيء الشّيخ المقداد على بعض هذه التبريرات التي يحاول البعض تمريرها في الوسط العام للامتناع عن مواجهة الظلمة والتخلي أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن هذه التبريرات؛ القوْل بأن القيام بهذا الدّور لا يؤدي إلى نتائج ولا يُحدث أثراً فعلياً. والتبرير الآخر هو الخشية من وقوع الضّرر في حال القيام بهذه الوظيفة الحسينيّة.

ويردّ الشيخ المقداد على هذين التبريرين بوضوح قاطع، حيث يرى إنّ التبرير الأول “واضح البطلان”، مستنداً في إثبات ذلك على الاحتجاج بالظروف الماضية التي كان هناك فرص كبيرة فيها لإحداث التأثير، إلا أنّ هناك “تخلّفاً” عن أداء هذا الدّور لأسباب تتعلق بسوء التخطيط وعدم توحيد الموقف. أم التبرير الثاني، فيعتبره الشيخ المقداد مرفوضاً بالاعتماد على آلية المقارنة بين الضّرر المتوقع في حال الوقوف ضد الظلمة، والضرر المؤكد في حال السكوت عن مشاريعهم الخطيرة التي تستهدف الوجود والهوية.

ويختم الشيخ المقداد بالحديث عن واقع المعتقلين (آنذاك)، وضرورة إبراز التضامن معهم، ووضع في هذا السّياق تحذيرات لافتة واستباقيّة، وقد تبيّن لاحقاً كيف أنّها تحققت بشكل كامل.

نصّ الكلمة: دروس من كربلاء الإمام الحسين (ع)

” هذه مجموعة من النقاط مستوحاة من كربلاء الإمام الحسين عليه السّلام:

  • النقطة الأولى: لقد تجلّى في كربلاء عظمةُ أولياء الله تعالى، وتجلّى ثباتهم وصبرهم والتزامهم بتعاليم دينهم وقيمهم وبمعاني الإنسانيّة. ومن جانبٍ آخر، تجلّى الوجه الحقيقي للظلمة الذين لم يتقيّدوا بشريعةٍ أو بمبدأ أو بأيّ معنى من المعاني الإنسانيّة.

وهذا ممّا يزيد في بصيرتنا ووعينا تجاه الظلمة، ويزيدنا براءةً منهم، ونفوراً واشمئزازاً من واقع الظلمة، ومن مواقفهم.

هذا المعنى ينبغي المحافظة عليه، وأن نزدادَ براءةً ونفوراً منهم، ولا ينبغي أن نتهاون أو نتسامح في هذا الأمر، لأن هذا التّسامح له نتائج خطيرة، وإنه قد يؤدي بالإنسان إلى الميل إلى الظلمة، ومحاولة التبرير لهم، بل ومحاولة الاعتذار عنهم. وبذلك نكون قد خسرنا رصيداً إيمانيّاً قويّاً.

إيماننا يُلزمنا أن نتبرأ من الظلمة، ومن أوليائهم، كما أنه يلزمنا أن نوالي أولياء الله تعالى.

فالحذر كلّ الحذر من أن ننسى أو نتهاون في هذه المعاني نتيجة ظروفٍ أو مستجدّات أو متغيّرات سياسيّة.

تبريرات الخنوع والاستسلام

  • النقطة الثانية: إن المآسي التي نمرّ بها ونعيشها، وهذه الأخطار التي أحاطت بنا؛ هي في الحقيقة من نتائج تخلّينا عن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو تمثّلت فينا هذه الوظيفة بالصّورة التي يطرحها الدّين، ومارسنا هذا الدّور؛ لتقدّمنا إلى الأمام كثيراً، ولكُنّا في مأمن وخير من كثير من هذه الأخطار. ولكن لم نقم بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا.

البعض منّا يبرّر لنفسه تخلّيه عن هذه الوظيفة؛ بأنه لا يحتمل التأثير، والبعض الآخر يبرّر لنفسه بأنه لا يأمن الضّرر، وأنه إذا قام بهذه الوظيفة يخاف على نفسه الضّررَ والأذى. ولكن في اعتقادي أن كلا هذين التبريرين مردودان.

أمّا القول بأننا لا نحتمل التأثير، فهو أمر واضح البطلان.

لقد كنّا في يوم من الأيام أقوياء، وكان الآخرون يسعون إلينا، ولكسب ودّنا. وكان بإمكاننا أن نحقّق، وأن نثبّت معادلاتٍ تصبّ في صالحنا.

لو أحسنا التخطيط، ولو وحّدنا الكلمة والموقف، وعشنا روحَ المسؤولية؛ لاستطعنا أن نحقّق الكثير. ومن غير المقبول أن ننظر إلى واقعنا الآن، ونقول بأننا لا نحتمل التأثير. لقد كنّا في يوم الأيام نستطيع أن نؤثر، وأن نحقّق مصالحَ لشعبنا وأبنائنا، إلا أننا قد تخلّفنا.

وهذا لا يعني أننا في هذا الوضع الفعليّ لا نستطيع أن نغيّر، وأن نحقق نجاحاً، ولكن أريد أن أقول إن هذه المقولة؛ هي مقولة خاطئة.

أمّا التبرير الآخر، بأننا لا نأمن الضّرر، وأنه سيلحقنا الضرر إذا ما مارسنا وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهذا أيضاً تبرير مرفوض.

ما هو مقدار الضّرر الذي سوف يلحقنا: سجن، تعذيبٌ؟! ها هم أخوتنا وأعزاؤنا يُعذّبون في السجن!

الضّرر الذي يمكن أن يلحق بنا في قبال المخطّطات والأضرار الخطيرة التي تريد هذه السّلطة أن تلحقها بنا، إذا ما لاحظنا حجم الأخطار والأضرار التي تحدق بنا ويُراد أن تنزل بنا؛ أقول: حجم الضرر في قبال تلك الأخطار لا بأس بتحمّله. ضرر السّجن، السنة أو السنتين، أو ضرر التعذيب من أجل الحفاظ على المصالح الدّينية، ومصالح الناس، وعلى الهوية والوجود، والمصالح الكبرى.

التعلُّل والاعتذار بلحوق الضّرر ليس تبريراً في محلّه.

الموقف السلبي من المعتقلين

  • النقطة الأخيرة: إنّ لنا أخوة في السجون. لنا أخود يُعذّبون، ومظلومون. لا لجرم إلا لأنهم نطقوا بالحقّ، وطالبوا بحقوقهم المشروعة، ومصالحهم العادلة. لا ذنب لهم إلا هذا، وكل ما يعانون منه وما يلحق بهم من ضرر؛ لأنهم نطقوا بكلمة الحقّ.

أضعفُ الإيمان، وأقل ما يمكن أن نقدّمه لهؤلاء الأعزّة؛ أن نعيش معهم الحالة التضامنيّة.

والحذر الحذر من أن تسمح لنا الخلافاتُ والقناعاتُ المختلفة من أن نقف موقفاً سلبيّاً من هؤلاء الأعزة، لأنّ ما لحِق بهم يمكن أن يلحق بنا، ويمكن أن نكون في يوم من الأيام لقمةً سائغةً لهؤلاء الظلمة، وعندها نتمنى أن يقف الآخرون الموقف الإيجابيّ ويتضامنوا معنا.

ولا نرضى لأحدٍ، كائناً منْ كان، أن يقف منّا المواقف السّلبيّة. الجميع منّا مطالب بأن يقف الموقف المسؤول والتضامني، وأن يضغط على هذه السّلطة، وبكل الوسائل المشروعة، وأن نعيش همّ هذه القضية، لأننا بموقفنا هذا إنما ندافع عن أنفسنا، ونتضامن مع أنفسنا، وندافع عن أجيالنا وأبنائنا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى